صفحات العالم

تيار المستقبل والاتهامات السورية

 


محمد علوش

سؤال كبير يرتسم على وجه كل مراقب وسياسي حول مستقبل العلاقات اللبنانية السورية بعد الاتهامات التي وجهتها مجموعة وُصفت بالإرهابية عبر التلفزيون الرسمي السوري للنائب عن كتلة المستقبل جمال الجراح بالضلوع المباشر في الاضطرابات التي تمتد على طول الجغرافية السورية وعرضها .

فهل هناك من يريد العبث بأمن سوريا؟ وهل أحد في لبنان أصلاً قادر على ذلك؟ وكيف ستتأثر العلاقات اللبنانية السورية بهذه الاتهامات التي بدأت ولا ندري أين تنتهي؟

اتهامات ليست بالجديدة ولا بالمفاجئة

لنقل ابتداء إن الاتهام لم يكن الأول من نوعه لتيار المستقبل، فقد بث التلفزيون السوري الرسمي اعترافات نحو عشرة أشخاص أكدوا أنهم ينتمون لتيار سلفي متشدد وقد نفذوا اعتداء بسيارة مفخخة على طريق مطار دمشق في 27 سبتمبر/أيلول 2008 ، بعد أن حصلوا على أموال من تيارات سلفية في لبنان والسعودية وبتغطية مباشرة من تيار المستقبل.

وقد جاءت الاتهامات يومها في ظل تصاعد المواجهة السياسية بين سوريا وتيار المستقبل الذي حمّلها مقتل الرئيس رفيق الحريري في 14 فبراير/ شباط 2005.

كما أن الاتهام الحالي لم يأت مفاجئًا، فقد دأبت وسائل إعلام لبنانية مختلفة محسوبة على الأكثرية الجديدة (قوى 8 آذار) منذ الأيام الأولى للاضطرابات التي بدأت في درعا السورية على توجيه أصابع الاتهام لتيار المستقبل والقوات اللبنانية متهمة إياهما بتشكيل غرفة عمليات انطلاقًا من الأراضي اللبنانية وتحديدا من مدينة طرابلس القريبة من الحدود السورية بالتنسيق والتعاون مع قوى المعارضة السورية المتمثلة بنائب الرئيس السابق عبد الحليم خدام وريبال الأسد ابن عم الرئيس السوري والمعارض السوري البارز مأمون الحمصي الذي اتهم في تصريح متلفز حزب الله بالتدخل عسكريا في مدينة درعا لقمع الاحتجاجات وهو ما نفاه حزب الله بشكل رسمي في الوقت الذي كانت قناة المنار التابعة للحزب تعد ملفا كاملا وتقوم بنشره على موقعها الإلكتروني يشير إلى صلات قوية بين الاضطرابات السائدة في سوريا وجهات لبنانية وسورية معارضة بالتنسيق والتمويل من دول خليجية وتحديدًا من أطراف في الأسرة المالكة السعودية.

وفي تحقيق مطول من ثلاثة أجزاء بعنوان “سوريا في قلب العاصفة.. خفايا وأسرار” يتكئ موقع المنار في اتهاماته لتيار المستقبل على تصريحات خاصة للدكتور هيثم مناع، المعارض السوري البارز، كيف أنه تلقى اتصالا هاتفيا في باريس، حيث يقطن، لحضور اجتماع هام يكتشف خلاله حضور رجل أعمال سوري برفقة عدة أشخاص من بينهم مراسل يعمل في قناة عربية تابعة لدولة خليجية كبرى وفقا لما ينقله الموقع عن منّاع الذي يقول إنه رفض عرضًا من قبل رجل الأعمال لتسليح شباب درعا في مواجهة النظام. ويمضي منّاع بحسب الموقع قائلاً “هناك عرضان آخران بالتسلح أحدهما أتى من طرف لبناني على خصومة مباشرة مع السلطات السورية اليوم”. ثم لا يلبث أن يؤكد أن ثمة من يتلقى مرتبًا في آخر الشهر من سعد الحريري ليتحدث عن حزب الله أكثر مما يتحدث عن الشعب السوري.

يتزامن ذلك مع تسريبات لوثائق ويكيليكس نشرتها صحيفة الأخبار اللبنانية في عددها الصادر في 15/4/2011 . تقول إحداها إن الحريري في عام 2006 قبل أن يصبح رئيسًا للحكومة دعا واشنطن خلال لقائه عضوًا في الكونغرس الأميركي إلى الإطاحة بنظام الرئيس الأسد وأن تستبدل به نظاما مكونا من شراكة بين تنظيم الإخوان المسلمين في سوريا وعبد الحليم خدام.

وقد زاد من زخم الاتهامات لجهات لبنانية بالتورط في الملف السوري ما نقلته وكالة رويترز عن مصدر عسكري لبناني من أن شرطة الحدود اللبنانية ضبطت شحنة من الأسلحة كانت موجهة إلى سوريا عبر البقاع ، إلا أن المدير العام لقوى الأمن الداخلي أشرف ريفي نفى صحة ذلك كما نفى أن يكون قد تناهى إلى سمعه أن جهازًا أمنيا لبنانيا قد ضبط أسلحة مهرّبة.

وبعيد ساعات من الاتهامات السورية لتيار المستقبل خرج السفير السوري في لبنان بأول تصريح له حول الموضوع حيث دعا الجهات اللبنانية المختصة إلى القيام بدورها انطلاقا مما أورده التلفزيون السوري واعدًا بأن ملفًّا يجهز لهذا الخصوص وأن ما عُرض ليس كل شيء وأن “أيّ أذى يصيب سوريا يصيب لبنان بالقدر نفسه، وأحيانا أكثر”.. تصريح السفير أثار حفيظة قوى 14 آذار التي اتهمته بتوجيه “تهديدات مبطنة” إلى لبنان و”بالتدخل في الشأن اللبناني”. وقال الأمين العام لقوى 14 آذار فارس سعيد “النظام السوري يريد أن يقول للمجتمع الدولي إنه قادر على تفجير الوضع في لبنان إذا كانت هناك رغبة في إضعافه”.

موقف المستقبل من الاتهامات

ترى قوى 14 آذار أن النظام في سوريا أراد من نشر الاعترافات نقل المعركة إلى لبنان إذا نجحت وسائل إعلامه في تسويق ما يدور في سوريا على أنه مؤامرة خارجية هدفها النيل من مواقف سوريا الداعمة للمقاومة والمعادية لإسرائيل .

وهو بذلك يسعى إلى تسخين المشهد السياسي اللبناني المتأزم أصلا لصرف الأنظار عما يدور في سوريا، حيث إن اتهام المستقبل يعزز القوى الحليفة لسوريا بعد أن كانت تصريحات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بخصوص الاضطرابات في البحرين قد أثارت حفيظة الحكومة البحرينية التي وجهت احتجاجا إلى الحكومة اللبنانية على ما اعتبرته تحريضًا وتدخلاً فاضحا لحزب الله في شؤونها الداخلية وهو ما دعا الرئيس سعد الحريري للتدخل لدى الخليجيين والقول إن حزب الله لا يمثل إلا نفسه ولا يعبر عن تطلعات الحكومة اللبنانية.

يضاف إلى ذلك أن تيار المستقبل استطاع حشد عشرات الآلاف من المؤيدين في 13 أبريل/نيسان الماضي بساحة الشهداء في بيروت للمطالبة بإسقاط سلاح حزب الله، ثم أتبع ذلك في تصريحات متتالية ولقاءات جماهيرية بالقول إن إيران تتدخل بشكل سلبي في الشؤون العربية الداخلية.

وقد جاء ردّ حزب الله عبر وسائل إعلامه بتكريس الهجوم على تيار المستقبل والسعودية. وتصاعدت الاتهامات للحريري مع بدء الاضطرابات في الداخل السوري حيث حُمِّل بشكل مباشر جزءًا من المسؤولية إلى جانب اتهام الإخوان المسلمين في سوريا وجماعات كل من عبد الحليم خدام ورفعت الأسد.

ومن هنا فإن الاتهامات التي وجهها التلفزيون السوري لتيار المستقبل –وفقًا لما يراه هؤلاء- ليست رسالة إلى الداخل اللبناني بقدر ما هي موجهة للولايات المتحدة وفرنسا من ناحية وللسعودية من ناحية أخرى بأن أي ضغط على دمشق سيُرد عليه في بيروت وأن التدخل السعودي العسكري في البحرين يعطي الحق لسوريا في أن تدفع عن نفسها الخطر من خلال توريط لبنان في ملفها أو نقل المعركة إليه.

ويمضي هؤلاء في تخوفهم إلى أن الأمر ربما لن يقف عند حدود كهربة الوضع الداخلي اللبناني بل إنه قد يصل إلى تهيئة الجوّ لدى حزب الله لإشعال مواجهة مفتعلة مع إسرائيل لتخفيف الضغط عن سوريا وحرف أنظار المجتمع الدولي عمّا يحصل فيها من حراك على حد وصف إلياس الزغبي القيادي في قوى 14 آذار.

لبنان والتدخل في سوريا

لا يوجد أحد في لبنان يعلن تأييده لأي تدخل لبناني من أي جهة كانت في الوضع السوري الداخلي، بل إن خصوم سوريا في لبنان يبررون خصومتهم لها بأنها لا تكف عن التدخل في الوضع الداخلي اللبناني كما تقوم بتقوية أطراف على أخرى، وجل ما يرغب فيه هؤلاء من سوريا هو أن يكون التعامل بين دولة وأخرى وبين حكومة وحكومة.

وفي الوقت الذي يترقب فيه الشارع اللبناني بكل طوائفه وفئاته تطورات الأوضاع في سوريا، ينقسم الشارع السياسي بين من يرى أن الأمر شأن سوري ولا يحق للبنان أن يتدخل سلبًا أو إيجابا في الاضطرابات القائمة, وبين آخرين يرون أن المشكلة لبنانية كما هي سورية وأن المطلوب هو الوقوف إلى جانب سوريا وحمايتها في الخاصرة اللبنانية وعدم السماح لأي معارض سوري بالوجود على الأرض اللبنانية.

ومن ثم لجم الإعلام اللبناني لجمًا تامًّا والكف عن تصويره الاضطرابات في سوريا على أنها مواجهة بين الشعب والنظام، بل هي مواجهات بين الشعب والنظام من ناحية وعصابات تريد تخريب سوريا ومعاقبتها على موقفها السياسي المستقل والمنحاز بشكل تام لصالح المقاومة من ناحية أخرى.

وليس بدعًا من القول، أن يمثل حزب الله وحركة أمل وجهة النظر الأخيرة في حين يمثل تيار المستقبل وحلفاؤه في قوى 14 آذار وجهة النظر الأولى.

وتدافع قوى 8 آذار عن رؤيتها للمشهد السوري ومدى تشابكه مع الوضع الداخلي اللبناني، بأن النظام السوري ، إضافة إلى كونه حاضنًا لقوى المقاومة فهو الحامي والضامن أيضا للأقليات في المنطقة وتحديدا للمسيحيين.

وبما أن لبنان شديد الشبه بسوريا بل يفوقه في التنوع المذهبي والطائفي فإن ارتدادات ما يحصل في سوريا ستصل لبنان بلا شك. ومن هنا يقول المقربون من سوريا في لبنان إن على اللبنانيين جميعًا دعم النظام السوري في أزمته الحالية إذا أرادوا أن يبقى بلدهم مستقرًّا هذا إذا كانوا أقل كرمًا من سوريا ولم يقفوا معها في محنتها وهي التي حمت المقاومة وأمدتها بالسلاح واستقبلت الفارين على أراضيها من القصف الإسرائيلي خلال العدوان الإسرائيلي عام 2006.

أما رئيس جبهة النضال الوطني وليد جنبلاط فيذهب إلى ما هو أبعد من الحديث عن معادلة “أمن لبنان من أمن سوريا” إلى القول إن سوريا ساهمت إلى جانب القوى الوطنية والتقدمية في مواجهة مشاريع التقسيم والتفتيت، وأسقطت اتفاق 17 أيار، مما فتح الطريق إلى اتفاق الطائف.

العلاقات الرسمية بين البلدين

ليس من المرجح أن تتأثر العلاقات الرسمية بين البلدين، لا سيما إذا ما اعتمدت الحكومة السورية القنوات الدبلوماسية الصحيحة في إطلاع المؤسسات اللبنانية المعنية على حقيقة الاتهامات التي وُجهت لأعضاء في تيار المستقبل الذي يطالب أصلاً بأن تُظهر سوريا ما لديها من أدلة للجهات اللبنانية المختصة حتى يأخذ القانون مجراه.

إلا أن تداعيات الاتهامات ستبقى تخيم على شبح الحكومة التي لم تولد بعد خصوصًا أن الرئيس المكلف نجيب ميقاتي يحرص على أن يكون في حكومته شخصيات لا تستفز أطرافًا سياسية عريضة على رأسها تيار المستقبل وأن تحصل على تأييد دولي وإقليمي كبير، وهو أمر على ما يبدو أصبح بعيد المنال بعد الاتهامات السورية وتزايد التوتر بين سوريا وتيار المستقبل.

الجزيرة نت

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى