صفحات سورية

جاء الفصح، وابنتي يـارا معتقلة


ميشال شماس

جاء العيد هذا العام دون أن نشعر بفرحته، وكيف لنا أن نشعر بها، ونحن نرى ما نراه من قتل وقمع واعتقال وفقر وجوع وفساد؟ فعيدنا هذه الأيام لم يعد يحمل السعادة التي كنّا نعيشها أيام زمان، يأتي العيد اليوم مثقلاً بآلام الناس وجراحهم العميقة. بمعاناة عشرات الآلاف من المعتقلين والمعتقلات الذين يدفعون في كل لحظة وساعة ويوم ضريبة كبيرة من أجل نيل حريتهم وحريتنا جميعاً… ومن بينهم ابنتنا يـارا ذات الأحد والعشرين ربيعاً والتي مازالت محتجزة تعسفياً في “فرع فلسطين” خلافاً لشرعة حقوق الإنسان. وخلافاً حتى للدستور السوري الجديد منذ أربعين يوماً.

 كيف سأفرح شخصياً وعائلتي بالعيد وابنتنا يارا وأصدقاء  وأقرباء وأخوة لنا في الوطن، مازالوا معتقلين في السجون، ويساق آخرون إلى الاعتقال ليلة العيد!؟

كيف سنفرح ونحن نرى كيف أصبح الولاء للطائفة والعشيرة، والشخص بدل الولاء للوطن؟ وكيف ساد الاستبداد السياسي وانتشر الفكر الغيبي والمتطرف ليس في سوريا وحسب، بل وعلى امتداد البلدان العربية؟

كيف سنفرح بالعيد، ونحن ما زلنا نتهم بعضنا البعض بالتآمر والخيانة، لمجرد أن أحدنا أبدى رأياً مخالفاً لرأي الآخر!؟

كيف لنا ن نفرح، والفساد مازال ينتشر من حولنا كالوباء، فأينما ذهبنا وحيثما توجهنا نراه، نلمسه نتحسسه في أي مكان، حتى بات يأكل وينام معنا، وانتشار مظاهر التملق والنفاق والولاء للشخص بدلاً من أن يكون الولاء للوطن، فقط للوطن، مما ترك أثاراً خطيرةً على مسيرة التنمية في البلاد، حيث استبيح المال العام تحت يافطة التملق والنفاق؟.

وكيف لنا أن نفرح بمجيء العيد ونحن انتظرنا أكثر من أربعين سنة لنحظى بفرصة صياغة دستور جديد للبلاد، فيأتي الدستور مثقلاً بصلاحيات مطلقة لرئيس الجمهورية؟

فرحة العيد ستأتي، فقط عندما نستقوي بأنفسنا، ولن تتأخر في المجيء إذا ما اتفقنا نهائياً وبلا رجعة على  إجراء مصالحة تاريخية تنهي حالة الاستبداد في البلاد وتنقل سوريا إلى دولة مدنية ديموقراطية تداولية على قاعدة إعادة صوغ العلاقة القائمة بين الدولة ومواطنيها عبر حوار وطني شامل بين مختلف أطياف الشعب السوري وتلاوينه، باستثناء من تلوثت أيديهم بدماء السوريين. حوار يقوم على أساس صياغة عقد جديد عنوانه الالتزام الطوعي والاحترام المتبادل والمساواة بالمشاركة الفعّالة لكل فئات الشعب في تحمل مسؤولية بناء الوطن بعيداً عن أي ولاء قسري أو تهميش أو عزل أو إهمال. وبما يضمن إلغاء كل المراسيم والقوانين التي تمنع عودة المنفيين، الطوعيين منهم والقسرييّن، وإعادة المظالم لأصحابها وتعويض الضحايا،  ووقف القتل والقمع والاعتقال وإطلاق سراح معتقلي الرأي والضمير ومعتقلي الأحداث الأخيرة ممن لم تتلوث أيديهم بالدماء. وإطلاق حرية العمل السياسي والنقابي والإعلامي، واحترام الحريات الأساسية العامة للمواطنين.

كل ذلك بضمان قيام سلطة قضائية كفيّة عادلة ومستقلة، على قاعدة فصل الدين عن الدولة، واعتماد مبدأ المواطنة الكفيل وحده بضمان الحقوق المتساوية لكل المواطنين وتمتعهم على وجه الخصوص بحرية الفكر والعقيدة وسائر الحريات العامة والخاصة بصرف النظر عن الانتماء السياسي أو الديني أو اللون أو الجنس أو العرق…

 (أجزاء من رسالة أطول)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى