صفحات العالم

“جنيف 3″… تسلّق حبل الصبر/ منى عبد الفتاح

تكبد الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، الأسبوع الماضي، مشقة القول إنّ مؤتمر “جنيف-2” لحل الأزمة السورية لم يأتِ بالنتائج المرجوة، كما “جنيف -1”. وليس خافياً على أحد أنّ تجديده الطلب من روسيا والولايات المتحدة ضرورة دعم الحل السياسي، رسالة صريحة، مفادها وضع صراعهما على المصالح جانباً، للوصول إلى حلٍّ للأزمة السورية المتفاقمة، والتي تعدُّ أكبر كارثة على المستوى الإنساني في القرن الحادي والعشرين.

 دعوة الأمين العام للأمم المتحدة إلى عقد مؤتمر “جنيف-3” قد يحوّل الرجاءَ إلى هبّة من نوع ما، تعقب فشل الجولتين السابقتين، ليس على مستوى التحضير لجولة جديدة فحسب، وإنّما لاتخاذ مواقف واضحة بشأن الأزمة السورية، قد تتجاوز اتفاق جميع الأطراف على فشل نتائج “جنيف-2″، وفقاً لعدم وصول وفدي الحكومة والمعارضة إلى أي نتائج ملموسة، بسبب خلافات أساسية على مقررات “جنيف-1″، وبسبب مناقشتهما الحلول من منطلقات مختلفة. ومن أرضية متباعدة، يرى النظام السوري أنّ الأولويات هي الإرهاب وتبعاته، وضرورة إجراء حوار سوري – سوري، من دون شروط وتدخلات خارجية، مع إعلان بشار الأسد ترشحه لولاية رئاسية جديدة، بينما يرى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية ضرورة تفعيل “جنيف-1″، بتشكيل هيئة انتقالية، تضمن رحيل النظام وتسليم السلطة.

 ما يتبادر إلى الذهن هو الجديد الذي قد يغيّر من واقع المفاوضات التي تراوح مكانها، منذ أن أصدر مجلس الأمن بيانه الرئاسي في 16 مارس/ آذار 2012، باعتماد خطة النقاط الستّ للسلام، والتي اقترحها المبعوث الخاص السابق، كوفي أنان. الواقع أنّ ما يمتلكه المجتمع الدولي، الآن، ليس أفضل حالاً من سيناريوهات بيان “جنيف-1” في 30 يونيو/ حزيران، التابع لخطة أنان، وليس أكثر تعويلاً عليها من مهمتي الأخضر الإبراهيمي الأولى والثانية، ولا حتى يمكن الركون إليها، باعتبار القوة الكامنة في ثناياها، مثل المبادرة الأميركية – الروسية في مايو/ أيار 2013، والتي أفضت إلى مؤتمر “جنيف- 2”.

 من رحم هذه التعقيدات، خرجت مجموعة أصدقاء سوريا المكونة من 70 بلداً وعدة هيئات ومنظمات دولية، نسخة معطلة أخرى، ومواقف مشيدة على التناقض، تنكص دون الوصول إلى تسويةٍ مقبولةٍ، فضلاً عن حل. هدف هذه المجموعة هو إيجاد حل للأزمة السورية خارج إطار مجلس الأمن، بعد عرقلة روسيا والصين، واستخدام حقيهما في النقض ضد مشروعي قرار يدينان النظام السوري. ولا يلقي فشل جولتي جنيف على وقوف هاتين الدولتين، وحدهما، وإنّما يُعزى، كذلك، إلى أنّ الولايات المتحدة أفرغت ديبلوماسيتها من بعض واقعيتها، ووقفت مع روسيا تحت مظلة الخوف من التهديدات الطائفية، واعتلاء أبطالها صهوة الخيارات العسكرية، وفرض نفسها في ساحة القتال، في الداخل السوري والجوار.

 لم يتغير الميزان السياسي بالتقاط مجموعة “أصدقاء سوريا” القفاز من مجلس الأمن، ولا يتوقع أن يتغير الميزان العسكري من هذه المجموعة، المسالمة المكونة من 70 بلداً. فالرهان على تسلق حبل الصبر الأميركي، والذي ينتظر أن تتبع روسيا سياسة ضغط ناعمة على دمشق، لدواعٍ إنسانية، رهان خاسر. فروسيا التي تمد النظام السوري بالعتاد الحربي، وتقوّم من عماده الاقتصادي الذي يُدكُّ، يوماً بعد آخر، فضلاً عن الدعم السياسي، لا يُتوقع منها ضغط صادق لحل الأزمة.

بيدي النظام السوري، وبتراخي الديبلوماسية الأميركية، تم إيجاد فزاعة تنظيم كيانات موازية، تتيح الفرصة للنظام السوري إعلانه الاستمرار في الحرب، بغرض مواجهتها. ولكي يستعد النظام لهذه المواجهة، طوّر من المجموعات غير النظامية، والتي اقتصر عملها على الحماية الذاتية، لكنها نمت وربت في كنفه، ليواجه بها المقاتلين في الضفة الأخرى. وبهذا، فإنّ النظام السوري لا يحارب طواحين الهواء فقط، وإنما يخلق منها نماذج عديدة، ليبث الثقة في قوته، ويتوهم أنّ كل من يقف في مواجهته انعكاس لذاته الدون كيشوتية. ولكن، مع ازدياد نفوذ هذه الجماعات، وإيجاد كل منها لنفسها قوة مستقلة، مع استقلالها نوعاً ما، بتربحها من اقتصاد الحرب، يجد بشار الأسد نفسه في أمسّ الحاجة للإبقاء عليها، فلو لم يكن لتدعيم ديكتاتوريته التي بدأت تتلاشى، فسيكون لصالح بقائه في السلطة، ولو تم ذلك من دون نفوذ يُذكر.

توقعات الحل للأزمة السورية لا تتجاوز النظام السوري، وإنّما تصنع منه فاعلاً، وذلك في أنّ نظام الأسد لا يحتاج إلى معجزة، ليتم إسقاطه، وإنما يحتاج سقوطه إلى سلوك خارق للعادة في التعاطي السياسي، وذلك بانشقاق قوى النظام من الداخل، أو تدخل عسكري دولي.

 منذ اندلعت الحرب في سوريا، قبل ثلاث سنوات، ونهايتها تتراءى، ثم تتراجع، حتى أضحت شبه مستحيلة. والأمل المعقود على عقد مؤتمر “جنيف-3″، ونجاحه، بمثابة تطويع لهذا المستحيل، وتنزيله إلى أرض الواقع. ولكي يتم ذلك، هناك حاجة ماسّة إلى تسليط ضوء حاد على الأطراف الإقليمية المتورطة في النزاع السوري، للنفاذ إلى خنادقها، وتفكيك أواصر دعمها الحرب بالوكالة. حينها، سيكون مدويّاً انهيار نظام الأسد، ومن فوقه، تماثيل هذه الكيانات التي كان يستظل بظلها.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى