توقعات غير دقيقة!
صالح القلاب
منذ بداية الانتفاضة السورية، قبل عام وأربعة أشهر، والتهديدات تتواصل بأن ما يجري في سورية في حال وصول الأمور إلى الفوضى والحرب الأهلية سينتقل إلى كل دول المنطقة، وبخاصة الدول المجاورة، وكان الرئيس بشار الأسد نفسه قد بقي يطلق مثل هذه الصيحات وبقي يردد ويحذر وينذر بأن أي مسٍّ بنظامه سوف يلهب المنطقة وسوف يعرضها، لا لزلزال واحد بل لزلازل متعددة مدمِّرة.
آخر تحذير بهذا الخصوص جاء من العراق، فقد قال “كاك” هوشيار زيباري وزير الخارجية بصدد تطور الأحداث السورية: “إن الدول المجاورة ليست محصنة ضد هذه الأزمة… وإذا تحول هذا الصراع إلى صراع مذهبي بالكامل أو إلى حرب أهلية فإن العراق سيتأثر ولبنان سيتأثر والأردن لن يكون محصناً ضد هذا”!.
ولعل ما يمكن الاتفاق مع “كاك” هوشيار عليه هو أن العراق سيتأثر حتماً، إذا انزلق الصراع في سورية إلى حرب طائفية أهلية شاملة، فالمعروف أن بلاد الرافدين تشكل الآن مجالاً حيوياً أمنياً وسياسياً واقتصادياً وطائفياً لإيران، هذا إذا لم نذهب إلى أبعد من ذلك ونَقُلْ إنها غدت محتلة احتلالاً كاملاً، باستثناء إقليم الشمال الكردستاني، من قِبَل دولة المعممين الإيرانيين، والدليل هو أن قائد فيلق القدس التابع لحرس الثورة الإيرانية قاسم سليماني هو الذي أشرف على معركة تثبيت نوري المالكي في موقعه، وهو الذي أرغم رئيس الجمهورية جلال الطالباني على الخروج عن عدم انحيازه المفترض كرئيس للبلاد والانخراط في مناورة إفشال محاولة إطاحة رئيس الوزراء الذي وصلت نزعته الطائفية إلى حد أنه بات يتصرف وكأنه تابعٌ للولي الفقيه في طهران، وليس ثاني أكبر مسؤولٍ في دولة من المفترض أنها مستقلة.
إن “كاك” هوشيار زيباري يعرف أن إيران قد دخلت حرب بشار الأسد على شعبه منذ اللحظة الأولى، وهو يعرف أيضاً أن سقوط هذا النظام سينسحب على الأوضاع في العراق، وسيجري تصحيح المعادلة القائمة الآن، وسيفقد الإيرانيون نفوذهم في هذا البلد الرئيسي في المنطقة كلها، وبالتالي فإن مشروعهم التمددي سوف يتراجع وقد تصل الأمور، وهي ستصل، إلى حدّ انتقال عدوى هذا “الربيع العربي” إلى داخل إيران نفسها، حيث ثورة القمصان الخضراء تشكل جمراً ملتهباً تحت الرماد هو بحاجة إلى مجرد نفخة ليتحول إلى نيران ملتهبة.
وإن ما ينطبق على العراق ينطبق على لبنان أيضاً، فهناك حسن نصرالله الذي دخل بـ”حزب الله” منذ اليوم الأول للقتال إلى جانب بشار الأسد ونظامه، والمعروف أن هذه الأوضاع القلقة التي يعيشها اللبنانيون الآن، إن في طرابلس وإن في عكار وسهل البقاع، وإن في بيروت نفسها، هي انعكاس لما يجري في سورية، أمَّا الأردن، الذي معرفة “كاك” هوشيار زيباري به ولأسباب كثيرة لا تقل عن معرفة أي متابع أردني لا تربطه وشائج تبعية بهذا النظام السوري الذي يعيش آخر أيامٍ له قبل الانهيار، فإن عوامل الصمود فيه لا تقتصر على قدرة قواته المسلحة ولا على كفاءة أجهزته الأمنية، ولا على إنجازاته الإصلاحية المتواصلة والمستمرة، والتي ستبقى تتواصل إلى أن تصل إلى المستوى المطلوب، وإنما قبل هذا كله وفوق هذا كله على تماسك شعبه وعلى وحدته الوطنية، وعلى وعي قواه السياسية، حتى بما في ذلك قوى المعارضة، الفعلية منها والثانوية.
الجريدة