صفحات العالم

جهاد شيعي” vs “جهاد سني”/ حازم الأمين

لطالما كنا في الأشهر الأخيرة وأثناء عملنا كصحافيين، عرضة لمساءلة طائفية، لكنها محقة. ففي تقصينا أحوال “داعش” ومدى اختراقها البيئة السنية المحلية، وقدرتها على تجنيد مقاتلين وانتحاريين من هذه البيئة وُوجهنا بسؤال: لماذا لا تقومون بعمل موازٍ عن “حزب الله” وعن مقاتليه الذين يُرسلهم إلى سورية؟ عمل موازٍ عن أعمارهم وعائلاتهم وما يأتون به من ساحات القتال في سورية من أنماط تديّن وزي وأمزجة. ففي مقابل العائدين من “الجهاد” السني هناك أيضاً العائدون من “الجهاد” الشيعي.

هذا السؤال يُلح على من يشعرون بأن تمييزاً تمارسه الصحافة. فثمة شبان من الشيعة وشبان من السنة في لبنان يتوجهون للقتال في سورية، وقصر التقصي على الملتحقين بـ”داعش” ينطوي بحسبهم على تمييز. فالحرب الأهلية اللبنانية الدائرة في سورية تتم تغطية وقائعها السنية فيما يُضرب صمت على وقائعها الشيعية.

لا يخلو هذا الافتراض من صحة، على الرغم من أن “داعش” أمر داهم أشعرنا بضرورة تقصّيه، هذا في حين يضرب “حزب الله” طوقاً محكماً حول مشاركته بالقتال في سورية يجعل من مهمة تقصيها أمراً غير يسير.

والحال أن مقاتلي الحزب العائدين من سورية، وإن كانوا خارج التناول والتقصي إلا أنهم من دون شك أضافوا إلى تشيّعهم عناصر جديدة جراء احتكاكهم بمقاتلين شيعة في سورية جاؤوا من العراق ومن غيره من بلدان التشيّع. ويمكن رصد ذلك بما استجد على المشهد في القرى الجنوبية والبقاعية من شعائر وعلامات مستدخلة إلى الوعي الشيعي اللبناني.

ثم إن “حزب الله” نفسه كان باشر، ومنذ نشأته، بمد التشيع اللبناني بطقوس لم تكن في صلب الممارسة.

ذكرى أربعين الإمام الحسين وعيد الغدير، وأشكال من الزي ومن الحجاب ومن الأدعية والعبارات والنُّصُب. فاستعيض مثلاً عن عبارة “استاذ” للمناداة في الشارع وفي المؤسسات بعبارة “حج”. لكن لا بد من أن نلاحظ أنه خلال سنوات القتال في سورية جرى تكثيف لهذا المستدخل وإضافة مزيد الشعائر والشعارات التي تُقرب التشيع اللبناني من النماذج الإيرانية والعراقية، وتُذيب الفروق التي أرستها تجربة الشيعة في لبنان بما فيها من اختلاط واقتراب من نموذج كانت التجربة اللبنانية تبتعد فيه باللبنانيين عن نماذجهم الأولى. فأضيفت المراقد إلى ضائقة الشيعة اللبنانيين، بعد أن كانت مزارات بعيدة تُقصد مرة في العمر أو مرة في السنة، وانتصبت في ساحات القرى والمدن صور ومجسمات، كان آخرها صورة رئيس الحكومة العراقية السابق نوري المالكي مرتفعة عند مدخل مدينة صور الى جانب صورتي الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله.

حتى الآن ما زلنا نحن الصحافيين قادرين على الدفاع عن أنفسنا حيال سؤالنا عن أسباب تقديمنا “داعش” في تقصّينا على غيرها من الجماعات التي تقاتل في سورية، فهي أكثر مشهدية واستدراجاً للفضول، وهي ذروة “الجهاد” وذروة الموت.

هذا طبعاً ليس جواباً شافياً، لكنه سبب تخفيفي.

موقع لبنان ناو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى