صفحات العالم

ثلاثة مستويات للتوافق في سوريا/ محمد السعيد ادريس

أكثر المتفائلين بوجود فرصة لحل سياسي للأزمة السورية من خلال “مؤتمر جنيف – 2” يتحدثون بحذر وتردد عن إمكانية انعقاد هذا المؤتمر في الموعد المقترح له يوم 23 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، لكن، وسط كل هؤلاء جميعاً، لا يوجد من لديه القدرة أو الشجاعة الكافية للخوض في إجابة لسؤال: وماذا بعد “جنيف – 2” . وإذا ما انتقلنا إلى معسكر المتشائمين أو الرافضين أو حتى المتحفظين على انعقاد المؤتمر في ظل كل ما يحيط به من ظروف غير مواتية، فلن نجد من يعطي نفسه فرصة البحث في إجابة للسؤال الأصعب وهو: هل هناك من بديل “لمؤتمر جنيف – 2” لحل الأزمة السورية إذا استبعدنا البديل العدمي للمأساة السورية وهو أن تستمر إلى أن تتوقف تلقائياً بعد أن تنتفي كل مبررات استمرارها .

السؤالان: “ماذا بعد جنيف – 2” أو ما هو البديل ل “جنيف – 2” لم يعد هناك مفر من الانشغال بهما من الآن دون انتظار لفشل انعقاد المؤتمر الذي بات مرجحاً في ظل اتساع الفجوة بين مواقف كل الأطراف ليس فقط بين النظام والمعارضة، ولكن أيضاً بين فصائل المعارضة المختلفة، بقدر ما هي تتسع بين الأطراف العربية والإقليمية وبين الأطراف الدولية، إذ لا يوجد ذلك الحد الأدنى من توافق المصالح بين هذه الأطراف التي يحفزها للتوجه نحو التفاوض، كما لا يوجد أيضاً ذلك القدر الضروري من توازن القوى على الأخص بين المتفائلين، للاقتناع بوجود أرضية تفاهم مشتركة وأرضية ثقة للقبول بالتفاوض .

التعقيد الشديد في الأزمة السورية هو الذي يفرض ذلك، وهذا التعقيد سببه الأساس أن أزمة سوريا لم تعد أزمة داخلية بحتة . فهي أضحت أزمة تصفية حسابات، وحروب بالوكالة بين العديد من الأطراف الخارجية، العربية والإقليمية على وجه الخصوص، ولكنها، وهذا هو الأهم، تحولت إلى أزمة اختبار توازن بين القوى الدولية لإعادة صياغة وهيكلة النظام العالمي في اتجاه مخالف للأحادية القطبية الأمريكية، أو شبه القطبية الأحادية الأمريكية التي سعت واشنطن إلى تكريسها منذ انتهاء نظام القطبية الثنائية بتفكك الاتحاد السوفييتي وانهيار حلف وارسو ابتداء من عام ،1991 ما دفع بخبراء كثيرين إلى القول بأن مؤتمر تسوية الأزمة السورية سيكون أشبه ب “مؤتمر يالتا” الذي عقد عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية وأسس للنظام العالمي ثنائي القطبية .

بهذا الفهم نستطيع أن نقول إن جل الأزمة السورية بات مشروطاً ومرتبطاً بضرورة تحقيق توافق المصالح وتوافق الإرادات على ثلاثة مستويات:

* المستوى الأول: توافق مصالح السوريين بكافة فصائلهم في الداخل والخارج، النظام والمعارضة، فإذا لم يصل السوريون إلى قناعة مؤكدة بأن استمرار الأزمة أكثر من ذلك لن يحقق أية مصلحة لأي طرف من الأطراف فإن القتال لن يتوقف والأزمة سوف تستمر، إلى أن يصل الجميع إلى نقطة توازن في المصالح والأهداف تقول: هنا فقط يجب أن تتوقف الأزمة ويتوقف الاقتتال .

* المستوى الثاني: توافق مصالح الأطراف العربية والإقليمية التي تدعم وتمول الحرب داخل سوريا، فهذه الاطراف تورطت في أزمة سوريا ليس دفاعاً عن شعبها أو عن أهداف سامية ونبيلة ثار الشعب السوري من أجلها، كما أنها لا تدافع عن النظام السوري، ولكن الجميع تورط في سوريا دفاعاً عن مصالحه، وخوضاً لصراع مع أطراف أخرى على أرض سوريا يصعب خوضه مباشرة، لذلك فإن هذه الأطراف ستبقى متورطة في الأزمة السورية إذا لم تستطع حل خلافاتها والتوقف عن الصراع بدافع من مصالح حقيقية تفرض التوقف عن خوض مثل ذلك الصراع .

* المستوى الثالث: توافق مصالح الأطراف الدولية، ليس فقط الولايات المتحدة وروسيا، ولكن أيضاً الاتحاد الأوروبي، والصين، وإذا كان قد حدث قدر من التوافق الأولي أو المحدد بين واشنطن وموسكو بالنسبة لقبول واشنطن للحل السياسي والتراجع عن التدخل العسكري في سوريا عبر الموافقة على تدمير ترسانتها الكيماوية، فإن هناك قضايا أخرى تنافسية مازالت مثارة بين البلدين . فالتضارب الأمريكي – الإيراني قد تراه روسيا خصماً من رصيدها وقد تراه الصين كذلك، ويمكن أن تسعى روسيا إلى نسج علاقات تقارب مع مصر خصماً من الرصيد الأمريكي، ناهيك عن المنافسات بين أوروبا وروسيا، وبين الصين وبين الجميع، الأمر الذي يجعل التوافق الدولي حول سوريا هو الآخر أمراً معقداً أو لا يقل كثيراً في تعقيداته عن تعقيد التوافقات الأخرى .

بهذا المعنى يكون الحديث، أي حديث، عن الحل السياسي للأزمة السورية بلا معنى من دون إحداث اختراقات حقيقية في هذه المستويات الثلاثة من التوافقات المطلوبة المرتبطة ببعضها، فأي توافق على المستوى السوري لن تكون له أهمية كبرى من دون أن يكون مدعوماً من الأطراف العربية – والإقليمية . كما أن أي توافق على المستوى الدولي لن يجدي من دون توافق داخلي سوري وقبول عربي وإقليمي، لكن ربما يكون الاختراق الحقيقي الذي يمكن في حالة حدوثه أن يجدي على مستوى توافق الأطراف السورية وعلى مستوى توافق الأطراف الدولية التي باتت مهيأة لمثل هذا التوافق، هو توافق الأطراف العربية والإقليمية التي من دون توافقها سيكون من المستحيل تجديد الأمل في الحل السياسي، وعلى الأخص التوافق السعودي – الإيراني، والتوافق الإيراني – التركي، والتوافق التركي – السعودي، ولعل هذا ما حفز الأخضر الإبراهيمي المبعوث الدولي – العربي في الأزمة السورية، في أوج جولته الحالية إلى الحديث عن “دور إقليمي معرقل” للحل السياسي .

الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى