جاي سولومون في كتابه «حروب إيران»: الاتفاقية النووية مع الغرب عززت دور الجناح المتشدد في إيران/ سمير ناصيف
شن الصحافي جاي سولومون، رئيس قسم الشؤون الدولية في صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية هجوما قوياً على سياسات إيران في منطقة الشرق الأوسط في كتابه الصادر مؤخرا بعنوان «حروب إيران» والذي استند فيه إلى معلومات استقاها من خبرته كصحافي متخصص في شؤون آسيا والشرق الأوسط لمدة عشرين عاما وإلى مواقفه الأيديولوجية النابعة من تعاطفه مع المحافظين الجدد في أمريكا وتحفظاتهم استنادا إلى هذا الموقف، إزاء السياسات التي اتبعتها أمريكا في تعاملها مع إيران خلال ولاية الرئيس السابق باراك أوباما والتي انبثقت عنها الاتفاقية النووية الإيرانية ـ الأمريكية ـ الغربية التي وُقعت في صيف عام 2015.
تختلط في هذا الكتاب المعلومات الموثقة المفيدة بالاستنتاجات غير المستندة إلى الاثباتات الموضوعية والتي تَطرح (في بعض الأحيان) الأسئلة حول دوافع الكاتب وما إن كانت سياسية أو ترويجية. ولكن كل ذلك لا يقلل من أهمية الكتاب وضرورة مراجعة الأفكار والاستنتاجات والمعلومات الواردة فيه والتي كتبها صحافي معروف في أمريكا يعمل في صحيفة مرموقة.
في مقدمة الكتاب، يقول سولومون إن وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري وفي منصبه (قبل الوزاري كرئيس للجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ تفاوض سرا مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف من أجل التوصل إلى تنازلات وحلول وسطية حول الاتفاقية النووية التي كان من المقرر عقدها. وإن هذه اللقاءات السرية بدأت في نهاية عام 2011 وشملت محاولات من كيري لإقناع القيادة السورية (عبر ظريف) بالتفاوض مع إسرائيل. وترافقت مع هذه النشاطات لكيري زيارته إلى مسقط (عُمان) ومحاولته استقطاب وساطة عُمانية فاعلة في الشأن النووي الإيراني. وعبّر خلالها عن استعداد أمريكا، بقيادة أوباما، للقيام ببعض المبادرات في هذا الشأن على أن تنقل القيادة السياسية العُمانية هذا الموقف إلى القيادة الإيرانية.
كما أجرى كيري حسب الكتاب مفاوضاته في هذا الشأن من دون الإبلاغ المسبق للقيادتين الإسرائيلية والسعودية، وقبل أن يصبح وزيرا للخارجية في ربيع 2013.
وهذه اللقاءات أثمرت، حسب المؤلف، اجتماعاً عُقد في نيويورك في أيلول (سبتمبر) 2013 أوصل فيما بعد إلى توقيع الاتفاق النووي مع إيران في سويسرا في تموز (يوليو) 2015 وعدت فيه القيادة الأمريكية برفع العقوبات الاقتصادية تدريجيا عن إيران والتعهد بعدم محاولة قلب النظام في طهران.
شكلت هذه المبادرات (في رأي سولومون) خطأ كبيرا برغم أن دوافع أوباما، حسبه، هدفت إلى تهدئة حدة المواقف مع إيران أملا في التركيز على مواجهة تنظيم «القاعدة» في المنطقة والعالم. والنتيجة التي أغضبت سولومون كثيرا كانت أن النظام الإيراني، بقيادة المرشد الأعلى علي خامنئي ومساندة «الحرس الثوري» استمر في دعم حلفائه في لبنان وسوريا وفلسطين والعراق (حزب الله وحماس والميليشيات الشيعية العراقية) مما شكل استمراراً للخطر على أمن إسرائيل وبعض الدول العربية التي تتحفظ على المواجهة العسكرية معها، بل وعلى العكس فإن الرفع التدريجي للعقوبات الاقتصادية وإعادة الأموال الإيرانية المجمدة في الخارج سيتيح للنظام الإيراني حسب المؤلف تقديم المزيد من الدعم إلى حلفائه والميليشيات المؤيدة له في المنطقة.
في الفصل الثاني عشر من الكتاب، يقول سولومون ان الرئيس باراك أوباما اعتقد انه يعوض عن الخطأ التاريخي الذي ارتكبته أمريكا بغزوها العراق في عام 2003 وذلك بعدم ارتكاب خطأ مماثل ضد إيران، ولكن النتيجة (في رأي الكاتب) ان إيران أصبحت تخضع حاليا لسلطة الجناح المتشدد فيها، وهيمنة «الحرس الثوري» على القرارات الرئيسية بدعم من المرشد الأعلى للثورة، واصبح قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري، الجنرال قاسم سليماني، صاحب نفوذ كبير في سياسات إيران الأمنية الداخلية والخارجية، وسليماني يقوم بجولات في العراق وسوريا ولبنان وروسيا لتنسيق الجهود لدعم محور المقاومة الإيراني ـ السوري ـ العراقي ضد إسرائيل والدول التي تعادي سياسات إيران في المنطقة، حسب سولومون.
وبالإضافة إلى ذلك، يعتبر أن إيران ما زالت قريبة من انتاج الأسلحة النووية برغم توقيعها على الاتفاق النووي مع دول (5 +1) وذلك مع أن جهات دولية أخرى تقول إن إيران تنفذ تعهداتها في هذا الاتفاق.
ويحذر سولومون من إمكان تطوير إيران لصواريخها الباليستية المتقدمة تكنولوجيا وتجهيزاتها الدفاعية القوية الكبيرة لدى حصولها على المئة مليار دولار المتجمدة في المصارف الغربية والأمريكية، بعد رفع العقوبات عنها، مشيرا إلى إمكان تزويد إيران لشحنات من هذه الأسلحة إلى حزب الله في لبنان وسوريا وللحوثيين في اليمن مما سيشكل خطرا على مصالح أمريكا وإسرائيل ودول الخليج في المنطقة. وهذا ينذر بإمكانية وقوع حرب جديدة في الشرق الأوسط، خلافا لما اعتقده أوباما والتي أصبحت أكبر بعد توقيع الاتفاقية النووية مع إيران. كما أن اعتقاد أوباما بأنه سيقوي سلطة الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف في إيران أعطى مفعولا عكسيا ومخالفا لذلك إذ قوّت جناح الصقور المتصلب هناك حسب المؤلف.
ويدعو سولومون في الكتاب القيادة الأمريكية الجديدة إلى تصعيد المواجهة مع إيران مشيرا إلى ان نظام طهران ما زال سلبيا تجاه الغرب وساعيا إلى تطوير ترسانته من السلاح المتطور (النووي وغيره).
اللافت في هذا النوع من التحليل السياسي أن الكاتب متأكد من صحة كل ما يقوله عن نيات إيران العدوانية ومشاريعها السلبية التسليحية الخطيرة، هي والجهات التي تتحالف معها، ويصدر الأحكام المسبقة حول قضايا وجرائم ارتكبت في المنطقة وما زال التحقيق جاريا حولها.
وهذا الأمر يتجلى إلى حد ما في تقديراته المسبقة حول النتائج والأحكام التي ستصدر عن محكمة العدل الدولية في لاهاي وعن أحداث لبنان وسوريا في السنوات الماضية حيث يقول في الصفحة (90) مثلا «إن فريقا من المنتسبين إلى حزب الله نظموا مؤامرة لاغتيال رئيس الحكومة اللبناني الراحل رفيق الحريري في لبنان وأن هذه العملية نظمت بإشراف إيران وسوريا وأن حزب الله اللبناني أصبح وحدة من وحدات الحرس الثوري الإيرانية».
هذا التوجه الاستنتاجي المسبق يتواجد في صفحات أخرى من الكتاب حول مواضيع أخرى حيث يقول الكاتب في الصفحة (93) مثلا ان مقاتلي منظمة «القاعدة» الذين انتقلوا من سوريا لمواجهة الغزو الأمريكي للعراق في العقد الأول من الألفية الثانية استخدموا مطار دمشق كمحطة قبل انتقالهم إلى العراق. كما يؤكد في الصفحة التالية أن الزرقاوي كان يتعاون مع الاستخبارات السورية من دون تقديم أي أدلة ثابتة حول هذا الموضوع.
وبالتالي فإن استنتاجات المؤلف يمكن إدراجها في مجال الترويج والتشجيع على استمرار حروب أمريكا وإسرائيل في المنطقة كما أن رؤيته «المرطبة» لمواقف إسرائيل العدوانية تجاه لبنان وفلسطين وسوريا وفي أنها تتلخص في كونها تحدث كردة فعل منتظرة على سياسيات إيران العدوانية في المنطقة يطرحان الأسئلة حول مواقفه.
وفي الفصل الثالث، الذي يسميه سولومون «الهلال الشيعي» يشن الكاتب حملة على قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني ويتهمه بالقيام بزيارات إلى موسكو لدعم النظام السوري. كما يتهمه أيضا بترتيب «مصيدة» للوجود الأمريكي العسكري في العراق، بعد غزو عام 2003 حيث يشير إلى أن سليماني أقنع المشرفين الأمريكيين على هذا الغزو بالقبول بتعيين قيادات عراقية شيعية كنوري المالكي وإبراهيم الجعفري وأحمد الشلبي الذين تبين لاحقا بأنهم متعاونون مع إيران. ويطرح هنا ما إذا كانت القيادة الأمريكية في حاجة لنصائح سليماني في هذا الشأن قبل اتخاذها قراراتها.
ويعتبر سولومون أن قادة العراق الحاليين الذين اضطروا إلى اللجوء إلى إيران خلال الحرب العراقية الإيرانية في مطلع الثمانينيات، أو بعد ذلك، شكلوا ويشكلون «ذخيرة» لإيران آنذاك وحاليا.
أما الفصل الرابع، الذي يسميه المؤلف «محور المقاومة» فقد أشار فيه إلى أنه دعي إلى زيارة سوريا مرتين الأولى عام 2009 والثانية عام 2011 وفي الأولى قابل رئيس المكتب السياسي في حركة «حماس» خالد مشعل، الذي كان مقيما في دمشق آنذاك، فيما قابل في الثانية الرئيس بشار الأسد. وقال سولومون إزاء ذلك إن جون كيري، رتب لزياراته إلى سوريا مع السفير السوري في واشنطن في ذلك الوقت عماد المصطفى، قبل أن يصبح كيري وزيرا للخارجية في 2013 عندما كان رئيسا للجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي في الكونغرس.
ويوضح هذا الفصل مواقف الكاتب وتوجهاته إزاء الوضع في سوريا حيث يشير إلى أن الفارق بين بشار الأسد ووالده حافظ الأسد أن الوالد كان أكثر واقعية من ابنه في تعامله ومواقفه السياسية عموما وفي علاقته مع الفرقاء الإقليميين ومع إيران وحزب الله، فيما كان بشار ملتزما أيديولوجيا وعاطفيا في تحالفه مع حزب الله وإيران.
يعتبر سولومون أن الرئيس السوري الحالي لم يكن يقول الحقيقة عندما أشار اليه في مقابلتهما أنه مستعد للتفاوض مع إسرائيل.
ويستنتج سولومون أن بشار يتفق مع إيران وحزب الله وحركة «حماس» الفلسطينية في كرهه لإسرائيل.
كما يرى أن السفير السوري السابق في واشنطن عماد المصطفى كان دبلوماسيا لبقا استمال صحافيين وسياسيين أمريكيين لزيارة سوريا ومقابلة القادة السوريين. ويصف الرئيس السوري بأنه يبدو لطيفاً. ولكنه في الواقع غير ذلك، وأنه تجنب قول الحقيقة عندما سأله في اللقاء عن حقيقة دور سوريا في لبنان والعراق وفي عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. كما يشير إلى أن بشار حاول في المقابلة معه اظهار الفوارق بين طبيعتي النظام السوري العلماني والإيراني الديني التوجه، وأن هذه المقابلة دامت تسعين دقيقة.
ويضيف أن مستشاري أوباما المقربين من الموقف العربي عموما رأوا أن مقابلته كانت ناجحة، فيما ندم هو شخصيا وشجب أصدقاؤه من المتعاطفين مع ضبط إيران وسوريا إجراء هذه المقابلة التي أظهرت الأسد بمظهر حسن.
ويذكر أن هذا اللقاء بينه وبين الأسد جرى قبل أسابيع من انطلاق الحراك والمواجهات مع المتظاهرين ضد النظام في سوريا قبل ستة أعوام.
ويشير سولومون إلى أنه وفي مقابلته مع خالد مشعل (في سوريا أيضا) عام 2009، أبلغه الأخير أن «حماس» مستعدة للدخول في هدنة مع إسرائيل، ولكن من دون الاعتراف بالدولة اليهودية، وأن منظمته مستعدة للموافقة على إنشاء دولة فلسطينية على أساس حدود فلسطين مع إسرائيل في عام 1967. ولكنه قال له أيضا إن عليه أن يسأل إسرائيل عن مواقفها في هذا الشأن وليس أن يسأله هو لأن هذا الأمر يعنيها، وإنه حتى لو أوقفت إسرائيل عمليات بناء المستوطنات فالمهم ماذا سيحدث بعد ذلك؟ فوقف المستوطنات جيد ولكنه ليس حلا شاملا للمشكلة فهناك القدس والمسجد الأقصى، وهناك أمور أخرى شديدة الأهمية من الضروري معالجتها حسب مشعل.
ويشير المؤلف إلى أن «أصدقائه» في واشنطن من «مؤيدي إسرائيل» لم يكونوا مرتاحين إزاء مقابلته مع الأسد ومشعل إذ اعتبروا أنه يعطي هذه الشخصيات المتطرفة (في رأيهم) منبرا، وأنه هو شخصيا أيضا توصل إلى اقتناع بوجود ترابط بين مواقف قادة محور المقاومة والممانعة في المنطقة مع مواقف قادة الدول الداعية إلى المواجهة مع إسرائيل ومن الخطأ أن تقوم القيادة السياسية في واشنطن بمحاولات لاستقطاب واسترضاء هؤلاء القادة عبر توفير المنابر السياسية والإعلامية وتقديم التنازلات لهم وإتاحة المجال أمامهم لتوصيل رسالاتهم ومواقفهم إلى العالم.. وهذا يعني بانه ندم على ما فعله وعلى مقابلته للأسد وقبله لمشعل (ص 113).
ويتضمن الكتاب معلومات مفيدة، ربما نطلع عليها للمرة الأولى ومنها ما ذكره في الفصل الثاني بعنوان «الفرصة الضائعة» عن الدور الإيجابي الذي لعبه وزير الخارجية الإيراني الحالي محمد جواد ظريف في محاولة العثور على الحلول السياسية للأزمة الأفغانية، عندما كان مساعدا لوزير الخارجية في عهد الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي.
عنوان الكتاب: حروب إيران:
(The Iran Wars).
المؤلف: جاي سولومون
الناشر: دار راندوم هاوس، نيويورك الولايات المتحدة. عام 2016, N.Y 2016 (Random House).
عدد الصفحات: 336 صفحة
القدس العربي