صفحات العالم

«ثلاث أساطير ضخمة (وخطيرة) بشأن «الدولة الإسلامية

 

 

منذ صعودها الصاروخي لتحتل أسوأ سمعة على مستوى العالم بحلول منتصف عام 2014، فإن المجموعة التي تطلق على نفسها الآن «الدولة الإسلامية» (أو داعش) قد احتلت مكانا مركزيا في أذهان واضعي السياسات والمحللين، ووضعت نفسها على أنها العدو العام الدولي رقم واحد.

وبطرق عديدة، شكلت «الدولة الإسلامية» أيضا مصدر إحراج لأمن المجتمع. أولا: عدد قليل جدا، إن وُجد من الأساس، من الخبراء هم الذين توقعوا صعود مثل تنظيم «الدولة الإسلامية» على الساحة في العراق وسوريا حتى حدث ما حدث فعلا. ثانيا: على الرغم من كل الطاقة الفكرية المكرسة لفهم ما الذي تريده «الدولة الإسلامية»، فإننا ما زلنا لا نعرف الكثير عن المنظمة حتى بعد مرور عام.

وبالتالي، فإن هناك قدر ضئيل من الاتفاق في الأوساط الأمنية بشأن الطبيعة الحقيقية للدولة الإسلامية والاستراتيجية المناسبة لــ «تفكيك وتدمير» المجموعة. وبصراحة، فإنه بالنسبة لكل الفخر الذي تأخذه الأوساط الأمنية في قدراتها التنبؤية والتفسيرية والإلزامية، فقد فشلت في حل اللغز الذي عرضته «الدولة الإسلامية».

وعلى الرغم من كل الفوضى التحليلية والتنافر، فإنه كان هناك إجماع حول كيفية تمتع «الدولة الإسلامية» بالشرعية المحلية والعالمية و الدعم الشعبي في نظر المؤيدين والمتعاطفين معها الفعليين أو المحتملين. ووفقا لمعظم المحللين، فإن شرعية  «الدولة الإسلامية» تظهر من خلال ثلاثة خصائص للمنظمة كانت قادرة، على الأقل في البداية، على إظهارها. الأثر الاستراتيجي هو أنه إذا كان للولايات المتحدة وحلفائها، بطريقة أو بأخرى، قدرة على البرهنة لأتباع الدولة الإسلامية أن المجموعة لم تعد قادرة على تحقيق وعدها الأول، فإن المجموعة سوف تنهار في نهاية المطاف.

الافتراض الأول هو أن «الدولة الإسلامية» تدين بالكثير من جاذبيتها لطبيعتها «الإقليمية». لذلك، إذا بدأت «الدولة الإسلامية» تفقد أجزاءً من الأراضي، فإن شرعيتها ستبدأ أيضا في التهاوي. ثانيا: تحتاج «الدولة الإسلامية» إلى التوسع الإقليمي لتظل جذابة. احتواء «الدولة الإسلامية»، كما تدعي الحجة، سيقوض في نهاية المطاف الأيديولوجية التوسعية للمجموعة. ثالثا، وهو الأعم والأشمل، فإن الافتراض بأن «الدولة الإسلامية» يمكنها تنشيط مقاتليها ومؤيديها لأنها كانت قادرة على تقديم صورة لا تقهر. وإذا ما تم كسر هذه «الأسطورة التي لا تقهر»، فإن عددا من المحللين يجادلون بقوة بأن «الدولة الإسلامية» لن تكون قادرة على قيادة ولاء مؤيديها أو العمل كنقطة محورية للجهاد العالمي.

وكما أظهرت أحداث العام الماضي بشكل واضح بأن هذه الافتراضات الثلاثة ليست في محلها، وهو ما يعني أن الأوساط الأمنية لا تزال عاجزة عن فهم طبيعة واستراتيجية «داعش». فقدت «الدولة الإسلامية» الأرض، وفشلت في التوسع بشكل كبير، وعانت العديد من الهزائم في ساحة المعركة. تقريبا كل مرة منذ الحصار الذي فرض على نطاق واسع حول عين العرب في شمال سوريا لاستعادة معظم تكريت في العراق، والأوساط الأمنية، بالإجماع تقريبا، تعلن أن هذه الهزائم قد كسرت ظهر التنظيم. ورغم ذلك؛ فإن «الدولة الإسلامية» لا تزال هناك، مع عدم وجود علامات واضحة للانهيار أو حتى الضعف.

في الواقع، فقد استولت المنظمة على الرمادي في العراق وعلى الموقع التاريخي لمدينة تدمر في سوريا فور خسارة تكريت، ولم تتوقف عن شن حملات المضايقة على المليشيات الكردية في كل من سوريا والعراق. لقد حان الوقت أن نبدأ الاستجواب، ونأمل التخلي عن الطبيعة الخاطئة للافتراضات الثلاثة التي تصور الدولة الإسلامية على أنها أكثر هشاشة مما هي عليه حقا.

أولا: «الدولة الإسلامية» مجموعة إقليمية بالتأكيد، ولكن ليس بنفس طريق الدولة القومية الحديثة الإقليمية. تعمل الدول الحديثة على إضفاء الشرعية على سلطتها عن طريق «تثبيت» الحدود والتعامل معها بوصفها «حصون منيعة»، لكن فهم «الدولة الإسلامية» الإقليمي مبني أكثر على مفهوم «المرونة الإقليمية» التي تتمركز في قلب العديد من الإمبراطوريات خارج وستفاليا. على سبيل المثال، الإمبراطورية العثمانية. ولا تلتزم هذه الكيانات، كما لا تعترف بهذه الحدود، لكنها في المقابل تؤكد على الحدود المفتوحة. وسمحت هذه المرونة لهم بالحشد، ليس فقط لتقديم الدعم لحملات مستمرة تقريبا على الحدود، ولكن أيضا لاستيعاب الانسحابات الاستراتيجية والتقلصات الإقليمية. وتعمل «الدولة الإسلامية» بطريقة مماثلة. فقدان أجزاء من الأراضي لا ينزع الشرعية بالضرورة من المنظمة بنفس طريقة الخسائر الإقليمية، وحتى تلك الهامشية؛ من شأنها أن تؤثر على تشكيل حكومة وطنية أو لاعبا غير حكومي يهدف إلى ترسيخ الاستقلال الوطني (مثلا، مثل مليشيات وحدات حماية الشعب التي تتألف من الأكراد السوريين) وليس على تنظيم بهذا الشكل.

ثانيا: دعاية «الدولة الإسلامية» توسعية ومنمقة بالتأكيد، ولكن استراتيجيتها الطائفية الفعلية تحد من انتشارها الإقليمي والفكري إلى المناطق ذات الأغلبية السنية في سوريا والعراق. بينما حركات الجهادية السلفية التي استلهمت أفكارها من تنظيم القاعدة قللت من حجم الانقسام بين السنة والشيعة، وتغذي «الدولة الإسلامية» التوترات الطائفية في المنطقة. وتسمح هذه الاستراتيجية للمجموعة بالحفاظ على بعض الشعور بشأن الشرعية في نظر السنة تحت حكمها (الذين قد يشعرون بأنهم مهددون من قبل الجيش الذي يهيمن عليه الشيعة والقوات شبه العسكرية)، ولكن أيضا يجعل من غير العملي، وحتى من المستحيل، على «الدولة الإسلامية» أن تحتل أو حتى تجد دعما في الأراضي ذات الأغلبية الشيعية، وخاصة في وجود إيران متيقظة.

«عدم القدرة على التوسع» في هذا السياق لن يضر «الدولة الإسلامية» فيما يتعلق بشرعيتها. وفي الواقع؛ فإنه عند الفحص عن قرب، لا يبدو أن «الدولة الإسلامية» تحاول التوسيع من أجل التوسعة. ومن المحتمل جدا أن الأولوية للمجموعة هي «التحصن» وتحويل التضاريس الاجتماعية والسياسية التي تتحكم فيها حاليا بشكل واضح ليس فقط إلى فكر جهادي خالص، ولكن أيضا توترات طائفية صارخة. ومع ذلك؛ فإن هذا “الحد الإقليمي” يجعل «الدولة الإسلامية» أكثر خطرا على الاستقرار الإقليمي. «الدولة الإسلامية» عبارة عن شيء جاهز للانفجار بالفعل في منطقة هشة من الناحية الطائفية، حتى لو كان الدمار أو الانهيار على أيدي أعدائها، والتوترات بين السنة والشيعة التي تغذي حاليا المجموعة قد تساعد في عودتها من تحت الرماد، أو تجسيد مختلف مع اسم جديد.

ثالثا، وربما الأهم من ذلك، أن «الدولة الإسلامية» تعتمد على ما يتردد عنها بأنها «أسطورة لا تقهر»، وهذا في حد ذاته أسطورة. وقد يكون في الواقع هذا هو أكثر افتراض شائع بشأن الأزمة الكاملة للدولة الإسلامية، والتي لا يتحدث عنها أحد. ليس لدينا على الإطلاق أي سبب للاعتقاد بأن أنصار «الدولة الإسلامية» والمتعاطفين يتوقعون حقا صمودها بشكل مستمر وهزيمة القوات التي تفوق عددها. بنت «الدولة الإسلامية» لنفسها سمعة تظهر كونها «قادرة ومستعدة»، وليس كونها قوة الطبيعة القاهرة. وافتراض أن جمهورها ستصيبه خيبة أمل ما لم تسحب «الدولة الإسلامية»  بالمعني الحرفي المعجزات من قبعتها يظهر بالكاد كيف أن المحللين الغربيين، حتى بعد عقد ونصف من الزمان في أعقاب هجمات 11 سبتمبر / أيلول يميلون إلى حرمان الجهاديين العالميين وجمهورهم من إحساس بمعنى «الواقعية» التي تفاخروا كثيرا بها.

ويمكن للدولة الإسلامية أن تخسر المعارك، وبالفعل حدث ذلك، ولكن طالما أنه يمكن التشبث بصورة «الخاسر القادر»، فإنها سوف تبقي ملهمة لأتباعها، وخاصة في المشهد الثقافي. وما فشل المحللون الغربيون في فهمه هو هذا الجاذبية الداعشية الموجودة في قوة المجموعة وقدرتها الاستراتيجية ومرونتها. وفي ذلك، حققت «الدولة الإسلامية» بالفعل مكاسب كبيرة، إن لم تكن بالفعل قد انتصرت. حتى لو كان هناك تحالف محاربة «الدولة الإسلامية» يضم مختلف الجنسيات ويعمل على تدمير المجموعة من خلال الحملة التقليدية، فلا يمكن للمروجين تقديم حجة مقنعة لقضيتهم.

لذا، ما هي الحجج المترتبة على الاستراتيجية؟ ويجب على المحللين أن يتجاوزوا اتجاهين تحليلين تسببا في تضليل الاتجاهات: التعامل مع «الدولة الإسلامية» كحالة استثنائية تتحدى العقلانية أو «الإفراط في تطبيع» المجموعة عن طريق التفكير في الأمر من حيث عمليات التمرد التقليدي والدول الحديثة.

مسار واحد محتمل خارج هذا الفخ التحليلي سيكون بالتركيز على «المنطق الإقليمي للدولة الإسلامية» فضلا عن الدوافع وراء الجنون الذي تظهره، ناهيك عن “واقعية” الجماهير المحلية والعالمية. ولا يعكس شعور «الدولة الإسلامية» بالحالة الإقليمية مثله في الدول الحديثة وحركات التمرد القومية، ولكنها أيضا ليست ”فريدة من نوعها“ من منظور تاريخي. وتلعب المجموعة أيضا دورا استراتيجيا في الانقسامات الطائفية في المنطقة والطبيعة “الطائفية” للتهديد الذي تشكله على الشرق الأوسط الكبير، وينبغي التأكيد على ذلك بكثير وبإيجاز أكثر من التركيز على الخطاب المروع للمجموعة الذي يذهل بل ويخيف العديد من المشاهدين.

وأخيرا، فإن الجمهور الرئيسي للتنظيم، ومنهم من هو بحاجة إلى الدعم السلبي أو الإيجابي لديهم توقعات أكثر واقعية عن أداء التنظيم (عسكريا أو غير ذلك) أكثر من تلك المنسوبة إليهم من قبل الأوساط الأمنية. إن تقويض شرعية الخصم يمكن أن تكون مفتاحا للنجاح، ولكن فقط إذا كان لدينا تقييم دقيق إلى حد ما عن مصادر هذه الشرعية. وخلافا لذلك، فإن

نا نحن المحللون سوف نربت على أكتاف أنفسنا بعد كل ضربة يتم توجيهها إلى شرعية «الدولة الإسلامية»، إلا أننا نكون في حيرة [مرة أخرى] عندما نكتشف أن المنظمة لا تزال على قيد الحياة وتواصل ضرباتها.

ويعمل المسار البديل على محاولة العثور على «حلول سريعة ورخيصة» على أساس تقديرات مفرطة في التفاؤل من فرص المنظمة للبقاء على قيد الحياة، وسوف يؤدي على الأرجح إلى سياسات غير فعالة، أو ما هو أسوأ، أو نتائج عكسية، ووضع خلفية للتحدي القادم، ربما يكون أكبر وأعظم، للأمن الإقليمي والدولي. أي تقييم “واقعي” للوضع يتطلب منا، على الأقل، علاج توقعاتنا الخاصة والمقاييس المضللة بشأن المنظمة، في الوقت الذي لا ينكر فيه جمهورها الأساسي الشعور بالواقعية الذي ننسبه لأنفسنا.

ترجمة الخليج الجديد

ناشيونال إنترست

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى