ثقافة الماركات الجاهزة/ ممدوح عزام
يعرف السوريون أن معظم الحوارات الأدبية التي كان يُجريها الصحافيون الشبّان مع الكتّاب في معظم الحقول الإبداعية، كانت تتضمّن سؤالاً محورياً يستفسر عن الأسماء المهمّة في الحقل الأدبي الذي ينتسب إليه الكاتب في الحوار.
يعرف السوريون أيضاً أن الأجوبة كانت جاهزة، ومعلّبة في حافظة الذاكرة المُعدّة لمثل هذه الأسئلة. ففي كل مسرد عن القصة القصيرة السورية، سيرد اسم القاص فلان فقط. وفي كل جردة عن الرواية، سيرد اسم الروائي علّان ليس غير، واسم لمسرحي واحد وفنان تشكيلي واحد ومفكّر واحد ومحلّل سياسي وحيد.
كان الأمر يشبه إلى حد بعيد صناعة العلامات التجارية (الماركات) المهيمنة أو المسيطرة على أسواق الملابس أو السيارات أو الأجهزة الإلكترونية. على الرغم من ظهور الكثير من الأسماء الأدبية الجديدة والمميّزة فعلاً، والتي صار لها حضور أدبي فاعل في الرواية والقصة والمسرح والفن التشكيلي، يمكن أن يكون أكثر أهمية وقيمة، فإن “العلاّمة” ظل هو المسيطر شبه الوحيد على المسارد البيبلوغرافية التي تؤرشف لتاريخ هذا النوع، أو ذاك النوع، من الإبداعات الأدبية.
لا نسأل لماذا يتقدّم هذا الاسم أو ذاك على غيرهما من الأسماء في الوسط الأدبي، ذلك أن حضور الكاتب ذي القيمة الأدبية الرفيعة، ليس حاجة إنسانية واجتماعية ووطنية وحسب، بل هو نتاج الموهبة الفردية والحضور الخيالي الفاتن. ما نشير إليه هو أن المكانة الإعلامية لا تشير إلى القيمة الأدبية. أو أن المكانة الأدبية في الثقافات الفقيرة والخاوية والمحرومة من حرية الكتابة والإبداع، تنتمي غالباً إلى الشهرة المصنعة، لا إلى القيمة الأدبية.
ثمة كثير من الأسماء التي هيمنت على بيبلوغرافيا الأنواع الأدبية، بقوة الانتحال لا بقيمة الجمال، حتى إذا نشأ جيل جديد قارئ. كان “اكتشاف” القيمة الحقيقية المتدنية لهؤلاء الكتّاب صدمة معرفية وخيبة أخلاقية.
اللافت في الأمر أن الوسط الأدبي يميل إلى الاستعراض، لا إلى القراءة المباشرة، وهنا يمكن أن يستخدم الإعلام أسماء “كبيرة” من الثقافة الوطنية والقومية، أو من الثقافة الإنسانية، كمانشيتات، ولافتات، وعلامات على المعرفة والاطلاع.
وفي هذا الحقل، يبرع بعض الأفراد في استعادة الأسماء المشهورة، واستخدامها لإسكات الخصم. قال لينين مثلاً، أو قال طاغور أو قال فرويد. أو أي كاتب آخر من أولئك الأجداد الذين يتسمّون بـ”حكمة” القول الفصل في مسائل الحياة والفكر، وصرنا نرى أن أي ثنائي مختلف في الحوار أو الجدل يرضى بهذا التزوير، لا لأنه يعرفه وحسب، بل لأن كلا المتحاورين يستعين به في المحاجة وخطاب الإقناع، وهو يعلم أن الخصم لا يقل جهلاً بلينين أو فرويد عنه.
قد يكون الرضا بتكرار الأسماء المحلية الصغيرة؛ أي تلك التي يرمي بها الإعلام السلطوي أو الحزبي، في الحقل المرئي، شكلاً من التقاط الطعام المتاح، غير أنه يعكس أيضاً حالة كسل ثقافي رخو يقدّس الواحد المريح الجاهز الذي يعفي أنصاف المتعلّمين والمثقفين من البحث والاستقصاء.
العربي الجديد