“جبهة النصرة” وبغلة الكردي/ بشير البكر
تروي حكاية شعبية كردية أن كردياً كان يمتلك بغلتين، واحدة شابة والأخرى كهلة قليلاً. وذات يوم، فكت البغلة الكهلة قيودها، وفلتت لترعى في زرع الجيران الذين ثار غضبهم لاستهتار الجار، واحتجوا لعدم قدرته على لجم البغلة الفالتة. شعر الجار الكردي بالحرج، وتصرف بسرعة فائقة، فأخذ عصاه، وانهال بها ضرباً على البغلة الشابة المربوطة. وهنا، ازداد حنق الجيران، وصرخوا به، ماذا تفعل يا رجل. نطلب منك ردع البغلة السائبة فتعاقب المربوطة؟ وكان رد الكردي غاية في الحكمة. أنا أعاقب البغلة المربوطة، لأنها لو كانت هي التي فكت اللجام وتحررت، لكانت فعلت أضعاف شقيقتها.
تصلح هذه الحكاية، على سبيل الاستعارة، لمقاربة تصرفات جبهة النصرة، وشقيقتها الكبرى “داعش” في سورية ولبنان.
ساد الظن أن جبهة النصرة مختلفة عن “داعش”، واشتغلت آلة دعاية إعلامية كبيرة لتثبيت هذه النظرية، وساق كثيرون تبريرات تقوم على أن “النصرة” تتكون من أبناء البلاد، في حين أن “داعش” تتألف من الغرباء، وظلت هذه الأطروحة سارية المفعول، حتى حصلت الضربة الأميركية في ريف إدلب في 23 سبتمبر/أيلول الماضي. واللافت أن الأميركيين لم يفرقوا بين “النصرة” و”داعش”، فهما بالنسبة لهم فرعان من تنظيم القاعدة. ولذلك، وجهوا ضرباتهم في الاتجاهين. ولعل في ذلك درساً للسوريين أولاً، لكي يتبدد الوهم الذي عاشوا عليه فترة، إذ إنهم صدقوا أن “النصرة” لا شاغل لها سوى العمل على إسقاط النظام، أما الأمور الأخرى التي تتسم بالعنف على مستوى إعادة أسلمة المجتمع السوري واختطاف السوريين رهينة، فهي من اختصاص “داعش”.
لقد تبين تهافت وضعف هذه الخرافة التي جرى تسويقها طويلاً، والتسامح معها من أوساط سورية واسعة، بما في ذلك فئات من الائتلاف المعارض والجيش الحر، وكانت النتيجة كارثية، ذلك أن أول رد فعل لـ”النصرة” بعد الضربة الأولى التي تلقتها من الأميركيين هو التفاهم مع “داعش”، والاستيلاء على المناطق التي كانت في حوزة الجيش الحر في ريف إدلب. ولا يختلف سوريان على أن “النصرة” تعربد اليوم في سورية ولبنان، على غرار “داعش”، وصار همّ محاربتها النظام في درجة ثانية، وباتت معركتها تسير في اتجاه واحد هو الحفاظ على وجودها، من خلال تبني أجندة “داعش”، ولو كان ذلك على حساب قهر المواطن السوري، والانخراط في مشروع الخلافة الذي يعلو على أي هدف آخر لدى البغدادي.
لو كانت “النصرة” تختلف عن “داعش” لوقفت إلى جانب السوريين في معاناتهم الرهيبة من جهة النظام ومن جهة “داعش”، لكن هذا الأمر ليس في أولوياتها، ولم تقم ضد النظام من منطلق وطني أو ديمقراطي، بل هي تقاتله لأسباب طائفية بحتة، وهذه المسألة لا تهم السوريين، لأنهم لم يثوروا ضد طائفة رأس النظام، بل من أجل الحرية والكرامة.
اليوم، تقدم “النصرة” مثالاً سيئاً في لبنان عن السوريين، من خلال خلق مشكلة مع الجيش اللبناني، وخطف جنوده والقيام بإعدام بعضهم. ولو كان لدى “النصرة” تقدير دقيق للموقف، لما ارتكبت هذه السلوكيات التي انعكست وبالاً على مليون مهجر سوري في لبنان أولاً. ومن ناحية ثانية، ليست المعركة مع جنود الجيش اللبناني، فهؤلاء لا حول لهم ولا قوة، وهم في الغالبية من منابت فقيرة، والتحقوا بالجيش لكي يؤمنوا لقمة عيش لعوائلهم، ثم إن هؤلاء لم يتجاوزوا الحدود إلى سورية، ليعتدوا على السوريين، وكان في وسع “النصرة” أن تصرف جهودها لمحاربة النظام والجيوش الغريبة التي تقاتل إلى جانبه.
العربي الجديد