ثورة على الاستبداد وثورة للسلام/ حسان القالش
في خطوة تُحسب لمصلحة القضية السورية ولمصلحة قضيته الخاصة، افتتح متحف الهولوكوست (المحرقة) في أميركا قبل أيام معرضاً خاصاً بعنوان «إبادة جماعية: التهديد مستمر»، يعرض فيه مجموعة من بين الـ55 ألف صورة لجثث معتقلين سوريين ماتوا تحت التعذيب والتجويع على أيدي أجهزة النظام السوري، وقد سربها أحد المصورين المنشقين عن النظام بداية العام الحالي.
علــــى أن جرأة الحدث وفرادته تكمنان في المؤسسة التي نظمته، ما جعل دلالاته السياسية تكتسب بُعداً إنسانياً، وإن جاء ذلك تحت عنوان التــعاطف. ذاك أن هذا التعاطف أكبر وأعـــم وأعمق من مجمل ما ظهر حتى الآن من تعاطف غربي مع السوريين، الواقع في حيرة أخلاقية تجهل أسباب المأساة وفاعلها الأول وتثبط من عزيمة المجتمع الدولي في تحمل مسؤولياته الأخلاقية والسياسية قبل مسؤولياته الإغاثية.
فالتعــاطف هنا يأتي من مؤسســة تُعنى بتخليد ذكرى إحدى أفظع جرائـــم الإبادة في تاريخ البشرية، ويرتفع مستـــواه إلى درجة يكاد يساوي فيها بيــن ما يحـــدث للسوريين وبين ما حـــدث لليهـــود على أيدي النازية، بحســـب الــقـائميــن عليه، حتى مع تحفظ المؤرخين الرصينين على هذه المقاربة.
ولسائل أن يشكك هنا، من باب الممانعة أو النزعة العروبية، في دوافع هذا التعاطف وصدقه، ويربطه بإسرائيل، ما يعني تكراراً للخطاب الذي يبدأ بهجائها ولا ينتهي باتهامات العمالة لمن يقارب العلاقة معها. وهذا فضلاً عن مزاودات بعض المعارضين الذين يرددون بلا فهم عبارات تنتمي إلى نظرية المؤامرة، من قبيل أن إسرائيل متواطئة مع النظام السوري. بيد أن تشكيك المشككين ومزاودة المزاودين واجترار تلك الخطابات تجعل من مسألة العلاقة مع إسرائيل مسألة ملحة وحيوية، بالنسبة إلى الثورة وإلى مستقبل سورية.
ففيما أسقطت الثورة الخطاب الحربـــي للنظام الذي قامت عليه سياسته واستبــداده المديد وكانت حربه المـــفترضة ضد إسرائيل أحد أركانه، كانت المعارضة تضيف إلى فشلها عــجــزها عن صياغة تصور سياسي لما يسمى بعملية السلام وتحرير الجولان، ليتراوح أداؤها في هذا المجال بين ترديـــد لكليشيهات بعثية تؤكد على عداء إسرائيل، وبين مستوى رخيص ولا وطني في استجداء رضاها كما ظهر في زيارة كمال اللبواني مؤخراً إلى تل أبيب. وهذا علماً بأن النظام كان يعمل على إتمام صفقته «السلمية» قبل الثورة، لتكون رشوةً اقتصادية للشعب تؤخر الثورة من جهة، وتكون، في الدرجة الأولى، مرحلة متطورة من مراحل احتكاره اقتصاد البلاد عبر المشاريع التي كان يتم الحديث عنها كنتيجة لعملية السلام. وما الطريق الجديد الذي كان يتم العمل عليه ليربط دمشق بالجولان مباشرة، وقد أسماه الناس «أوتوستراد السلام»، فضلاً عن عمليات شراء الأراضي الموازية له لمصلحة رامي مخلوف وغيره إلا دلائل على نوايا النظام تلك، التي أنهتها الثورة بطبيعة الحال.
بهذا قد تكون بادرة متحف الهولوكوست وانفتاحه على عذابات السوريين دعوة لتحرير مستقبل مفاوضات السلام من تسلك الأيديولوجيا وقيودها والتركيز على أولوية علاقات الشعوب والأفراد وحقها في الحياة، ما يعني دعوة لثورة سلام لشعوب شبعت الحروب، ثورة قد تحقن هذا المشرق بالأمل من جديد.
* كاتب وصحافي سوري.
الحياة