بيانات الانتفاضة

ثورة 15 آذار في سورية: السباق ما بين قوى الاستبداد الاستغلالي من أجل سرقة الثورة

 


لجنة التنسيق من أجل التغير الديمقراطي في سورية

في ما تتعاقب مجازر النظام السوري الذي يمتهن الإجرام في كل المجالات بما في ذلك الاقتصادية والاجتماعية، وفي ما تتسلط، طوال الأيام الأخيرة اجهزته القمعية على مواطنينا في جسر الشغور لتنكِّل بهم أبشع التنكيل، ها هي أجهزته البوليسية المتخفية وراء الإعلام والسلك الدبلوماسي السوري، والتي تمتهن الكذب وتشويه الحقائق منذ عقود، وهي، لمن فاته تاريخها الأسود، ملطخة بدماء الأستاذ صلاح الدين البيطار وغيره كثرٌ، تطلع علينا ما قبل يومين اثنين بخطة للهجوم على الإعلام العالمي، وذلك حسب ما يتبيَّن من محاولتها الرامية إلى تشويه مصداقية القناة “فرنسا 24 ساعة”، والإساءة إلى سمعتها بالاعتماد على التشكيك بصحة ما تبثُّه عن الجرائم التي تُرتكب بحق شعبنا الثائر. وكانت رئيسة البعثة الدبلوماسية السورية لدى فرنسا السيدة السفيرة مهاء شكُّور وَقعَت في فخ الاجهزة البوليسية ومكائدها عندما نفَذت، عن خيار حر منها أو عنوة وبالرغم عنها، خطة تهدف من جديد إلى النيل من مصداقية هذه القناة في ما تنشره هذه الأخيرة وغيرها من الأجهزة العالمية من أنباء عن الحالة السورية. فقد اتصلت صاحبة العلاقة بالقناة الفرنسية لتعلن عبر البث المباشر عن استقالتها احتجاجا على ما يرتكبه النظام من مجازر، ثم ما لبثت قناتي الجزيرة والعربية أن تلقت كل منهما اتصالا من السفيرة التي كذَّبت نبأ استقالتها، واتهمت هذه الأخيرة القناةَ الفرنسية بأنها تتحامل على “حكومتها”، وتروج الأكاذيب عن الحالة السورية، وقالت ما معناه أن الثورة في سورية مؤامرة خارجية. فكأن عقدة هذه الرواية البوليسية تكمن في انتحال امرأة مجهولة الهوية الشخصية للسفيرة إياها. بيد أن هذه الواقعة تدلِّل على خير وجه على ما يخوضه النظام وأبواقه من حرب إعلامية لتغطية جرائمه.

إن لجنة التنسيق من أجل التغيير الديمقراطي في سورية، وإن كانت تُذكِّر الثوار الأحرار بطبيعة القناة الفرنسية ومثيلاتها في العالم، من حيث هي تقع تحت نفوذ وسيطرة مجموعات احتكارية كبرى للإعلان والإعلام في العالم، وأن كبريات القنوات العربية والعالمية تابعة ماليا لنظام الشركات الكبرى للإعلانات والدعاية، فهي تروج للإيديولوجية النيوليبرالية، وتخفي حقيقة الاعتداء على العراق وأفغانستان وغزة وليبيا، إلخ، بما تنشره من أشرطة مثيرة لحب الفرجة، وتناوئ قضايا التحرر الوطني والاجتماعي في العالم، وتتعامى عن رؤية ما يجري في مجتمعاتها من مظالم واستغلال، فإن اللجنةِ تؤكِّد أن الثوار الأحرار لن تغيب عنهم حقيقة هذا السجال بين أجهزة النظام السوري المجرمة، وبين إستديوهات كبريات القنوات التلفزيونية في العالم، من حيث هي معركة ما بين أجهزة تتشابه من حيث تسخير كل الوسائل في خدمة قوى الاستغلال والاحتكار والاضطهاد والاستعمار أيا كانت الخطة الاستراتيجية أو الأسلوب. إن وجه الشبه بين الطرفين يكمن في اتفاقهما عل قمع الثورة بالعنف، وإجراء إصلاحات شكلية لا تمس بمصالحهما المشتركة وما حازا عليه من امتيازات بفضل المال والسلطة، وسرقة الثورة من جماهير شعبنا في سورية.

ترافقت أحداث هذا الجدال الذي تداعت وقائعه على ساحة الإعلام ما بين السلطتين السورية والفرنسية في ما كان وزير الخارجية الفرنسي مسيو آلان جوبيه يدعو مجلس الأمن الدولي إلى اعتماد قرار يدين النظام السوري لما يرتكبه من مجازر بحق شعبه، وذلك على خلفية “التدخل الدبلوماسي” في الشؤون السورية، أو ما يسمونه ب/”حق التدخل لأسباب إنسانية”. هذا الحق الذي أتاح للحلف الأطلسي ترسيخ أقدامه في أوروبا الشرقية، وبرَّر تجزئة يوغسلافيا لربطها من ثم بالرأسمالية الاحتكارية العالمية، وذلك بحجة إنقاذ السكان من الحرب الأهلية. إلى أن أضحى “حق التدخل الإنساني” إحدى قواعد منظمة الأمم المتحدة لتبرير التدخل الدبلوماسي والعسكري في الشؤون الداخلية لبلدان يوغسلافيا سابقا، ثم في السودان وفي ليبيا، إلخ، وهلما جراَ. هذا “الحق” اختفى عندما شنَّت إسرائيل حربيها على جنوب لبنان وغزة في صيف العام 2006 من قاموس المفردات الدبلوماسية للدول الإمبريالية العظمى. ولم تَرفع، على سبيل المثال، أيٌ من هذه الدول هذا القانون لحماية السكان المدنيين الذي كانوا يعيشون تحت قصف الطائرات الإسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت . فالكيل بميزانين وثقلين قانون يُطبَّق كلما كانت المصالح الاستراتيجية والاقتصادية لهذه البلدان، ومن بينها إسرائيل، مهدَّدَة. لكنها تعلِّق قانونها “الدبلوماسي” عندما يتعلق حق التدخل العسكري ل/”أسباب إنسانية” بدولة حليفة تدوس كل يوم على رقاب الفلسطينيين، ناهيكم وحقوق الإنسان في فلسطين. هذه هي الدبلوماسية في عهد العولمة النيوليبرالية، وما بعد انتهاء الحرب الباردة، وقد أضحت هي نفسها الحرب العسكرية المدججة بأحدث أنواع الأسلحة الفتاكة. حتى أن منظمة الأمم المتحدة ومجلسها الدولي والمنظمات الدولية، كالبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، إلخ وهكذا دواليك، غدت لعبة بين أيدي السياسة الإمبريالية التي تسيَّر في عهد العولمة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي، السياسة الدولية وفق مصالحها النيوليبرالية. إن لجنة التنسيق تعتقد أن ما تتمخَّض عنه الثورات العربية، من تونس إلى سورية مرورا بمصر، من تغيير جذري في العلاقات المجتمعية والسياسية والحزبية والإنتاجية، فضلا عن الإيديولوجية السائدة كالدستور والقوانين التشريعية والمدنية، مهدَّدٌة بسرقتها. فإذا كانت القيادات السياسية لهذه البلدان عاجزة عن قمع الثورة أو سرقتها بفضل إصلاحات لا تمس بالتكوين الاقتصادي والاجتماعي، أي السياسي بالمعنى الواسع، فإن حق التدخل العسكري “لأسباب إنسانية” لن يتأخر بالإطاحة بالرؤوس الحاكمة في سورية وعلى رأسها بشار أسد، كما أُطيح بتشجيع أمريكي وأوروبي بزين الدين بن على وحسنى مبارك عندما عجزا عن قمع الثورة أو سرقتها بفضل إصلاحات شكلية، أو كما سُرقَت الثورة الليبية من أيدي الشعب الليبي من قبل الحلف الأطلسي وهي ما تزال في مهدها، وذلك تحت سقف الأمم المتحدة.

لذا، فإن لجنة التنسيق تؤكد أن محاكمة بشار الأسد ومعه لصوص الثروات هي مسؤولية الثوريين الأحرار في سورية. ومقاضاة الاستبداد والاستغلال والظلم ليس من اختصاصات محكمة العقاب الدولية، وإنما هو واجب يمارسه المعذَّبون الذين يَقمعون ما يعانونه من آلام منذ أربعة عقود ونيف من تاريخ سورية. وإن التحركات في الساحة الدولية وعبر دهاليز منظمة الأمم المتحدة وتوابعها بإيعاز من السياسة الأمريكية والأوروبية ينبئ منذ الآن أن الدبلوماسية في عهد العولمة النيوليبرالية، وهي عينها الإمبريالية الجديدة، عاكفة على تعبئة الرأي العام العالمي واستلاب عقول الشعوب استعدادا لسرقة الثورات العربية من ثوارها الأحرار.

الثورة مستمرة، وهي تُفنِّد كل المحاولات الرامية إلى سرقتها. والشعب يريد إسقاط النظام. وهو يرفض التدخل الأجنبي، وسيكشف عما قريب عن خبايا السياسة الدولية التي تغطي اليوم، أو ما بعد سقوط حائط برلين، جيوشها الجرارة بألبسة دبلوماسية مزركشة وأنيقة. ولا يخفى على أحد من الثوريين أن ما يُسمَّى ظلما وبهتانا ب/”جمعة العشائر” يأتي في قلب هذا الضجيج الذي تتعالي صيحاته النشاز في أوساط الاعلام والدعاية والإعلان، دبلوماسية كانت أم عسكرية وسياسية. ويهدف هذا المسمى الدخيل على حياتنا السياسية، قومية كانت أم وطنية وطبقية، إلى تشجيع السباق والمتسابقين على سرقة الثورة من جماهيرها. لكن الثوار الأحرار لن يلبثوا أن يرفعوا أمامه الحواجز للحيلولة دون سرقة الثورة. فالثوار الأحرار هم أولئك الذين يؤكِّدون بالتشديد أن كل يوم جمعة في تاريخ ثورتنا هو موعد يَفقَع فيه الثوار كل تدخل أجنبي من عينيه، ويَقتلع أيضا كل نزعات العصبية الهالكة، من جذورها.

لجنة التنسيق من أجل التغيير الديمقراطي في سورية

أوروبا، الجمعة 10 حزيران/يونيو 2011

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى