صفحات العالم

تهافت الخطابات المعادية للثورة السورية


ماجد كيالي

يخلو معظم الخطاب السياسي المعادي للثورة السورية من الفكرة والجدية والعمق، بل انه يتميز بالخفّة والضحالة والزيف، باتكائه على مجرّد الردح المعيب، وكيل الاتهامات، وطرح الادّعاءات، بحيث يمكن تمييز اصحابه بإنكار الواقع، والإنحطاط الأخلاقي، وضحالة الأفق السياسي.

أهم ميزة لهذا الخطاب أنه لا يرى شعب سوريا، او لا يريد ان يراه، حتى لا يرى مطالبه المشروعة بالحرية والكرامة والمشاركة السياسية. فعند هؤلاء هذه مجرد قضايا ثانوية، او ليست في جدول الأولويات، لأن سورية عندهم مجرد موقع جيوبوليتيكي، أو مجرد ساحة للصراع الدولي والإقليمي، وضمن ذلك فهي مرصودة لمشروع المقاومة. واستتباعا لذلك، فإن هؤلاء غير مستعدين لرؤية عذابات الشعب السوري ومعاناته، في ظل نظام الاستبداد والفساد الذي تحكم في البلد لأكثر من أربعين عاما، فهمش شعبها، وبدد مواردها، ومصادر قوتها، من دون أن يتمعنوا ولو قليلا بالفكرة ذاتها، أي فكرة المقاومة بدون مجتمع، او مقاومة في ظل مجتمع يكابد الحرمان ومعاناة الحرية ومن الحقوق السياسية!

طبعاً لا يهّم هؤلاء في النقاش الخاص بالصراع والمقاومة، لا يهمهم البتة، حقيقة ان النظام السوري لم يطلق ولا رصاصة من جبهة الجولان منذ أربعين عاما (اي منذ حرب تشرين 1973)، ولا انه انهى قواعد الفدائيين منذ وقتها، كما ولا يهمهم كل المساومات والمعادلات التي تشتغل على الضد من هذه الفكرة، منذ دخول هذا النظام الى لبنان في مواجهة الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، ولا مشاركته في «حفر الباطن» (1991) ضد العراق، ولا غير ذلك من حسابات. بل إن هذه العقلية مستعدة ان تتسامح مع هذا النظام حتى مع انكشاف ما كان يدبره مع ميشال سماحة، من تفجيرات، تفتح على صراعات اهلية في لبنان، فكل شيء يهون عندهم في سبيل بقاء هذا النظام.

ويطيب لهؤلاء استدعاء خطاب المؤامرة في الدفاع عن النظام السوري، على رغم ان هذه المؤامرة لا يبدو انها تشتغل بالطريقة المناسبة، وحتى بعد مرور 18 شهرا على اندلاع الثورة السورية، وكل هذا القتل والخراب في انحاء سوريا، باستخدام الدبابات والمدفعية والطائرات، فضلا عن الشبيحة وأجهزة الأمن ورجال القناصة.

لا يعني ذلك أنه لا يوجد قوى دولية وإقليمية وعربية تتوخى الخلاص من النظام القائم في سوريا، فهذا النظام لم يترك طرفا لم يعاده، في سياق سعيه لإرضاء طموحاته بفرض نفسه لاعبا إقليميا، لكن هذا شيء، وقيام تلك الدول بخطوات فاعلة لإسقاط هذا النظام، شيء آخر، وكما بات معلوما فهذا لا يحصل لا بالطريقة العراقية أو الصربية، ولا بالطريقة الليبية، ولا بأي طريقة. وهذا يعني أن السوريين، في حقيقة الأمر، إنما يخوضون صراعهم بصدورهم العارية، وأن المساعدات التي تقدم لهم، لا تتناسب البتة مع المستوى المطلوب، الذي قد يمكّنهم من تحقيق مكتسبات ملموسة على الأرض، فحتى الآن لم تتوفر لهم حتى مضادات طائرات، فما بالك على منطقة عازلة او منطقة حظر جوي، لا سيما ونحن نتحدث عن انقضاء عام ونصف. وبعد 30 الف شهيد وربع مليون معتقل وأزيد منهم لاجئين، وحوالى مليون ونصف مليون متشرد في الداخل، وخسائر مادية تقدر بعشرات بلايين الدولارات، نتيجة الدمار الحاصل في المدن السورية.

ويبدو التهافت في قمته في الخطاب المذكور في الحديث عن مصادر التمويل من الدول الخليجية، باعتبار ذلك عيباً، او مأخذاً، على الثورة، لكأن هذه الثورة محرّم عليها أي مصدر تمويل، وهو ادعاء متهافت وينطوي على سخافة، لا سيما حين يجري ربط التمويل باعتبارات مذهبية او سياسية. وفي الواقع فإن اصحاب هذا الخطاب يحاولون التذاكي بتناسي واقع ان الثورة الفلسطينية المسلحة كانت تعتمد في مواردها على الدول النفطية الخليجية، وليس على الكرملين أو بكين أو هافانا، وأن الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات كان يعطي من هذه الاموال النفطية، و«اليمينية«، للفصائل اليسارية وللأحزاب الشيوعية، والقومية؛ فضلا عن ذلك فإن المال الإيراني هو ايضا مال نفطي وتنطبق عليه ذات الاشتراطات المتأتية من المال الخليجي.

ويأخذ اصحاب هذا الخطاب على الثورة السورية جنوحها نحو العسكرة، ويطيب لهم سبغها بالطابع الطائفي، والتهويل ببعض مظاهر التدين فيها، لكأن الشعب السوري ينبغي ان يكون نرويجيا، مثلاً. وفي الحقيقة فهذه ليست سوى ذرائع، لأن هؤلاء اصلا ضد الثورة على النظام الاستبدادي، حتى لو كانت سلمية وعلمانية وحداثية، وهي أيضا مجرد ادعاءات لإرضاء الذات، والتغطية على التنكر لعذابات السوريين، وعلى القتل والتنكيل والتدمير الاجرامي الذي يتعرضون له. وهذا يمكن تبينه من حقيقة ان هؤلاء كانوا ضد الثورة منذ لحظة بدايتها، اي عندما كانت التظاهرات سلمية خالصة، في درعا والقابون وبرزة والزبداني والميدان والحجر الاسود وحمص وحماه وبانياس والرستن، فهؤلاء لم ينبسوا ببنت شفة حينما سحقت تلك التظاهرات بالدبابات. كذلك فإن هؤلاء لم يصدر عنهم اي شيء يدين القتل والتدمير الذي ينتهجه النظام، ولم يظهروا اي حساسية اخلاقية إزاء معاناة السوريين وعذاباتهم.

والحال فإن المعادين للثورة السورية النبيلة والمدهشة. لا يستحقون أي نقاش، فهم لا يبحثون عنه أصلا، فلديهم وجهات نظرهم المسبقة، والجاهزة، لذا لايهمهم ان النظام الذي يدافعون عنه بات له 42 عاما يحتكر الحكم في سوريا، بالحديد والنار، ولا أنه حوّل هذا البلد العريق والحيوي الى مزرعة خاصة يجري توارثها بين الاباء والأبناء، ولا أن العائلة الحاكمة تتحكم بحوالى 25 مليونا من السوريين، وتحرمهم حقهم في الحرية والكرامة الى الأبد، بل انهم يسبغون نوعا من الشرعية على كل ما يقترفه النظام من جرائم، ومن أعمال مشينة، رغم كل ما تقدم.

ومن الأصل فإن هؤلاء ينكرون حقيقة ان النظام الذي يدافعون عنه حوّل «المقاومة« الى مجرد كذبة، وشعارا للاستهلاك، والتوظيف، والابتزاز عربيا وإقليمياً ودولياً، فضلاً عن اعتباره لها مجرد حجة للتغطية على مصادرة الحريات ونهب البلاد والعباد، وهو الأمر ذاته الذي فعله بشعاراته الأثيرة المتعلقة بالوحدة والحرية والاشتراكية.

بالمحصلة فإن ما يهم اصحاب الخطاب المعادي للثورة السورية مجرد القضية، وبقاء سوريا كساحة صراع، فهذه هي عدة الشغل (قل النصب)، فليس مطلوبا اكثر من ذلك، أما الشعوب ومصائرها فليست على رأس جدول الأعمال، على أي حال.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى