«جائزة» الخراب السوري/ عبده وازن
باشرت دول غربية وأخرى آسيوية، السباق للفوز بحصصها في «بازار» الإعمار وإعادة الإعمار الذي ستشهده سورية بعد أن تنتهي الحرب الرهيبة التي تخطت الخطوط الحمر وأضحت مأساة من مآسي التاريخ الحديث. هذه الدول تنتهز الحلول المنتظرة لإحلال السلام في سورية لتقتنص أولا وقبل أي أمر، حصصها مما يسميه الإعلام الغربي اليوم جهاراً وبلا خجل، «جائزة» إعادة إعمار سورية. وقد تكون هذه «الجائزة» حافزاً على إنهاء التراجيديا الإنسانية التي فضحت لا مبالاة الغرب وعنصريته وتقاعسه عن أداء واجبه الذي فرضته أصلاً شرعة الأمم المتحدة. يشعر الغرب الآن أنّ الحرب في سورية باتت تعنيه أكثر مما عنته سابقاً، فرايات السلام الممزقة بدأت تلوح في الأفق بعدما ارتأت دول القرار أن وقف الحرب يجب أن يحين وقته. لا يهمّ كيف ستنتهي الحرب ومتى تحديداً، ولا تهمّ معرفة من سينتصر أو أي «معسكر» سيحصد أكثر من سواه، ما دام الخاسر معروفاً جداً وهو الشعب السوري. وبدأت أرقام إعادة الإعمار تظهر وهي مرتفعة جداً، وبحسب أحد التقارير، ستتخطى في المرحلة الأولى الأربع مئة بليون دولار… ووردت أرقام أخرى حول الأبنية المهدمة والأحياء التي اختفت وهي تفوق التصور. باشرت هذه الدول وبينها الهند مثلاً وجنوب أفريقيا، رسم الخرائط لتكون جاهزة فور انتهاء «البازار» الإعماري وعروض السوق.
وبينما تعمل هذه الدول على برمجة مشروع إعادة الإعمار والتسابق على اقتناص الحصص يمعن النظام السوري وحلفاؤه قصفاً وتدميراً ليزيدوا من حجم خريطة الخراب وتوسيع دائرة التحاصص. يقصف النظام ويدمر ويرتكب المجازر ويستخدم الكيماوي وغاز السارين كما فعل في خان شيخون أخيراً فهو يظن أن الانتصار في انتظاره وأن حصته في السلام ستكون الأكبر.
لا يمكن تخيل حجم الخراب الذي أحدثه النظام وحلفاؤه في سورية. الطائرات تقصف بلا رحمة والحمم تتساقط على الأحياء والمنازل، والبراميل المتفجرة تهطل على المدارس والمستشفيات… أما أعداء النظام، من أمثال داعش وإخوته في التكفير، فهم يهدمون أيضاً، وسع ما تتيح لهم ترسانتهم العسكرية، لكنهم يظلون عاجزين عن مضاهاة النظام عنفاً وتدميراً. كل ما تنقله الكاميرات من مشاهد الخراب الرهيب لا يمثل سوى جزء يسير من المأساة الكبيرة. أحياء مطحونة طحناً، ومناطق كأنما دمرها زلزال خرافي، مدن وقرى لم تبق منها سوى أطلال وبقايا أطلال. هل تستحق سورية مثل هذا العقاب الرهيب؟ ماذا ارتكب أهل سورية ليلقوا مثل هذا الانتقام التاريخي؟ هل تستحق هذه البلاد العريقة والجميلة مثل هذه اللعنة القدرية التي تذكّر بما أصاب سادوم وعامورة قديماً؟
أما الخراب الحقيقي والأشد مأسوية وهولاً، فهو الذي حل بالبشر، أطفالاً ونسوة وعجائز وأبرياء وعزّلاً… ارتكب النظام جرائم فظيعة تذكّر بجرائم النازية وجرائم إسرائيل وسواهما… تحت نيران النظام وقذائفه و «هداياه» الكيماوية قُتل الآف المواطنين واحترقوا واختنقوا وقطّعت أجسادهم ناهيك عن ألوف النازحين والمهجرين الذين تشردوا وجاعوا وغرقوا ولفظتهم الأمواج على الشواطئ. وصور الأطفال، ضحايا غاز السارين والقذائف الكيماوية، بأجسادهم المرمدة ،لا تغيب من الذاكرة، وكذلك صور الأطفال الغرقى الراقدين على رمال الشواطئ تحت الشمس.
لماذا كل هذا القتل، كل هذا التدمير، كل هذا الخراب؟ هل لدى النظام وحلفائه من روسيا إلى إيران وحزب الله من هدف آخر سوى بقاء النظام الدكتاتوري مهما بلغ ثمن بقائه من دم ودمار؟ لكنّ ما تطمح إليه أو تطمع به روسيا البوتينية والدولة الخمينية وحزب الله هو أبعد حتماً من بقاء النظام.
بدأت الدول الغربية تتهيأ لمشروع إعادة إعمار سورية بينما السوريون لا يزالون عرضة للقصف والقتل والتهجير. وقد لا يدع لهم مشروع إعادة الإعمار المزعوم وقتاً لإحصاء قتلاهم وخسائرهم الرهيبة.
الحياة