صفحات العالم

“جردة” للتطورات السورية عشية مناقشة مصير البعثة الأممية

“جيوب” الحرب الاهلية تكبر والنظام والمعارضة يواصلان عسكرة النزاع

    ريتا صفير

فيما تتجّه الانظار الى مجلس الامن الذي يتوقع ان يحدد مستقبل مهمة البعثة الاممية في سوريا في ضوء تقرير الامين العام للامم المتحدة بان كي – مون، برز كلام الموفد الاممي العربي المشترك كوفي أنان الذي يزور سوريا اليوم، الى صحيفة “لوموند” الفرنسية”، والذي اقر فيه بأن خطته لسوريا بقيت حبراً على ورق، مؤكدا أهمية روسيا في الحل وإشراك إيران.

ورغم المواقف التي تمخضت عن لقاء “اصدقاء سوريا” في باريس وقبله الاجتماع الدولي في جنيف، تبقى اهتمامات البعثات الديبلوماسية المعتمدة في سوريا متركزة في جانب كبير منها على التطورات الميدانية وسط رصد دقيق للتغييرات على الارض. وهو رصد يقود مصادر ديبلوماسية اوروبية معتمدة في بيروت ودمشق الى ملاحظة نوع من “الانقطاع في التواصل” بين الحركة السياسية الدولية الجارية على اكثر من جبهة، والعمليات الميدانية، ويترجم في جانب منه بالعسكرة المتواصلة للنزاع يتولاها النظام والمعارضة.

والمصادر الديبلوماسية التي تشرع في “جردة وقائع” لما تشهده الساحة السورية، تبدو مقتنعة بأن سوريا باتت اليوم “على باب” حرب اهلية، تدخل ضمن مؤشراتها نشوء “جيوب” تكبر تدريجياً وفي آن واحد في اكثر من منطقة.

وفيما يواصل النظام عملياته العسكرية في اماكنه المعهودة كما تبينه خريطة النزاع، بات التبدل جليا في الاستراتيجيات التي يعتمدها “الجيش السوري الحر”منذ آذار الماضي، وسط تزايد المعطيات عن تمدد “حروب العصابات” التي تذكر في جانب منها بـ”تكتيكات” حرب العراق.

ولئن تتحدث التقارير الديبلوماسية الواردة من العاصمة السورية عن تقدم في اداء “الجيش السوري الحر” والثوار، يطبعه تنسيق اكثر فاعلية بين الوحدات، فثمة من لا يستثني مستجدات عدة وراء هذا التطور.ويدخل ضمنها ارتفاع نسبة تدفق السلاح وتحسن نوعيته، والتدخل الجوي للجيش السوري الذي ساهم في اعادة رص صفوف المعارضة العسكرية، في مقابل اعتماد متزايد لقوى النظام على القصف المدفعي. وفي ذلك، كما يلاحظ الديبلوماسيون نوع من الحماية ازاء اكثر من تطور محتمل، في مقدمها اتجاه الجيش السوري الى تفادي الانجرار الى “حرب عصابات” قد تجعله اسير حروب مطاردة للثوار “حلبتها” المنازل والازقة. وتدخل في الحسابات ايضا مسألة الحد من الانشقاقات التي تتزايد في الآونة الاخيرة.

ومع اقرار الديبلوماسيين المتابعين عن كثب للاوضاع السورية بأهمية خطوة الفرار الذي نفذه العميد مناف طلاس ورمزيتها، فإن هذه الحركات تبقى من وجهة نظرهم محدودة نتيجة عوامل عدة. اولها ان عدد المنشقين ما زال محصورا مقارنة بحجم الجيش السوري (بين 350 ألفاً و400 الف عنصر)، وثانيها بروز صعوبة في احصاء اعداد العمداء والجنرالات عموما في هذا الجيش، نظراً الى عدم اعتماد النظام معايير ترقية واضحة في هذا المجال. وهذا ما يدفع الديبلوماسيين المعنيين الى الحديث عن “تأثير معنوي” تحدثه هذه الانشقاقات حتى الآن، اكثر منه عسكرياً.

في اي حال، يقود الحديث عن الواقع الميداني النّاشئ وتداعياته المصادر المعنية الى ترجيحها اتجاه النظام السوري الى الشروع في تنازلات اضافية قد تترجم في تخليه عن اراض خاضعة لسيطرته في المستقبل القريب. الا ان هذا التقويم يقابله “تشكيك” في اعلانات المعارضة المتتالية عن سيطرتها على نسب معينة من الاراضي، “من منطلق ان التركيز يتعدى مساحات الامتار المربعة الى تحديد القرى المأهولة الساقطة”.

واذا كانت دير الزور تبدو اكثر المناطق المثيرة للاهتمام نظرا الى تواري مقومات المؤسسات الرسمية فيها كما تدلل عليه وقائع عدة باتت في متناول المصادر الديبلوماسية، فقد زادت من هذا الاهتمام الشائعات التي سرت عن مقتل حاكم المنطقة.

وامام هذا الواقع، تقر المصادر الديبلوماسية ان ازدياد وتيرة الاحداث الاخيرة ترجم فرزاً ميدانياً جديداً، الا انها تغييرات تبقى بعيدة من بلوغ حد التقسيم وبروز كيانات مذهبية كما تقول. وهي تشخص الواقع الراهن بحديثها عن “تطورات ميدانية عفوية تتواكب وازدياد في وتيرة التشنج  وتؤدي في نواح الى نزوح الاهالي من مناطق خوفا من العنف والانتقامات ذات البعد المذهبي”.

وتتردد على الالسن الامثلة عن مناطق واحياء باتت شبه فارغة، واكثرها دلالة منطقة دوما التي يقطنها عادة 700 الف شخص. فقد سجلت تقارير بعثة اللجنة الدولية للصليب الاحمر نهاية الاسبوع الماضي اقتصار عمليات الاجلاء على 20 شخصا، معظمهم من العجزة والمرضى.

ويقود الحديث عن اعمال الاجلاء المصادر نفسها الى اثارة الواقع الانساني المتردي الذي باتت تشهده البلاد وسط سلسلة عوائق ما زالت تحول دون بلوغ المساعدات المحتاجين. ويبرز في هذا الصدد استمرار العوائق امام مكتب تنسيق الشؤون الانسانية التابع للامم المتحدة وتواصل مشكلة منح التأشيرات للعناصر الامميين وعدم نجاح طروحات ” الوقفات الانسانية”.

ولا شك ان السؤال الذي يطرح نفسه يبقى ما اذا كان هذا المشهد مرشحاً للاستمرار ام ان ثمة عوامل معينة تحدث تعديلا في القواعد القائمة؟

وفي هذا الباب، تكتفي المصادر الديبلوماسية بالتعليق على مجموعة معطيات طبعت الايام الاخيرة، اهمها:

– توجه سوريا وتركيا الى تخطي تداعيات ازمة اسقاط الطائرة عززه حديث الرئيس السوري بشار الاسد الى الاعلام التركي.

– ثمة سيناريوات تناقش عن لجوء الاسد الى بلد ثان لكنها تبقى مضخمة.

– يتواصل الاخذ والرد حيال مستقبل المراقبين الدوليين وسط اقتراحات تتضمن في ما تتضمنه خفض عديدهم مقابل زيادة الحضور المدني الاممي. والطرح هذا ينطلق من شعور مفاده ان حضور المراقبين قد يخلق توقعات مضخمة حيال قدرتهم على الحد من الجرائم المتواصلة للنظام، علما ان تقرير الامين العام للامم المتحدة بان كي مون أخيراً أشار الى ذلك.

– لا معطيات حسية راهنا حيال احتمال حصول تبدل في الموقفين الروسي والصيني، رغم تلميح البعض الى تحول ما في هذا الصدد.

– تبقى الانظار شاخصة الى دول الجوار السوري وضمنها لبنان للحؤول دون تمدد النزاع اليها، علما ان الاحداث الاخيرة ولاسيما محاولات الاغتيال شكلت “جرس انذار” في هذا المجال.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى