صفحات العالم

ثمن «الاستقرار»


حسام عيتاني

ستمر سورية في مرحلة انتقالية صعبة. سيطفو إلى السطح كل ما يحاول المتفائلون بقرب سقوط نظام الرئيس بشار الأسد تجاهله. وقد يتحقق بعض من أسوأ نبوءات المتمسكين ببقاء الحكم الحالي.

لن تخلو المرحلة التي تلوح في الأفق من اضطرابات ومن غياب «الاستقرار» الذي تغنى به الحكم طويلاً. وقد نشهد أعمال عنف طائفي وجهوي وثارات دموية تراكمت أسبابها خلال أعوام «استقرار» استثمر دعاته في البناء على الانقسامات والعداوات وليس في علاجها. وليس مستبعداً أن تتجسد تناقضات الريف والمدينة والبرجوازية بأجنحتها الطفيلية والتقليدية، بطبقات المنتجين.

وتُعلِّم تجربتا مصر وتونس، وقبلهما تجارب عشرات الحالات والبلدان، أن الثورات لا تنتهي مع تنحي الحاكم. بل الأصح أن المرحلة الأسهل من الثورة هي إسقاط النظام ورموزه، فيما تختبئ المراحل الأصعب والأشقّ في الصراعات بين الثوار انفسهم وبين هؤلاء وبين المدعين حرصاً على الثورة وبين فلول النظام السابق الساعية إلى تأمين العودة من النافذة بعد طردها من الباب.

وتبدو الكلمات أعلاه كمبررات كافية كي يرتدع المطالبون بتنحي الأسد وبكف يد الحلقة المحيطة به عن مؤسسات الدولة، طالما أن العواقب قد تكون على هذا القدر من الخطورة. فما من عاقل يرغب في رؤية بلده يسير صوب الفوضى والاضطراب ويندفع واعياً نحوهما.

ثمة «لكن» كبيرة هنا. فصعوبة الموقف الحالي واقتراب الوضع من حال الجمود بعد إصرار النظام على الحل الأمني واستعاضته عن المعالجة السياسية باستعراضات «حوارية» لا قيمة لها ولا معنى، تنبئان أن الحكم عاجز فعلاً عن الخروج من الأزمة وأنه يتخبط بين محاولاته البحث عن نقاط ارتكاز داخلية يوفرها الحوار (الغائب) له وبين اقتراب الولايات المتحدة من سحب الغطاء نهائياً عنه.

وهذا، رغم جسامته، ليس ما يعطي الانتفاضة السورية زخمها. كما أن الأخطار المحيطة بها ليست مما يكفي لوقفها. وليس من المصادرة القول إن اضطراب الحكم وتخبطه هما الثمن الذي يدفعه مقابل عقود «الاستقرار» التي كنّس فيها المشكلات الداخلية والخارجية تحت سجادة القمع والسجون والمنافي. ونسي الممسكون بزمام السلطة أن المشكلات التي لا يعمل أصحابها على حلها اليوم، تعود لتقابلهم على شكل كوارث عند المنعطف الأول. مثال على ذلك عودة مدينة حماة لتتصدر حركة المطالبة بإنهاء حكم الرئيس الأسد بعد تسعة وعشرين عاماً من دكّها بالمدفعية وتسوية الدبابات قسماً كبيراً منها بالأرض.

لقد تجاهل النظام السوري منذ أكثر من أربعين عاماً آليات وقوانين التطور الداخلي لمجتمع فتي، والخارجي لعالم يزداد تداخلاً، ورفع شعار «الاستقرار» في الداخل من دون أن يتخلى عن التدخل في شؤون الجيران تنفيذاً لسياسته في تصدير الأزمات معتبراً ذلك آية المقاومة والممانعة وذروتهما.

بكلمات أخرى، تعاني سورية اليوم من نهاية زمن «الاستقرار» الذي كان في حقيقته موقفاً فوقياً سلطوياً معادياً للتاريخ وللمجتمع السوري في المقام الأول. ولا بد من الملاحظة أن الثمن الباهظ الذي يدفعه السوريون مرشح للتضخم بمرور كل يوم ترفض السلطة فيه تلبية مطالب شارع لن يوقف تحركه مهما كانت فصيحة البيانات الصادرة عن اللقاءات التشاورية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى