ثلاث نظريات في أسماء الجمعة
في اليومين الماضيين أثارت مسألة تسمية أسماء الجمعة حراكاً فكرياً في غاية الأهمية، وينبغي ألا يمر مرور الكرام لأنّ هذا النقاش باب أساسي للحديث الأعم والأشمل عن تقييم الثورة ككل. نحن بحاجة إلى التوافق حول هذه القضية وتوضيح ملابساتها، وفيما يلي سأعرض ثلاثة آراء هامة في تناول أسماء الجمع:
ياسين الحاج صالح: “انتزاع تسمية أيام الجمعة من صفحة الثورة السورية ضد بشار الأسد”
يرى ياسين أن “تسمية أيام الثورة هي بمثابة وضع يد رمزي على الثورة وخصخصة إيديولوجية لها، تسجلها باسم تيار إيديولوجي محدد” وبالتالي يعتبر أن ما قامت به صفحة الثورة السورية هو تحويل اتجاه الخطاب العام للثورة إلى توجهها. ومن هنا يطرح مبادرة من شقين أولهما هو “الإصرار على أن الثورة ثورة السوريين جميعاً، وأنه يجب على كل منا أن ينخرط فيها بطريقته” والشق الثاني هو “اقتراح تسميات قوية، تجمع وتخاطب الشعب السوري، وتعكس الالتزام الجذري بالثورة حتى النهاية”. وفي مجمل حديثه يعتبر أن هذا لن يتم إلا بانتزاع تسمية أسماء الجمعة من صفحة الثورة السورية.
مبادرة ياسين هامة وضرورية، وإذا كان يقصد الانتزاع الضمني للتسمية فهذا حقيقي ومطلوب دون أن يشترط ذلك الانتزاع (الفعلي) للتسمية – أي منعها من المبادرة – وذلك بسبب ضرورة إقامة التوازن بين عدم خسارة صفحةٍ لها تأثيرها وبين عدم خسارة الثورة بسبب خطابٍ غير مسؤول.
ميخائيل سعد: ضد النزاع على أسماء أيام الجمعة
يكتب ميخائيل سعد قائلاً: “ﻟﻤﺎذا ﯾﻄﺮح اﻟﺒﻌﺾ الآن ﻣﺴأﻟﺔ ﺗﺴﻤﯿﺔ أﯾﺎم اﻟﺠﻤﻊ وﻛأﻧﻪ ﺻﺮاع ﻣﻊ ﺻﻔﺤﺔ اﻟﺜﻮرة اﻟﺴﻮرﯾﺔ ﺿﺪ ﺑﺸﺎر الأﺳﺪ اﻟﺘﻲ ﺑﺎدرت ﻣﻦ ﺑﺪاﯾﺎت اﻟﺜﻮرة وﺣﺘﻰ الآن إﻟﻰ ﺗﺴﻤﯿﺔ ﯾﻮم اﻟﺠﻤﻌﺔ ودﻋﻤﺖ اﻟﺤﺮاك ﻣﻌﻨﻮﯾﺎً وإﻋﻼﻣﯿﺎً؟ ﻟﻤﺎذا ﺗﻄﺮح اﻟﻤﺴأﻟﺔ وﻛأﻧﻬﺎ ﻣﺴأﻟﺔ ﺻﺮاع ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﻧﻔﻮذ وﻟﯿﺲ ﻣﺴأﻟﺔ ﺗﺸﺎرك وﺗﻌﺎون ﺑﯿﻦ ﻛﻞ اﻟﺘﯿﺎرات اﻟﻔﻜﺮﯾﺔ اﻟﺴﻮرﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻄﻤﺢ ﻟﺒﻨﺎء ﺳﻮرﯾﺎ اﻟﺠﺪﯾﺪة؟ أﻧﺎ ﺷﺨﺼﯿﺎً ﺿﺪ ﺻﯿﻐﺔ اﻟﺼﺮاع أﻧﺎ ﻣﻊ ﺻﯿﻐﺔ اﻟﺘﻜﺎﻣﻞ. أﻧﺎ ﻣﻊ ﺳﻮرﯾﺎ اﻟﺠﺪﯾﺪة”
إذاً يستغرب ميخائيل طرح المسألة أساساً، ويعتبرها قضية هامشية لا قيمة لها، ويعتبر الهدف منها مجرد الصراع والتناحر على مناطق النفوذ. رغم أن مسألة خطاب الشارع عبر أسماء الجمع مسألة هامة، فهي التي تصوغ الخطوط الأساسية لمساحة عمل المجلس الوطني مثلاً، وإن تمرير تسميات مثل (لا للحوار)، (الحظر الجوي)، (الحماية الدولية)، (المنطقة العازلة)… هو الذي شكل إطاراً معيناً للحراك يسير ضمنه. وشيئاً فشيئاً حددت الحراك وأطّرته ضمن تسميات أكثر منها ظروفاً موضوعية متغيرة باستمرار.
نائل حريري: ضد سياسة الديكتاتورية ومع صفحة الثورة السورية ضد بشار الأسد
اعتمدت الثورة السورية على محصلة حراك تراكمي ساهمت فيه صفحة الثورة السورية بلا شك. وهذه الصفحة لها أرضيتها الجيدة في الداخل والخارج على حد سواء. إنما كانت سياستها الانتقائية الديكتاتورية سبباً في هجوم البعض عليها. وكنت قد ذكرت أن هذه السياسة لا تقتصر على فلترة أسماء الجمع بل تتعداها إلى فلترة كافة وسائل الإعلام واعتبار نفسها الوكيل الحصري للدفاع عن الثورة وإنجاحها.
قد لا أكون ضد ديكتاتورية النخبة في ظروفٍ معينة. إلا أن هذه الديكتاتورية لم تكن للنخبة، فهي كانت لبعض الذين فرضوا نظرتهم السياسية “القاصرة” وأنتجوها بطريقةٍ مباشرة “غير ديبلوماسية” بحيث ساهموا في إرجاع الحراك إلى الخلف. ولذلك فإن تأثير صفحة الثورة السورية ساهم في نقل محور الحراك والتداول السوري من الأهداف والمطالب إلى الشكليات والوسائل والطرق. وفي حين كانت ثورات كالثورة اليمنية تطلق خطاباً يتناول شكل الدولة وأهداف الثورة ومستقبل اليمن كانت الثورة السورية تطلق خطاباتٍ عبر أسماء الجمع تتناقش في أسلوب التعاطي مع الحاضر. انتقل هذا المزاج من أسماء الجمع إلى طروحات جميع الميدانيين والمثقفين تقريباً، وأعطى الفكرة النهائية بأن الثورة السورية لا ترى ابعد من أنفها، والحقيقة هي أن الثورة السورية غنية ومعطاء ومبدعة بما لا يقاس. إنما ابتليت بسيطرة صفحةٍ لا ترى أبعد من أنفها.
إذاً… لا بد من الاستفادة من صفحة الثورة وأرضيتها الواسعة شعبياً ولوجستياً، ولا بد من تصحيح المسار كي لا تستبد بالحراك السياسي لفرض نظرتها. يجب أن يبقى الخطاب السوري مرناً بسبب الظروف التي تتغير كل يوم، ويجب على الصفحة أن تعمل لإبراز دور النخبة في صياغة الخطاب السياسي. ويجب أن يخدم الخطاب العام (بما فيه أسماء الجمع) الثورة السورية على المدى البعيد قبل القريب. أما إن تعذر ذلك فلا بدّ إذاً من الصراع الذي لا مفر منه، لتحديد ما إذا كان خطاب الثورة ملكاً للثورة أم للصفحة. وهذا ما لا أتمناه.
ملاحظة أخيرة: الشارع أكثر وعياً من صفحة الثورة السورية
يسعدني في الآونة الأخيرة أن الناشطين الميدانيين الفاعلين على الأرض يعبرون عن رغبتهم بالاستفادة من الأفكار السياسية الواعية الحقيقية، ولا يجدون حرجاً في أن تكون ثمة نخب تشير عليهم بهتافاتٍ أو لافتاتٍ أو خطابات تفيد حراكهم وثورتهم. في الوقت الذي تسعى فيه صفحة الثورة السورية إلى العكس تماماً. ومن هنا تبزغ هذه المفارقة التي لا بدّ أن تؤدي في النهاية إلى أحد أمرين: اتساع الافتراق حتى الانفصال وخسارة الصفحة شعبيتها في الشارع، أو عودة الصفحة إلى استيعاب دورها في دعم الحراك دون تجاوزه والقفز فوقه.