صفحات الناس

جديد سوريا: البعث الاسلامي/ نذير رضا

 

 

لا يقدم مقطع الفيديو المنتشر أخيراً، ويظهر متدربين عسكريين سوريين يهتفون بحياة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أي صورة ايجابية عن مستقبل سوريا، وخياراتها، ولا يلتقي بتاتاً مع أهداف المعارضة المعلنة، تلك الساعية لتكريس دولة مدنية وديموقراطية في سوريا.

على العكس، يحمل الفيديو مؤشرات على أن سوريا المستقبل، هي المقسمة، متعددة الولاءات، والمتشظية بين خيارات اقليمية ودولية، ولا يجمع أبناءها فعلياً، أي خطاب وطني مستقل يشبه ما يعلنه المفاوضون السوريون، وما يتحدث عنه السياسيون من جميع الاطراف.

لكن هذا الفيديو، الذي يؤكد المؤكد السابق لجهة التشظي، يحمل أبعاداً أكثر سوءاً، تثبت أن دولة البعث، وخطابها، وأدبياتها الاجتماعية والعسكرية، ما زالت متجذرة في النفوس السورية، وتنتقل من كتف الى كتف. فالقدرة على التنقل والمناورة بين الخيارات، هذه المرة، اسلاميّ الشكل، وديني المضمون، وتاريخي المنشأ. هو بعث اسلامي، لا شكوك يمكن ان تنقضه. ينطلق من شكليات البعث، ويتمدد على مساحات سياسية وفرها الخيار التركي للمقاتلين السوريين الموالين لأنقرة في عفرين.

ومع غياب الدلائل التي تثبت تاريخ تصوير الفيديو، وظروفه، إلا أن توقيت تسريبه، وتناقله على نطاق واسع في صفحات الاكراد السوريين، يحمل مؤشرات على ان المقاتلين يخضعون لتدريب جديد، بهدف قتال الوحدات الكردية التي تخوض معارك ضد القوات التركية وحلفائها السوريين في عفرين في شمال سوريا. ويظهر الفيديو المقاتلين يقولون “الله أكبر على كل من طغى وتجبر”، و”يحيا اردوغان”، و”تحيا سوريا حرة ابية”، بينما يسيرون في “المارش” العسكري على وقع هتافات “يا الله.. بسم الله، الله اكبر”.

والحال ان هؤلاء يقتبسون من “البعث” شكلياته. لم تتطهر ذاكرة السوريين الخارجين من البلاد حتى الآن، من أدبيات البعث وهتافاته. الفارق الوحيد أن هؤلاء استبدلوا عبارات البعث بعبارات اسلامية. واستبدلوا الولاء لحافظ الاسد، ثم نجله بشار، بالولاء للرئيس التركي أردوغان. وتمثل الهتافات الأخيرة، مادة انتقاد واسعة في صفوف الاكراد الذين اعتبروا الهتافات عثمانية، والمقاتلين “انكشاريون جدد”. إذ تم الربط بين الخطاب الاسلامي، والولاء لتركيا.

وإذا كان البعض استند الى الفيديو بوصفه ادانة لهؤلاء المقاتلين، كونه “دليلاً على الولاء لتركيا”، فإنهم في الحقيقة منفصلون عن الواقع الذي يثبت أكثر من اي وقت مضى، ان سوريا لن تكون موحدة بعد اليوم. فسكانها اليوم متعددي الولاءات، وهم جنود لمنظومات اقليمية ودولية تتنوع بين التركي والايراني والروسي والاميركي، وربما الاسرائيلي رغم أن معلني الصداقة والولاء مع تل ابيب ما زالوا أقل من الآخرين. كما تتعدد الخيارات الدينية والقومية في البلاد التي كشفت الحرب المستمرة رمادا غطى جمراً طائفياً. وبالتالي، لم يبق من العلمانيين والتواقين الى دولة مدنية وحرة ممستقلة، الا القليل من المتمسكين بهذا الخيار، رغم أن الثورة في وقت سابق أظهرت أنهم كثيرون.

أمام هذه الوقائع، تبدو المزاعم التي تتحدث عن استقلالية سوريا ووحدتها، محصورة في اطار التسويق الاعلامي، بينما في الواقع تسعى لاستقطاب الثوار الحقيقيين المستقلين، كونهم في النهاية، وحدهم من يعبرون عن توجهات آلاف المدنيين الذين خرجوا في ثورة 2011 على النظام، ووحدهم القادرين على بلورة صورة واضحة عن سوريا المستقبل، تلك الحرة والمستقلة والتعددية والديموقراطية.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى