صفحات الثقافة

جنبلاط إن اصطاد أدونيس/ محمد حجيري

 

 

 

الرد الجنبلاطي ضد أدونيس يصيب النظام الأسدي قبل شاعره

من المرات القليلة والنادرة التي يلجأ فيها النائب وليد جنبلاط، السياسي وعاشق قراءة كتب التاريخ والرواية، الى الرد بشكل لاذع على “شاعر كبير”، والقصد أدونيس بعد مقابلة اجرتها معه جريدة “السفير” اللبنانية. وكان جنبلاط مصيباً بغض النظر عن موقعه (السياسي)، خصوصاً حين يقول: “يحور ويدور(أي أدونيس) في جدليته الفكرية ليجد كل الأعذار لإدانة التوجه الأساسي للشعب السوري في الحرية والكرامة وينسى أو يتناسى أن الشعب السوري وعلى مدى ستة أشهر انتفض سلمياً في كل سوريا، وكان جواب النظام إطلاق النار والاعتقال والتعذيب دون تمييز”.

والمعزوفة الأدونيسة ضد الثورة السورية، بدأت من وصفها بأنها “تمرد”، وصولاً إلى رفض انطلاقها من الجامع أو المسجد على اعتبار ان الشاعر “كلاس”، يريد للثورة ان تبدأ من شارع الحمرا البيروتي او جادة الشانزليزيه الباريسية، ولا تنتهي المعزوفة برسالته –أي أدونيس- الى “سيده الرئيس(الأسد)” والقول انه “منتخب”…

الرد الجنبلاطي ضد أدونيس يصيب النظام الأسدي قبل شاعره، أو كما قال أحدهم في مدوّنته: “عم أحكيكِ يا كنّة لتسمعي يا جارة”. فجنبلاط بارع في توظيف الموقف الثقافية في اللحظة السياسية، سواء الكتب التي يطالعها، أو بعض الشخصيات الثقافية والصحافية التي يتابعها. وبغض النظر أيضا عن صوابية الثورة السورية أو أخطائها أو مواقف جنبلاط وتغريداته المثيرة للانتباه والتهكمية، فأدونيس بات مثقفاً مملاً ومثيراً للغثيان في مواقفه، يبحث عن الضجيج لا الأفكار.. منذ كلامه عن بيروت في “مسرح المدينة” والذي أثار جدلاً كبيراً، إلى كلامه عن العرب في كردستان.. هو يرمي كلاماً أو احكاماً اعتباطية ويسمع اجوبة أو ردوداً من هنا وهناك. بعض الردود فككت جوهر “أسطورته” وبنيانها، من زمن كان أدونيس قومياً سورياً، مادحا لأنطون سعادة في قصيدة “قالت الأرض”، إلى زمن صار خميني الهوى ومدح الثورة الاسلامية الايرانية، وحتى مرحلة كتاباته عن محمد بن عبد الوهاب، حيث قدّم مؤسسَ الوهابية على أنه “مفكر نهضوي كبير”. وهناك كلامه عن الروح الاسلامية، والذي فنده صادق جلال العظم في ردّه عليه.

ضجيج أدونيس لا يوازيه سوى الضجيج حول ما يقوله زياد الرحباني من مفرقعات وزوابع لا تقدم ولا تؤخر، ويأتي ضجيجهما ربما بسبب نجوميتهما…

على أن المحنة أن أدونيس، ورغم تمعنه في التراث العربي والاسلامي، لديه انتقائية في قول ما يريد، يعيد المعزوفة نفسها، يقول كلاماً ممجوجاً، يدور حول نفسه ويسمع ردوداً تصل الى درجة الصدمة.. كيف لا! وجنبلاط يقول في رده: “لا يمكن للمرء الا ان يتقيأ قرفاً امام تنظيراته”.

في مقابلته مع جريدة “السفير”، لم يقدم أدونيس جديداً على كلامه القديم المؤيد للنظام الاسدي من خلال الدوران التلفيقي… ولو أزيل اسم أدونيس من المقابلة السفيرية وقرأها أحدهم، لظن انها مستشار من مستشاري بشار الأسد، وفي جانب منها (عن سوريا وأميركا) تشبه خطبة من خطب حسن نصرالله. هي مقابلة التناقضات والتبريرات.

ينظر أدونيس الى الأمور من منظور داعية أسدي اسلاموفوبي، اصطفافي لا تحليلي، يؤلّه “العلمنة” مع انه روّج لأفكار اسلاموية متطرفة (سنية وشيعية). يطلق فتاوى وتظهر لديه أحكام مسبقة حول الأشياء، يقول: “لا تتحقق الديموقراطية ما دام الدين هو مرجع القيم”، و”الانفجار كان دينياً”. و”الانفجارات اللاحقة خارجية أكثر منها داخلية”، و”الدين لا يتم إصلاحه”. و”أعطني مثقفاً عربياً واحداً، من المحيط إلى الخليج، طرح سؤالاً أساسياً واحداً على الإسلام. أعطني كتاباً طرح سؤالاً عن قيمة الوحي معرفياً اليوم”. و”الإسلام لم ينشأ كتبشير غير عنفي، بل نشأ، منذ البداية عنفياً”، هذا الكلام الشعاراتي المزعوم والذي يمكن دحضه بسهوله… أبرز ما تستند إليه ظاهرة أدونيس أنه يبحث عن غواية العناوين الصادمة والاجتزاء في وصف الأمور، أو قول نصف الحقيقة، أو قول ما آلت اليه الأمور وليس كيف بدأت. يحب النهايات لا البدايات، لكنه يتهرب من التأمل في جوهر البدايات لأنه يريد تبريراً لنظام الأسد في وصف النهايات. يختصر الأمور بتبسيط. يقفز فوق كل شيء، من السجون الى القمع والقتل والبراميل المتفجرة، ليقول جملة تلبي خياله. وحتى إن كانت المسألة دينية في الأزمة العربية، فهذه الأزمة لها مسارها الذي لا يريد أدونيس التطرق إليه، سواء تعلّق الأمر بالنظام السوري الفئوي او التمدد الإيراني وحتى حركات التطرف ودور الأسد وغيره في دعمها.

لا شك ان التغريدات الجنبلاطية ساهمت بقوة في جعل الكثيرين يعودون الى مقابلة أدونيس المطولة لقراءتها، ومعظمهم بدا خائباً من القراءة، وتجلى ذلك في التعليقات التي وردت في فايسبوك، الى درجة ان الزميل عمر قدور كتب “محظوظون لأن بشار الأسد هو رئيس النظام، فلو كان أدونيس مكانه لأباد السوريين بإخلاص أشدّ”.

ثمة فكاهة لا بد من ذكرها في الختام وهي قول أدونيس في المقابلة: “ما دام الحب موجوداً فالشعر موجود”… وهو الذي كان يمدح ذات يوم “الخراب الجميل”.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى