ثأر البيضا شرقاً؟
المنتصر الجندي
قرية الصبورة التي تقع شرقي مدينة سلمية على بعد 20 كيلومتراً عنها، وكامل سكانها من ابناء الطائفة العلوية، يبلغ عددهم حوالي خمسة عشر ألفا. هي قرية موالية للنظام بشكل عام، ولكن لبعض عائلاتها نشاطات سياسية قديمة دفعوا ثمنها من عمر أبنائهم سنوات طويلة في السجن. كالمعارض توفيق دنيا المنفي من سوريا منذ أكثر من ثلاثين عاما والناشطة خوله دنيا التي كانت من أبرز نشطاء الثورة.
مع بداية الثورة وخصوصا بعد عسكرتها، قام النظام بتسليح الشباب في القرية وتنظيمهم في اللجان الشعبية ومنحهم معمل السجاد فيها مقرا لهم. كما قدمت القرية الكثير من القتلى من أبنائها في الجيش النظامي مما زاد مخاوفهم وأدى الى تصلب موقفهم من الثورة والتمترس خلف النظام، الذي لم يتوان عن ارسال القوات العسكرية الى القرية مدعيا حمايتها. حيث يتواجد الآن في القرية حوالي 5000 عنصر بين جندي نظامي ولجان شعبية وحوالي 12 دبابة والعديد من العربات، تم استقدامهم اليها بعد اعلان كتائب من الجيش الحر أبرزها “كتائب الفاروق” و”أحفاد الرسول”، معركة الجسد الواحد لتحرير منطقة السلمية.
وفي 10 أيار، بدأ فصل جديد من المعركة. حيث أطلق الجيش الحر ثمانية صواريخ محلية الصنع على قرية الصبورة. كان مصدر الصواريخ قرية ام الخنادق شرقي الصبورة التي سيطر عليها الحر منذ فترة. فكانت النتيجة مقتل عدد من اللجان الشعبية واصابة فتاة صغيرة كانت تمر بالقرب من المقر، حيث سقطت معظم القذائف على المقر أو بالقرب منه كما قال أهل القرية أنفسهم.
فهل كانت الضربات موجهة بدقة حرصا من الجيش الحر على المدنيين الأبرياء أم أنها مجرد صدفة؟ هذا ما ستكشفه الأيام القليلة المقبلة.
على الخط نفسه بدأت اشتباكات عنيفة حول كتيبة الدفاع المتمركزة على أطراف قرية بري الشرقي، وهي كتيبة كبيرة ومعززة بالدبابات والمدرعات وأعداد ضخمة من اللجان الشعبية المستقدمين من كافة القرى المجاورة. كانت حصيلتها استشهاد سبعة مقاتلين من الجيش الحر اثنان منهم من أبناء مدينة السلمية الذين يقاتلون في صفوف كتائب الفاروق، والعديد من القتلى في صفوف النظام واللجان الشعبية والكثير من الجرحى الذين غصت بهم مستشفيات مدينة السلمية وتم نقل الحالات الخطرة الى مشافي محافظة حماه.
بدأ التوتر يعم المنطقة والاستنفار أمني في مدينة السلمية والقرى المحيطة مع تسجيل حالات نزوح قليلة من قربة الصبورة باتجاه قرية جدوعة القريبة منها وايضا من قرية المفكر القريبة من قرية بري حيث جرت الاشتباكات.
الأحداث الساخنة التي تجري في هذه المنطقة ما زالت مرشحة لتطورات خطيرة لن ينتهي الجدل حولها . و هنا لا يمكن التعويل على سلوكيات النظام الذي لم ولن يتوانى عن تعميق الشرخ الطائفي في المجتمع السوري والذي كانت مجزرة بانياس أقسى الأمثلة على ما ينوي النظام القيام به، كما لن تكون الأخيرة.
فهل سيقاتل النظام في الصبورة بكل قوته حتى يوهم العلويين أنه فعلا الحامي الأخير لهم من مقتلة سوداء حضرها لهم بنفسه من خلال جرائمه الطائفية في الحولة وبانياس وغيرها الكثير؟ أم سيتركهم تحت رحمة الجيش الحر ليلقوا مصيرهم منفردين ويكونوا درسا لباقي أبناء الطائفة في المناطق الأخرى؟ وهنا الكرة تصبح في ملعب الجيش الحر الذي سيحسم هذا الجدل حسب الطريقة التي سيتعامل بها مع أبناء هذه القرية و باقي القرى العلوية في المنطقة.
فإذا تصرف الجيش الحر بنفس انتقامي طائفي، ستكون كارثة حقيقية على الشعب السوري ستدخله في نفق خطير من الاحتراب الأهلي والانتقامات العشوائية التي لن يذهب ضحيتها غير الأبرياء. ودروس التاريخ كثيرة في هذا المجال. كما ستعزز مثل هذه التصرفات فرصة قيام الدولة الطائفية على الساحل وذلك بدفع علويي الداخل للهجرة باتجاه الساحل و التمترس هناك. وهنا يكون الجيش الحر قد قدم خدمة لا تقدر بثمن لعدوه. أما القصاص العادل فهو محاسبة الجناة والقتلة بشخوصهم فقط، وهذا المطلب الأول للثورة والذي سيحمي سوريا وثورتها من التحول الى وحش جديد يحمل عقلية نظام الأسد نفسها، سيجلعنا نترحم على الثورة التى ستوأد في هذه الحالة على يد أبنائها.
القرار الآن بيد الجيش الحر: هل سيحمل سوريا الى الجحيم، أو الى حلم ثورتها ببناء دولة مدنية ديموقراطية عمادها القانون والعدالة التي تحمي كل أبنائها وتحفظ حقوقهم.
المدن