جبهة النصرة والمرحلة التركية.. تحولات دائمة ومصائر قلقة/ أحمد أبا زيد
(1)
منذ إعلان تشكيلها في سورية (24/1/2012)، مرت جبهة النصرة بتحولات ومحطات عديدة، على مستوى الانتشار والبنية والخطاب والعلاقة بالمجتمع والفصائل المحلية، وحتى على مستوى الاسم نفسه.
كان إعلان “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (9/4/2013) قد شهد الانقسام الأكبر في بنية جبهة النصرة، والذي كاد ينهيها تماماً، لكن الجبهة استثمرت إعلان بيعتها لتنظيم القاعدة، وعلاقاتها بشبكات الدعم الخارجية والجماعات السلفية المحلية (خصوصاً أحرار الشام) إلى أن استعادت تماسكها، ثم استطاعت جبهة النصرة تدريجياً أن توسّع سيطرتها ونفوذها في منطقة إدلب، خصوصاً مع حملاتها المتكرّرة ضد فصائل الجيش الحر منذ الربع الأخير في عام 2014، والمستمرة، بعد أن شملت معظم فصائل الشمال السوري (وتكرّرت بدرجة أقل في مناطق وجود جبهة النصرة الأخرى، خصوصاً الغوطة الشرقية)، وقد بدأت حملة الإمارة والهيمنة على الشمال الغربي، بعد إعلان قائد جبهة النصرة، أبو محمد الجولاني، في تسجيل صوتي مسرّب، تشكيل إمارة إسلامية (يوليو/ تموز 2014)، وذلك قبيل حادثة رام حمدان والمقتل الجماعي لقادة “أحرار الشام” (9/9/2014) منافس الجبهة الأهم، وهو الحدث الذي سهّل من توسع الجبهة، بسبب تراجع نفوذ الحركة، وتأخر تقاربها مع الجيش الحر لتحافظ (أحرار الشام)، حتى وقت طويل، على موقعها الوسط والملتبس بين الهوية الثورية والجهادية.
كان إعلان غرفة عمليات جيش الفتح (24/3/2015) من التحولات العسكرية المهمة في الشمال السوري، واستطاع السيطرة على مساحةٍ واسعةٍ من مدينة إدلب وحتى جسر الشغور وأريحا، ولعل توسع جيش الفتح في الشمال، إضافة إلى توسع جيش الإسلام في دمشق (معركة الله غالب)، كان من الأسباب التي عجّلت بالتدخل الروسي في سورية (30/9/2015)، والذي قلب المعادلات العسكرية على الأرض.
أما على مستوى جبهة النصرة، فقد كان جيش الفتح محاولةً لتوسيع إطار تحالفاتها، واستعادة شعبيتها بعد حملتها ضد جبهة ثوار سورية، وحركة حزم وغيرهما. وللانتقال إلى مرحلة
“كان جيش الفتح محاولةً لتوسيع إطار تحالفات جبهة النصرة، واستعادة شعبيتها” ممارسة الحكم، وهي الممارسة التي فشلت فيها الفصائل بطبيعة الحال، ولم تنجح الجبهة في الانتقال إلى مرحلة أعلى من الاندماج بهذه الفصائل، أو التحصن بينها من التصنيف منظمة إرهابية، بقدر ما تعاملت الفصائل الأخرى (أهمها فيلق الشام وأحرار الشام) مع “جيش الفتح” مجرد ضرورة عسكرية، ومع صدام الفصائل الثورية ضد “جند الأقصى”، وتزايد الاستقطاب مع جبهة النصرة. وكان جيش الفتح قد انتهى عملياً في الربع الأول من 2016، وكانت معارك كسر الحصار عن حلب (يوليو/ تموز- نوفمبر/ تشرين الثاني 2016) محاولةً لإنعاشه، ولكن فشل المعركة أغلق هذا الملف، كما أن الفصائل وضعت دوماً ارتباط جبهة النصرة بتنظيم القاعدة حجةً لعدم إمكانية الاندماج معها، وهو ما دفع الجولاني إلى الانتقال نحو خطوة إعلان فك الارتباط.
انتقل اسم الجبهة مع فك الارتباط بتنظيم القاعدة إلى جبهة فتح الشام (28/7/2016)، والتي حاولت إثبات نفسها في معارك كسر الحصار عن حلب، وفشلت عملياً، وفشل الجولاني أيضاً في إقناع “أحرار الشام” وفصائل الجيش الحر بالدخول معه (بالأحرى تحت قيادته)، في مشروع اندماجي، بعد أن ألغى حجة القاعدة، مع تزايد شعوره بالخطر من كونه الهدف التالي للدول، بعد تنظيم داعش، ومع شعور الفصائل الأخرى بالتهديد من هجوم الجبهة عليها، خصوصاً بعد ضمّ تنظيم جند الأقصى المتطرّف إليه.
وفي الوقت نفسه، أثار فك الارتباط موجة من الجدل والانقسام داخل الجبهة، بعد سنواتٍ من أدلجة العناصر على فكر السلفية الجهادية والانتماء لتنظيم القاعدة، ومع وجود تيار قيادي ينتمي أيديولوجياً إلى تنظيم القاعدة، ويرى أن فك الارتباط شكلٌ من التنازل و”التمييع” واسترضاء الغرب، وقد مثّله رموز الجهاديين الأردنيين في الجبهة خاصة، أمثال سامي العريدي وأبو جليبيب الذين كانوا قادة الجبهة في الجنوب قبل انتقالهم إلى إدلب عبر مناطق النظام، وكذلك القائد العسكري للجبهة أبو همام العسكري (تم إشاعة اغتياله لكنه ما زال حياً)، ولكن الجولاني استطاع أن يحافظ على بنية تنظيمه وزعامته رغم تنقلاته البراغماتية، وبقي معه قسم من التيار الأردني أيضاً، أبرزهم محمد حسين الخطيب (أبو حسين الأردني) قائد “جيش النصرة” الذي تحول إلى قوات النخبة ضمن الجبهة ورأس حربتها ضد الفصائل.
(2)
بعد جولة محادثات “أستانة 1” هاجمت جبهة فتح الشام (24/1/2017) خمسة فصائل كبرى في الشمال الغربي (الجبهة الشامية، جيش المجاهدين، صقور الشام، تجمع فاستقم، جيش الإسلام) بحجة
“استطاع الجولاني أن يحافظ على بنية تنظيمه وزعامته رغم تنقلاته البراغماتية، وبقي معه قسم من التيار الأردني” توقيعها على القتال ضد الجبهة، لتنضم هذه الفصائل إلى حركة أحرار الشام تجنباً لاستمرار المعركة، ثم أعلنت جبهة فتح الشام توحدها مع عدة فصائل -أهمها حركة الزنكي وجيش الأحرار- وتعلن تشكيل هيئة تحرير الشام (28/1/2017)، وتدعو بقية الفصائل إلى الانضمام إلى هذا “الكيان السني الموحد”.
مع التحول نحو جبهة فتح الشام، بدأت محاولات خجولة في إظهار الاعتدال واستعمال مفردات من الخطاب الثوري، وليس من القاموس الجهادي. ولكن مع إعلان هيئة تحرير الشام، أصبح واضحاً الحرص على إظهار الاعتدال والهوية الثورية ضمن السياسة الإعلامية ومحاولة الهيئة التواصل مع جهات ومنظمات دولية، بالتوازي مع استمرار سياسة التشدد والهيمنة ضد الأطراف المحلية في الداخل السوري. وتظهر مقارنة سريعة لبيانات الهيئة الموجهة نحو الخارج، مع بياناتها أو سياستها نحو الفصائل ومؤسسات المعارضة حجم المفارقة، وكان مشروع الجولاني، في هذه المرحلة، استمراراً لتجنب مأزق التصنيف والتترس بالمجتمع والفصائل المحلية عبر فرض سلطة أمر واقع على الدول للتعامل معه، وإظهار المرونة للتفاوض والعلاقات السياسية. وعلى المستوى الفصائلي، استمرت محاولات استقطاب مقاتلي “أحرار الشام” لتقويضها من الداخل، وهي المحاولة التي نجحت، في البداية، بكسب مجموعة “جيش الأحرار” فقط، وتحولت إدلب إلى مساحة تنافس بين الحركة والهيئة، وهو الأمر الذي استغلته الحركة، لتأكيد كونها البديل الثوري والمحلي والمعتدل، فأقرت القانون العربي الموحد ورفعت علم الاستقلال ودعت إلى إدارة مدنية، الأمر الذي واجهته الهيئة بقرار المعركة.
توّجت هيئة تحرير الشام (سابقاً: جبهة فتح الشام، جبهة النصرة) حملاتها الطويلة والمتكرّرة على فصائل الجيش الحر، بالهجوم الواسع الذي شنته على حركة أحرار الشام الإسلامية (18-21 يوليو/ تموز 2017)، وهو القتال الذي هُزمت فيه الحركة سريعاً، وأُخرجت من معبر باب الهوى الحدودي، فيما بدا أشبه بانهيار، ولم يشارك في المعركة غالب مكونات هيئة تحرير الشام وحتى قسم من جبهة النصرة نفسها، لأن اعتماد الجولاني، في حربه ضد الفصائل، كان على المجموعات المؤدلجة، ومضمونة الولاء، ضمن الجبهة، خصوصا جيش النصرة بقيادة أبو حسين الأردني، والجهاز الأمني الذي يقوده أبو يوسف الحموي (حلفايا) وقاطع البادية، ومجموعة الشرعيين المصريين (أبو شعيب، أبو الفتح، أبو اليقظان) والسوري عبد الرحيم عطون (أبو عبد الله الشامي)، بينما عارض المعركة ضد الأحرار جناح شرعي، مثّله السعودي عبد الله المحيسني وأبو الحارث المصري، والتزم قسم من “المهاجرين” بالحياد، خصوصا السعوديين، ولم يضطر الجولاني للاستعانة بأغلبية المجموعات السورية لديه، بحكم هشاشة مقاومة الأحرار.
على إثر معركة الأحرار، تقلصت هيئة تحرير الشام بخروج فصيل حركة الزنكي وجيش الأحرار من الهيئة تباعاً، لتعود الهيئة تقريباً إلى مكوّنها الأساسي “جبهة النصرة”، بعد أن لم تشهد هذه الهيئة اندماجاً حقيقياً، وبقيت قيادتها بيد الجولاني نفسه، وحتى القائد العام للهيئة (أبو جابر الشيخ)، والذي كان قائد حركة الأحرار سابقاً أعلن استقالته منها، وانتقلت القيادة إلى الجولاني مباشرة.
بعد هزيمة “أحرار الشام”، دعت هيئة تحرير الشام إلى مشروع الإدارة المدنية، والذي بدا واضحاً أنه التفاف آخر من الجولاني على التصنيف، ومحاولة التترس بواجهة مدنية، ولكن المظاهرات الشعبية استمرت ضد الهيئة، ولم تشارك غالبية المجالس المحلية ضمن هذا المشروع، والذي انتهى بإعلان “حكومة” برئاسة محمد الشيخ، كان واضحاً أنها محسوبة على الهيئة، ما بدا نهاية هزيلة لمشروع الجولاني الطموح بحكم الشمال الغربي من سورية.
(3)
في المرحلة التي تلت هزيمة أحرار الشام، وتحول هيئة تحرير الشام إلى الفصيل المهيمن في
“تقلصت هيئة تحرير الشام بخروج فصيل حركة الزنكي وجيش الأحرار من الهيئة تباعاً، لتعود الهيئة تقريباً إلى مكوّنها الأساسي” إدلب، بعد تقلصها من جديد نحو جبهة النصرة إثر خروج الزنكي وجيش الأحرار، واجه الجولاني عدة تحديات تضرب في تماسك الهيئة:
أولاً: الاحتجاجات الشعبية المتزايدة ضد الهيئة، والتي تستحضر الصراع القديم ما بين الثورة السورية والجهاديين.
ثانياً: سلسلة التسريبات التي نشرها حساب باسم “خالد الشمالي”، وتتضمن محادثات بين قياديين في الهيئة، أحدهم الجولاني نفسه (تحدث عبر مرافقه)، والتي تسببت باستقالة شرعيين بارزين من الهيئة (عبد الله المحيسني، مصلح العلياني)، إضافة لبلبلة داخل الهيئة وبين عناصرها تشكك بمصداقية خطابها الداخلي.
ثالثاً: سلسلة من الاغتيالات لقياديين في جبهة النصرة، يغلب عليهم كونهم أجانب، ومن الخط المتشدّد، وهو ما دفع بعضهم إلى طرح فرضية أنها تصفيات داخلية ضمن الهيئة التي تحاول العبور نحو مرحلةٍ أكثر مرونةً وبراغماتية مع قرب التدخل التركي (الفرضية نفسها طُرحت لدى اغتيال قادة بارزين سابقاً قبيل تحولات جبهة النصرة، مثل أبو فراس السوري وأبو عمر سراقب)، وأنها تحسباً لانشقاق جناح الصقور والمؤدلجين.
رابعاً: عودة تنظيم القاعدة، أو فصيل محسوب عليه، عبر المنشقين عن جبهة النصرة، من التيار المتشدد في الجبهة، والذي قد لا يقبل تحولات الجولاني وبراغماتيته مع الخارج، وأعمدة هذا التيار هم الجهاديون الأردنيون المعزولون من الجبهة (أبرزهم: سامي العريدي، أبو جليبيب، أبو خديجة الأردني)، والمرتبطون بمنظّري السلفية الجهادية الأردنية (أبو محمد المقدسي وأبو قتادة الفلسطيني) وبقيادة تنظيم القاعدة، وأبو همام السوري القائد العسكري السابق لجبهة النصرة، ومجموعة جند الأقصى التي ضمّتها جبهة فتح الشام ومركزها في سرمين، ومعهم مجموعات العناصر أو الشرعيين أو القياديين الذين قد ينحازون إليهم فكرياً أو تنظيمياً ممن تبقوا في صفوف هيئة تحرير الشام.
وقد تكهن بعضهم أن عودة التنظيم إلى سورية قد وقعت، بعد أنباء عن وصول حمزة بن أسامة بن لادن إلى سورية، إضافة إلى خطاب زعيم “القاعدة”، أيمن الظواهري، اخيرا تحت عنوان “سنقاتلكم حتى لا تكون فتنة” (4/10/2017) والذي استنكر فيه تبرؤ الفصائل السورية من “القاعدة”، وقال إن بيعة “القاعدة” ملزمة، وتركها عمل محرم، في إشارة إلى صنيع الجولاني، إضافة إلى إعلان تم بثه عن تشكيل جماعة اسمها “أنصار الفرقان في بلاد الشام”، ولكن نشاط تنظيم القاعدة من جديد في سورية ليس مؤكداً بعد، رغم وجود شبكات وشخصيات من المنتمين للتنظيم في سورية، ولكن ليس واضحاً بعد نيتها أو قدرتها على تأسيس تنظيم جديد سيصادم بالضرورة سلفه ومنافسه الأول “هيئة تحرير الشام”.
(4)
أعلن بيان محادثات “أستانة 6” (5/9/2017) ضم منطقة إدلب إلى مناطق خفض التصعيد ومراقبة قوات للدول الضامنة وقف إطلاق النار فيها، وهو ما عنى التفاهم على التدخل التركي في إدلب.
حاول الجولاني أن يواجه بيان “أستانة 6” وتحدياته الداخلية وفشل مشروع الإدارة المدنية عبر إعلان معركة حماة، لاستعادة الشرعية العسكرية ضد النظام، وإظهار خصومه باعتبارهم عملاء، وأعلنت هيئة تحرير الشام معركتها المتكرّرة في ريف حماة الشمالي (19/9/2017)، ومن المحاور نفسها تقريباً، وهي المعركة التي فشلت وانسحبت منها الهيئة سريعاً كالمرات السابقة.
ولكن الحدث الأهم بعد المعركة هو انفلات الطيران الروسي على مناطق ريف حماة وإدلب وحلب، عبر حملة قصف عنيفة ومكثفة، استهدفت بمعظمها مقرات الجيش الحر (وليس الهيئة) خصوصا فيلق الشام وصقور الشام (الأخير من الفصائل القليلة التي صمدت بوجه حملات الجولاني المتكررة ضده)، وركزت أيضاً على قصف مناطق معروفة بمناوأتها جبهة النصرة، مثل جرجناز ومعرة النعمان، وكذلك على المشافي والبنية التحتية، واستهدف في عدة غارات مقرات للهيئة في منطقة حارم على الحدود وفي منطقة أبو الضهور في ريف حلب الجنوبي، وكانت إحداها على اجتماع لقيادة تحرير الشام، شارك فيه الجولاني، وأصيب فيه، حسب ما أعلنت وزارة الدفاع الروسية.
وقد أثارت الحملة الروسية المتوحشة شكوكاً وقراءات متباينة، بحكم أنها أتت على الرغم من ضم المنطقة إلى خفض التصعيد في أستانة، وتركيزها على خصوم هيئة تحرير الشام، وضد الفصائل نفسها التي وقّعت في أستانة، ويمكن أن يعوّل عليها في مقاومة نفوذ هيئة تحرير الشام، كما يبدو أنها عجّلت من قرار التدخل التركي، وهو ما حصلـ منذ بداية أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، حيث تجمعت القوات التركية على الحدود مع إدلب، فيما بدا تجهيزاً واضحاً للدخول إلى إدلب.
ولتثبيت صورتها وهيمنتها على أبواب التدخل التركي، قامت هيئة تحرير الشام بعدة خطوات:
أولاً: الهجوم على بلدة دارة عزة (3/10)، بعد انشقاق “كتائب ابن تيمية” التي تسيطر على المنطقة عن الهيئة، وكان الهدف ردع المجموعات التي تنوي الانشقاق، لكنه بشكل أساسي لتحصين سيطرة الهيئة على جبل الشيخ بركات الاستراتيجي، والمشرف على مناطق الأكراد وتركيا وريف حلب.
ثانياً: اقتحام بلدة أرمناز في ريف إدلب (9/10)، على إثر خلاف بين عناصر من الهيئة من جهة، وأحرار الشام وفيلق الشام من جهة أخرى، وساعد الهيئة في اقتحام البلدة الحزب الإسلامي التركستاني، وأرادت الهيئة أن تثبت استمرار هيمنتها على إدلب، وقدرتها على مهاجمة الفصائل الأخرى، على الرغم من التدخل التركي.
ثالثاً: الهجوم على أبو دالي، الذي يأتي في سياق مركب، حيث كان ضمن تفاهمات “أستانة
“هذه البداية السلمية للتدخل التركي تفتح الباب واسعاً نحو مرحلة أخرى من مصير هيئة تحرير الشام وانقساماتها الداخلية” 6″، طرح روسيا عن منطقة “منزوعة السلاح” في منطقة العشائر جنوب إدلب، والتي تعرف بمنطقة الموالي أو شرق الحسكة، توضع فيها مفارز عسكرية روسية من دون وجود قوات للجيش الحر، ولا للنظام مع سلطات محلية، وأعلنت روسيا تشكيل قوات عشائر إدلب، لتكون بديلاً جاهزاً للتحرك.
على إثر ذلك، أتى هجوم هيئة تحرير الشام على قرية أبو دالي في ريف حماة الشرقي، والتي كانت سنواتٍ معبر التجارة مع النظام، لأجل نفي ما أشيع عن اجتماع واتفاقيات مع أحمد درويش، زعيم مليشيات القرية وزعيم قوات العشائر المرتقبة أيضاً، وسيطرت عليها الهيئة بعد أيام، من دون تغطية حقيقية من الطيران الروسي لمليشيات البلدة.
بعد سقوط أبو دالي بيوم، فتح النظام ممراً عبر مناطقه لحوالى 300 من مسلحي “داعش” المحاصرين للمرور نحو منطقة الرهجان (9/10/2017) التي تقع تحت سيطرة هيئة تحرير الشام وبداية منطقة العشائر أو شرق الحسكة التي طرحت روسيا السيطرة عليها، ليسطير مقاتلو “داعش” على منطقة ممتدة في البادية، وتشتعل مواجهات بينهم وبين تحرير الشام.
أعادت هذه السيطرة احتمالية إعلان مجموعات متشددة في هيئة تحرير الشام الانشقاق والانضمام إلى مقاتلي “داعش”، وإن كان المرجح بالنسبة لتيار القاعدة، لو قرّر استئناف عملياته، هو ألا يتمركز مكانياً، وإنما ينشط عملياتياً في حرب عصابات وكمون.
(5)
أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، “بدء عملية عسكرية كبيرة وستستمر في إدلب”، وفي اليوم التالي، دخل وفد تركي إلى إدلب برفقة هيئة تحرير الشام، ليدخل رتل عسكري لاحقاً برفقة الهيئة أيضاً، ويتوجه نحو نقاط المواجهة مع قوات سورية الديمقراطية في ريف حلب الغربي، وهو الحلّ السلمي الذي بدا مفارقة من جهة الموقف التركي وموقف هيئة تحرير الشام معاً، بحكم أن الأخيرة سبق أن كفّرت الفصائل الأخرى وقاتلتها، بحجة موافقتها على مخرجات “أستانة”، والتمهيد للتدخل التركي.
ولكن هذه البداية السلمية للتدخل التركي تفتح الباب واسعاً نحو مرحلة أخرى من مصير هيئة تحرير الشام، وانقساماتها الداخلية أو الحملات العسكرية المقبلة ضدها، ومستقبل فصائل الجيش الحر ومشروعها في القتال ضد النظام، ورحلة الشبكات الجهادية المقبلة.
العربي الجديد