صفحات العالم

تنظيم إشارات السير عند التقاطع السوري


خالد جمال *

في لحظة واحدة أضاء اللون الأخضر المنظم للعبور عند التقاطعات المختلفة للسير فوق المربع السوري، ولك ان تتخيل مشهد التلاطم الذي حدث في وسط هذا التقاطع، بين العربات المندفعة من جوانب التقاطع المتعددة، مسرعة في محاولة العبور من وسط التقاطع، الذي اغلق تماماً، وسدت منافذه بشكل كامل، بسبب التصادم الذي ادى الى ازدحام هائل بل قُل اختناق. وفي لحظة معبرت عن انسداد المعابر، تم اطفاء آلية التحكم الالكترونية بالاشارة الملونة، وأحضر شرطي السير كوفي انان مع معاونيه، من اجل تنظيم السير يدوياً، وفصل المسارات واحدة تلو الاخرى، من اجل تنظيم عبور هذا الكم الهائل من المركبات المندفعة.

في المسلك الاول هنالك الشعب، الذي يريد ان يعبر الى بلد اكثر حرية وديموقراطية، في لحظة مشرقية مهمة، تمتاز باندفاعة شعبية في مختلف الدول المحيطة، نحو التحرر من سلطات سياسية استمرت في الحكم لمدة تزيد عن خمسين عاماً، وفي لحظة دولية ومناخ عالمي، تسوده نزعة الحرية الفردية والكرامة البشرية والعدالة، وفي المسلك المضاد نظام عسكري امني، ذو شوكة وخبرة وتاريخ في قمع الناس وأي محاولة لديهم للانعتاق من ظلمه، في تحالف مع طبقات تجارية طفيلية مستفيدة من الرخاء المالي النسبي، وفي اتكال واضح على اقليات طائفية صاحبة امتيازات فاقعة في كل شؤون سورية الامنية والسياسية والاقتصادية، وفي علاقات مع مجموعة من انظمة الحكم المستبد كإيران وروسيا والصين، وفي اطمئنان الى دور وموقع اسرائيلي منحاز.

في المسلك الثاني هنالك ايران، وسياساتها الاقليمية ومحاولة الاستمرار في سيطرتها على محور ممتد من العراق الى لبنان مروراً بسورية، ومحاولة لفرض شروطها في لعبة التفاوض المزمن حول مشروعها النووي، مستعينة بأوراق القوة المختلفة لديها، في لحظة ترتفع فيها التهديدات بضربة عسكرية اسرائيلية او اميركية، وفي لحظة مؤلمة من الحصار الاقتصادي القابل لللازدياد مع حلول حزيران (يونيو)،

حشود

وفي المسلك المقابل تحتشد العربات المختلفة الاقليمية منها والدولية: عربات دول الخليج تريد تخفيف الضغط الايراني عليها الذي يكاد يهدد حتى نسيجها الاجتماعي وتركيبتها الوطنية ومصالحها النفطية، وعربات تركية تريد تقاسماً منصفاً للادوار في المصالح الاقليمية، وعربة اسرائيلية تزعم الخشية على مصيرها بوجود سلاح نووي بيد الملالي الايرانيين وأسلحة كيماوية بايدي حلفائه، وعربة غربية اوروبية وأميركية تخشى على مصالحها الاستراتيجية في منطقة هي الأكثر اهمية في الموارد الاستراتيجية.

روسيا والصين

في المسلك الثالث هنالك روسيا والصين، وان اختلفت قوة هدير محركات مركباتهما في الاستعداد للاندفاع الى داخل المربع، وعلى رغم امتلاكهما بطاقة حمراء اشهرتاها في غرفة المراقبة المركزية، الا انهما نزلتا الى الارض من اجل رؤية المشهد مباشرة، ومصالحهما متعددة تبدأ بحجز مكان في لعبة تغيير المقاعد المطلة على اوروبا من حوض المتوسط، والقريبة من مراكز الثروات النفطية، ومروراً بحسابات داخلية تتعلق بأنظمة الحكم في كل منهما وطبيعتها، وانتهاء بالمصالح الامنية الجيوسياسية، والتي تعتبر ان سورية هي بوابة العبور الى اواسط آسيا المجاورة لحدودهما، وفي المسلك المقابل هنالك الاتحاد الاوروبي المدعوم والمحصن بالولايات المتحدة الاميركية وبحلف الناتو، بما في اعضائه من دول ومنهما تركيا، التي تريد المحافظة على منطقة نفوذها التاريخي في المشرق العربي ومنها سورية، وفي تمكين التواصل التاريخي بين دول حوض المتوسط، والأهم ثبات السياسة الامنية واقامة السدود الواقية من أي عامل آسيوي هدد على مدى التاريخ مناطق النفوذ وحتى الدول في اوروبا نفسها.

اما المسلك الرابع وهو الأكثر أهمية فهو مسلك التاريخ، وما يحمله من زوادة فيها المتنوع: من الخلافات الدينية المسيحية الاسلامية واليهودية، والمذهبية وتحديداً السني الشيعي وأطرافهما، وفيه ايضاً قوى التنور والديموقراطية العلمانية ذات المنشأ المدني، وفيه القوى الاسلامية والمسيحية المتنوعة المآرب والمشارب مع طموحاتها وأهدافها ورؤيتها للكون، فيه الاقليات الاثنية ومشاريعها وأهدافها، وفيه الطبقات الاجتماعية ومراكزها ونفوذها، وفيه القوى العسكرية ونفوذها وسلطاتها، وفي المسلك المعاكس هنالك الجغرافيا، التي تحكم حركة هؤلاء جميعاً وتجعل من سورية ممراً الزامياً لكل من اراد العبور الى اراضي الثروات والاحلام، سواء في افريقيا او الخليج العربي، وفيه دول مجاورة ذات سطوة اقليمية تاريخية، وفيه ممر مقطوع بين ركني الامة الاسيوي والافريقي بسبب الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين، وفيه شواطئ دافئة تقبع تحتها ثروات هائلة حديثة من الغاز والنفط.

وفيه اخيراً شجرة الزيتون التي تعلم كيف توزع خيرات الارض على حبات صغيرة وكثيرة لكي يستمتع بها أكبر قدر ممكن من الناس.

* كاتب عربي مقيم في المانيا

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى