جامعة العرب وفرقة الأسد
هوشنك بروكا
اليوم الأحد هو موعد لقاء اللجنة الوزارية العربية، مع موفد الرئيس السوري بشار الأسد في الدوحة. أنظار السوريين وأهل ثورتهم موجهةٌ في هذه الساعات إلى هناك، لمعرفة ما سيتمخض عنه اجتماع عرب الجامعة مع حاملي رسائل أو “شروط” الأسد. السؤال البديهي، الذي يمكن أن يخطر على بال أيّ مراقب، هنا، هو ما الجديد السوري، الذي يمكن أن يقدمه أهل النظام السوري لعرب الجامعة، كضمانات أولية لإنجاح هذه المبادرة العربية، التي تبدو أنها ستكون مبادرة الفرصة الأخيرة، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من نظام الأسد، في سوريا، تأبى أن تعود إلى ما قبل تاريخ اشتعال ثورتها، في الخامس عشر من آذار الماضي.
هذه المبادرة العربية الجديدة القديمة، والتي تشبه في الكثير من تفاصيلها، باطناً وظاهراً، المبادرة التركية، التي أطلقها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، من قبل، أكثر من مرّة، تتضمن نقطتين أساسيّتين، لا يمكن أن يكتب النجاح لها بدونهما، وهما:
أولاً: تخلي النظام الفوري عن الحل الأمني، ووقف أعمال العنف والقتل اليومي في سوريا.
ثانياً: الدعوة لحوار جدّي، خلال 15 يوماً، بين النظام والمعارضة، بكافة تياراتها وفصائلها، في الداخل والخارج، شرط أن يكون الحوار أو التفاوض مقتصرا على وضع آلية نقل السلطة سلمياً إلى حكومة انتقالية، وتحديد سقف زمني لذلك.
على الرغم من التصريحات “الفوق ديبلوماسية”، التي وصفت اللقاء الأول الذي انعقد في دمشق الأربعاء الماضي، بين اللجنة العربية الوزارية والرئيس السوري بشار الأسد، ب”الإيجابي” و”الودي” و”الأخوي” و”الصريح”، وسوى ذلك من الكلام المقتضب المتفائل، إلا أنّ النتائج على الأرض، وما مارسته أجهزة أمن النظام وشبيحته وآلة حربه، من قتلٍ وهدمٍ وتخريب بحق البلاد والعباد، يشير إلى عكس ذلك.
فمنذ طرح الجامعة العربية لمبادرتها، في السادس عشر من أوكتوبر الجاري، قُتل وجُرح وعُذب حتى الآن، المئات من المتظاهرين السوريين العزّل، بحسب وكالات أنباء عربية وعالمية. ففي “جمعة الحظر الجوي” وحدها، قُتل أكثر من 46 شخصاً برصاص قناصة الأمن والشبيحة، بينهم 20 قتيلاً في حمص وحدها. وهو الأمر الذي أثار غضب الجامعة العربية، التي أصدرت بُعيد هذا القتل “المرّخص” أمنياً، “رسالةً عاجلة” للأسد، عبّرت فيها اللجنة العربية عن “إمتعاضها الشديد” لإستمرار عمليات القتل ضد المديين السوريين، وكررت مطالبتها ب”إتخاذ ما يلزم لحماية المدنيين”، مضيفةً أنها “تتطلع في لقاء الأحد إلى نتائج جدية”. النظام عبّر بدوره عن “استغرابه من هذا الإسلوب”، مهيباً باللجنة العربية الوزارية “أن تستفيد من الأجواء الإيجابية التي سادت لقاءها مع الرئيس بشار الأسد”.
جاء ذلك قبيل لقاء الطرفين في الدوحة، بيومٍ واحد فقط، أملاً بالعبور إلى حلّ عربي يرضي جميع الأطراف، سواء في المعارضة أو الموالاة، لإخراج سوريا من أزمتها.
لكنّ السؤال الكبير، هو: هل ستنجح اللجنة الوزارية العربية، في وضع حدٍّ ل”فرقة” الأسد، تحت مظلة جامعتها، لإنقاذ سوريا وشعبها، من المجهول القادم؟
كلّ الوقائع على الأرض تقول بأنّ فرص نجاح هذه المبادرة العربية، باتت ضئيلةٌ جداً، هذا إن لم تكن معدومة أصلاً. لأنّ نجاحها يعني من وجهة نظر النظام السوري وفقهائه في الأقل، “رسوب” الأسد، وهذا ما لن يقبله هذا الأخير، لا من العرب، ولا من العجم.
الأسد، يريد لسوريا كلها، أرضاً وشعباً، أن “ترسب” بإمتياز، وأن تذهب من سقوطٍ إلى آخر، ل”ينجح” هو، أو يكون الناجح الأول والأخير، كما هو عادة أيّ ديكتاتور مع شعبه. وربما هذا الإصرار الأمني والشبّيحوي من جهة نظامه، على “النجاح” بأي ثمنٍ، هو السبب الأساس، الكامن وراء استخدامه لكلّ أشكال القمع والترهيب والتعذيب والقتل بالجملة، فقط كي يثبت للسوريين والعرب وكلّ العالم من حولهم، بأنه “الصحيح الأعلى” الذي لا يعلوه صحيح.
لا يُتوقع اليوم، أن يقدم الجانب السوري أيّ جديدٍ، من شأنه أن يدفع المبادرة العربية، ولو نصف خطوةً واحدة إلى الأمام. فلو كان النظام جادّاً بالفعل، كما تريد الجامعة العربية له أن يكون، ولوعوده أن تتحقق، لكان أوقف مسلسل القتل اليومي بحق المدنيين، أو كبحه على أقل تقدير، بإعتباره مطلباً أولياً وشرطاً أساسياً، للدخول في أيّ حوار ممكن، بين أهل الثورة وأهل السلطة. وهذا ما لم ولن يحصل، كما يبدو من إصرار أهل النظام، على الحل الأمني والعسكري، منذ بداية الأزمة، بإعتباره أقصر الطرق التي تؤدي به إلى “روما السورية”.
اليوم ستنتهي مدة ال15 يوماً، التي حددتها الجامعة كسقف زمني، لتحقيق شرطين أساسيين على الأقل، وهما وقف العنف ضد المدنيين، والبدء بحوار جدّي وحقيقي، بين النظام وكلّ أطراف المعارضة السورية في الداخل والخارج.
حتى الآن، لم يتحقق من ذلك أي شيء، سوى إعطاء المزيد من المُهل، لإطالة عمر الوعود المؤجلة إلى أجل غير مسمى، بالإضافة إلى لقاءٍ “معطّل”، بقي بين أربعة جدران، لُف بالضبابية، والكثير من الكتمان.
من هنا، يُرجح أن لا يخرج اجتماع اليوم، بأية “نتائج جديةً”، كما أعلنت الجامعة العربية أمس، عن أملها بالوصول إليها. هذا الإجتماع لن يخرج، على الأرجح، من كونه اجتماعاً لتثبيت الحضور، ليعلن بعده كلّ طرف بأنه أدنى “الواجب”، خصوصاً وأنّ الجانب العربي الممثل باللجنة الوزارية، لمّح على لسان أكثر من مسؤول، بأنّ كلّ هذا الصبر العربي الطويل على النظلم السوري، جاء من باب “الحرص” العربي على سوريا، “ليثبت” العرب من خلال جامعتهم، للطرفين بأنهم “أدّوا “واجبهم العربي” تجاه أخوتهم السوريين، وفعلوا ما يمكن أن يفعلوه.
أما الحضور السوري ممثلاً بالنظام في الإجتماع، فهو الآخر حضورٌ شكليّ، فيه من الإستعراض الديبلوماسي لتمديد فترة الحلّ الأمني، وشراء المزيد من الوقت، أكثر من أن يكون حضوراً حقيقياً فاعلاً، من شأنه أن يفعّل أي حل سلمي، أو حوار حقيقي بين جميع الأطراف، هذا فضلاً عن أنه حضورٌ غير جادٍّ، ل”رفع العتب” العربي، لا غير، وتسويق “أكذوبة” استعداد النظام للدخول قي “الحوار الوطني” مع المعارضة.
الأرجح، هو أنّ الأسد لن يقبل بشروط الجامعة العربية، لا في اجتماع اليوم الأحد، ولا في آحاد وجمع أخرى قادمة، لأن نظامه القائم أساساً على الفرقة، منذ أكثر من أربعة عقودٍ، لن يقبل بأية جامعةٍ، لا عربية ولا أعجمية، تريد لسوريا التي يحكمها بالحديد والنار، الإنتقال السلمي من الديكتاتورية، إلى الحرية والديمقراطية، ومن حكم العائلة إلى حكم الشعب.
في آخر مقابلة له مع صحيفة ال”صنداي تلغراف” البريطانية، نشرت اليوم الأحد، يقول الأسد بلغة فيها الكثير من التهديد والوعيد، بأنّ “سوريا ليست مصر ولا تونس ولا اليمن”، مضيفاً بأن “أي مشكلة في سوريا ستحرق المنطقة بأسرها”. الأسد حذّر العالم كلّه، من مغبة أي تدخل عسكري خارجي في سوريا، قائلاً بأن “سوريا هي الفالق الذي إذا لعبتم به تتسببون بزلزال في المنطقة بأسرها..فهل تريدون أفغانستان أخرى أو العشرات منها؟”.
هذه الرسالة التهديدية، الموعودة بأكثر من فرقة، وأكثر من حربٍ، وأكثر من أفغانستان، التي أطلقها الأسد، قبيل ساعات من اجتماع وفده مع اللجنة الوزارية العربية، هي رسالة للعرب قبل أن تكون رسالةً للغرب والعالم.
أنها رسالة واضحة لعرب الجامعة(قبل غيرهم) الذين سيجتمعون معه في الدوحة، يحّذرهم فيها من مغبة اتخاذ أيّ قرار لاحق، من شأنه أن يرفع الغطاء العربي عن سوريا، لأنه يعرف سلفاً، بأنّ اجتماع اليوم سيكون فاشلاً بكلّ المقاييس، ولن يصل فيه الطرفان إلى أية نتائج جدية ملموسة على الأرض، كما تتمنى لها الجامعة العربية أن تكون.
فهل سيرضخ عرب الجامعة لفرقة الأسد وتهديداته ذات اليمين وذات الشمال، أم أنهم سيخرجون هذه المرّة، على شعوبهم للرّد عليه بالمثل، كما ردّوا على شقيقه في الديكتاتورية، معمّر القذافي، من قبل؟
هل سينفذ صبر العرب مع هذا النظام، اليوم، بعد خروجهم من الدوحة، صفر اليدين، لنراهم في قاهرةٍ قريبةٍ، ، يعلنون بداية نهاية الأسد، بتعليقهم لعضوية فرقة نظامه في جامعتهم؟
هذا ما يتمناه الشعب السوري، على أية حالٍ، دون أن يغرب عن بالنا بالطبع، بأنّ رياح الحكومات والديكتاتوريات العربية، تجري منذ عقودٍ طويلةٍ، بما لا تشتهي سفن شعوبها.