جرمانا: مدينة مكتظة بالنازحين.. والهاون/ صبر درويش
لا تبدو مدينة جرمانا، المحاصرة بين الاشتباكات شرقي العاصمة دمشق، خارج الحرب المندلعة بين كتائب المعارضة والنظام السوري. المدينة التي لا تملك كتائب مسلحة معارضة، تعيش على وقع نوع مختلف من العمل العسكري، بعدما تحولت إلى مكان يكثر فيه وجود النازحين من أبناء مناطق المجاورة، وحفر كثيرة في شوارعها نتيجة تلقيها قذائف الهاون بشكل يومي.
أكثر من ثلاثين قذيفة هاون سقطت خلال الساعات ال24 الماضية على أحياء مدينة جرمانا، كما سقطت عشرات القذائف على حي الطبالة والدويلعة الواقعة بالقرب من طريق دمشق – المليحة، المجاورة لجرمانا، وسجل سقوط عدد من الضحايا.
شوارع وأحياء قلب العاصمة دمشق لم تسلم أيضاً من قذائف الهاون، حيث لم يقتصر الأمر على الأحياء المتاخمة لجبهات القتال كالعباسيين على سبيل المثال أو الزبلطاني المتاخمتين لجبهة حي جوبر الدمشقي شرقي العاصمة، بل وصلت القذائف حتى حي المالكي، الواقع وسط العاصمة، وحي البرامكة وباب توما وغيرها من الأحياء، موقعة العديد من الضحايا والخسائر المادية في الممتلكات.
يتزامن تعرض أحياء دمشق لهذا السيل من قذائف الهاون مع العمليات العسكرية التي تشنها قوات النظام على الغوطة الشرقية، والتي استخدمت فيها جميع انواع الأسلحة الثقيلة وغارات الطيران، في محاولة منها لتأمين المحيط القريب من العاصمة دمشق.
كل هذا أثار موجة واسعة من السجالات بين الأوساط المدنية على اختلاف توجهاتها، فمنهم من يحمل قوات المعارضة المسؤولية الكاملة حول سقوط هذه القذائف وما ترتب عليها من وقوع ضحايا في صفوف المدنيين، ومنهم من يحمل قوات الأسد هذه المسؤولية باعتبارها هي من تقوم بقصف المدن التي تسيطر عليها قوى المعارضة مما يجبرها على الرد على مصادر النيران.
بعض الناشطين المقيمين في جرمانا، يرون بأن لا مبرر لسقوط هذه القذائف تحت أي مسمى كان، فإذا كانت قوات الأسد ترتكب الجرائم بحق المدنيين، فعلى قوات المعارضة أن تكون على النقيض منها، وتعتبر المدنيين أينما كانوا، خطاً أحمر لا يجوز تجاوزه. تقول إحدى الناشطات المقيمات في جرمانا: “بالنسبة لقذائف الهاون على جرمانا هي موت عبثي ورعب لعدد كبير من المدنيين مهجرين وغير مهجرين..، لا يوجد أي تركيز في الاصابة ولم تصب قذائف الهاون أيا من أهدافها المفترض أن تكون عسكرية أو أمنية، لم تصب غير المدنيين، ولم تفعل غير تأجيج الحقد ضد الثوار”.
وتضيف “منذ الصباح الباكر وفي كل يوم ومنذ عشرة أيام، الطيران يقوم بقصف المليحة والغوطة على عدد من الجولات، والاغلبية تكون متضامنة مع شباب الغوطة وتعرف أن قذائف الهاون التي تتبعها هي ردة فعل يائسة لأناس يقولون نحن مازلنا موجودين ولكن لا نملك سلاحا فعالا ومحاصرين ونموت ببطء”.
وتتابع “للأسف، هذه القذائف عندما تسقط على مدرسة أو امرأة بالشارع أو فقير مسكين ينقلب هذا التضامن الصامت الى كره واضح لمدينة تحوي أكثر من مليون مواطن، وتحاول أن تقدم قدر استطاعتها للثورة وللمهجرين وحتى ضمن الحدود الدنيا”.
كل هذا يدفع البعض إلى الاعتقاد أن سقوط هذه القذائف يترتب عليه أمرين، الأول شعور بالغضب تجاه المعارضة حتى من الذين يعدون مناصرين لها، والثاني أن هذه القذائف قد تستثير ردود فعل حيال العائلات النازحة المقيمة في جرمانا، والتي من المعروف أن غالبيتها من الغوطة الشرقية.
الواضح ان جزءا كبيرا من قوات النظام يتحصن بين المدنيين وبالقرب من مساكنهم، في جرمانا تتواجد قوات للنظام في حي التربة وقرب الفرن الآلي، وفي حي النهضة وغيرها، كما تتحصن قوات الأسد في داخل استاد العباسيين الواقع وسط حي العباسيين، وكذلك الأمر بالنسبة لفرع فلسطين، الذي تحول بدوره إلى قطعة عسكرية يتم من على أرضه استخدام راجمات الصواريخ ومدافع الهاون، وينطبق الأمر على منطقة القاعة القريبة من حي الميدان الشعبي والمتاخم لحي اليرموك المحاصر؛ كل هذا وضع قوات المعارضة في مأزق أخلاقي، بين ضرورة الرد على مصادر النيران، وبين عجزها عن تجنب إصابة المدنيين.
تمزق الحرب الدائرة اليوم على الأرض السورية النسيج الاجتماعي السوري، وتثير العديد من مشاعر الغضب والكره بين سكان البلد الواحد، وإذا كانت قوات نظام الأسد لم تكتف حتى الآن في هدم المدن السورية المختلفة، فها هي اليوم تعمل بكل جهد لتمزيق ما تبقى من أواصر، تجمَعُ بين سكان المكان الواحد. هي حرب يدفع ضريبتها، وعلى طول الخط، مدنيون لا حول لهم في هذه الحرب ولا قوة تشفع لهم.
المدن