صفحات سورية

تهديد المعارضة المعتدلة/ د. رياض نعسان أغا

 

 

أكدت تصريحات لافروف الأخيرة أن هدف التدخل الروسي في سورية هو الحفاظ على بقاء الأسد رئيساً وتدمير المعارضة المعتدلة، وأن شعار مكافحة الإرهاب هو مجرد ذريعة للتدخل، وهذا ما كنا نردده وروسيا تنفيه وتزعم أنها باحثة عن حل سياسي. وكان العالم كله يواجه روسيا بحقيقة كون هجماتها على الإرهابيين تعادل 3% من مجمل الهجمات، بينما ينصب 97% على غيرهم، ومراجعة أسماء الضحايا وأعمارهم وجنسهم تكشف هذه الحقيقة التي لا تستطيع روسيا إخفاءها، ولا سيما بعد استهداف قوافل مساعدات أممية والمشافي والأفران وأدان العالم ذلك.

وكانت شخصيات عديدة من المعارضة السورية قد زارت موسكو وأجرت حوارات مكثفة مع المسؤولين الروس لتصويب الموقف، وتذكيرها بأن المصالح لا تحققها حكومة ضعيفة يثور عليها شعبها، وإنما يضمنها الشعب ذاته، وأوضحت أن أي اتفاقات لا يوافق عليها الشعب لا مستقبل لها. وأكد المحاورون أن الشعب السوري كان حريصاً على استمرار الصداقة بينه وبين الشعب الروسي، ولا مانع من تحقيق مصالح متبادلة، وقد فوجئ شعبنا بمواقف أبداها سياسيون روس، قال أحدهم أكثر من مرة إنه لن يسمح لأهل السنة بأن يصلوا إلى الحكم في سورية، في الوقت الذي تتحالف فيه روسيا مع كل أصناف جيوش الشيعة وميليشياتهم، وهي تدرك أنه لا فارقَ حقيقيٌ بين خطاب حسن نصرالله وبين خطاب البغدادي، فكلاهما يزعم أنه يحارب في سبيل الله، وكلاهما متطرف، ويرتكبان جرائم مروعة ضد الإنسانية.

ولقد صاغت موسكو بيان جنيف وبنود القرار الأممي 2245 وكان عجيباً أن ترفضه وتقف ضد جوهره فيما أسمته هي «الانتقال السياسي» وأن تطلب بأن يحدث هذا الانتقال بقيادة الأسد نفسه، وهي التي صرحت عدة مرات بأنها غير معنية بالأسد، وإنما هي معنية بمكافحة الإرهاب، وبالمشاركة الدولية في وضع حل سياسي للقضية السورية.

ولقد مر عام ونحو ثلاثة أشهر على التدخل الروسي المباشر في سورية، وكان الرئيس بوتين قد أعلن خلاله الانسحاب ولكنه نسي إعلانه وعاد بقوة عسكرية جبارة، وقد زادت روسيا عدد قواعدها العسكرية وزودتها بصواريخ وأساطيل وحصلت على موافقة «الدوما» بالبقاء في سورية. وصعّدت خاصة في حلب وإدلب في هذه الفترة التي تسبق وصول ترامب إلى السلطة. والواضح أنها تريد تمكين النظام من السيطرة على كل المواقع التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة، وأن تقضي على البقية الباقية من تنظيمات الجيش الحر، كي تجعل الوضع قبيل وصول ترامب أمراً واقعاً، ولا يكون في ساحة الصراع غير النظام وقبالته «داعش» التي أكد ترامب تصميمه على إنهائها، على أمل أن يتعاون مع الأسد في الحرب على الإرهاب.

ويأتي إصرار روسيا على بقاء الأسد عبر انتخابات مقبلة للرئاسة تمويهاً لما تعرف نتائجه، فهي تدرك أن المعارضة مهما التأم شملها لن تتفق على مرشح واحد، بينما سيلتزم كل مؤيدي النظام على التصويت له وحده من دون منافس جاد.

وقد كان المشهد الأخير في إعلان روسيا «الفيتو» السادس ورفضها القبول بهدنة سبعة أيام تسمح بدخول المساعدات إلى حلب موقفاً أثار غضب أعضاء مجلس الأمن عدا الصين التي ربما تكون أرادت توجيه رسالة خاصة إلى الموقف الأميركي الذي كان داعماً للهدنة وهذا أضعف الإيمان لديه، أمام هول ما يحدث في حلب من جرائم وحشية ضد المدنيين الذين فر كثير منهم عبر ما سمي ممرات آمنة فلاحقتهم نيران النظام وقتلت نحو 500 شخص منهم، وقامت بتصفية آخرين ممن هم دون الأربعين من العمر ميدانياً.

لقد أغلقت روسيا على المعارضة المعتدلة والمعادية للتطرف والإرهاب كل نوافذ الحل السياسي، ولم تأبه بكل المناشدات الدولية لوقف القتال ولحماية المدنيين، وهي تصر على الحسم العسكري حتى وإن كانت النهاية أن يصير الأسد رئيس جمهورية المقابر.

لكن الموتى سينهضون عبر أبنائهم وأحفادهم، ولن يقهر الشعب السوري، ما دامت بعض قوى الإرهاب المنظم تضعه في زاوية القتل والتدمير فلا يجد مهرباً من الموت سوى أن يسعى إليه، مصراً على تحقيق حريته وكرامته وبناء دولته الديمقراطية مهما طال الزمن.

الاتحاد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى