صفحات الناس

جواز السفر السوري الأغلى في العالم/ أنّـا ماريـا لوكـا

 

 

جواز السفر السوري بـ 400 $

عندما انتهت صلاحية جواز سفر محمد السوري، قلق من احتمال أن لا يتمكّن من الحصول على آخر في وقتٍ قريب. فهو لطالما عبّر مؤخراً عن معارضته لنظام بشار الأسد، وكان متأكدًا أنّ الجهاز الأمني على علم بنشاطاته في المنفى. وبالتالي تفاجأ بأنّ الحكومة تصدر جوازات سفر جديدة وتجدّد جوازات السفر القديمة للجميع. “كل من يستطيع تحمّل تكلفة ذلك بالطبع”، كما قال، “فجواز السفر الجديد يكلّف الآن 400$”.

“نعم، جواز السفر الجديد يكلّف 400$ وتجديد القديم يكلّف 200$”، قال لـ NOWمحامي حقوق الانسان اللبناني نبيل حلبي الذي يعمل مع اللاجئين السوريين. “هذه هي حال السوريين جميعاً، سواء أكانوا من المعارضة أو لا، فقط المصنّفون من قبل النظام السوري كثوار أو فارّين من الخدمة العسكرية لا يحق لهم الحصول على جواز سفر”.

هذه القوانين الجديدة أُدخلت في نهاية نيسان من هذا العام. حيث نصّ مرسوم رئاسي على أنّ هذه الرسوم مخصّصة فقط للسوريين الذين يعيشون في الخارج ويجب أن تُدفع بالدولار الأميركي أو باليورو. وكذلك سوف يتم إصدار جوازات السفر بدون أن تُراجع من قبل المخابرات، كوسيلة كما قيل لتغيير لهجة المفاوضات في جنيف. هكذا، أصبح جواز السفر السوري الاغلى في العالم- أغلى من وثيقة السفر التركية التي تكلّف 250$ التي كانت في السابق تُعتبر الأغلى في العالم.

مهما كانت تكلفة جواز السفر السوري باهظة، فإنّ نية الحكومة هي ليست منع اللاجئين الفقراء من الدخول مجدداً الى سوريا، بل تجميع رأس مال. “إنهم يائسون”، قال سامر عبود من معهد كارنيغي الشرق الأوسط. “هذا مبلغ مالي كبير مقابل الحصول على جواز سفر، وهو لا يخوّل حامله الذهاب الى الكثير من الأماكن”.

أحد وسائل النظام لجمع الأموال

لطالما شكّل ما يُقارب الـ15 مليون شخص من أصل سوري الذين يعيشون في الخارج مصدراً مهماً للدخل بالنسبة الى الاقتصاد السوري منذ عام 2000.

في مؤتمر صحافي عام 2008 في نيودلهي، مباشرة قبل زيارة بشار الأسد الى الهند، قالت وزيرة المهجرين بثينة شعبان يومها، وهي مستشارة للرئيس قريبة جداً منه، للصحافيين الهنود، إنّ سوريا كان تخطط للبقاء على تواصل مع الجالية السورية في الخارج. فقد تأسست وزارتها عام 2002، قبل عامين من وصول بشار الأسد الى السلطة في دمشق. وكان الهدف منها “تشجيع السوريين على العودة الى بلدهم واستثمار المال ورأس المال البشري في الاقصاد السوري”.

وقالت إنّ القوانين في ذلك الوقت سمحت لأبناء المواطنين السوريين المولودين والمترعرعين في الخارج بالتهرّب من الخدمة الإجبارية مقابل دفع 500$. وفي ذلك الوقت، أعفي المهاجرون السوريون من دفع رسم تجديد جواز السفر السنوي الذي يكلّف 100$.

هكذا بدا التبادل عادلاً، بما أنّ سوريا كانت تتلقى حوالات بقيمة مليار دولار في العام عبر قنوات رسمية، وقدّرت الحكومة دخول مبلغ مماثل الى البلد من السوريين الذين يعودن لقضاء اجازتهم فيه، حاملين معهم المال والهدايا لأقاربهم. ولكن عندما بدأت الحرب، بدأ هذا المال بالجفاف، مسبباً ركود الاقتصاد السوري. بالاضافة الى ذلك، فإنّ قسماً من هذا المال يذهب حالياً الى المناطق التي يسيطر عليها الثوّار.

الصمود على شفير الانهيار الاقتصادي

رفع تكلفة رسوم جواز السفر لن يفلح في انقاذ الحكومة السورية. “الاقتصاد ينهار، التدمير المنهجي الذي تظهر تأثيراته”، قال الاقتصادي سامي نادر، وتابع: “لن نتفاجأ لرؤية الاقتصاد ينهار في وقتٍ قريب. وقد يعني ذلك قرب نهاية الحرب”.

ولاحظ تقرير جديد لشاذام هاوس حول اقتصاد الحرب في سوريا بأنّ معدّل التبادل هو من بين المؤشرات الاقتصادية القليلة التي توفرت بيانات حولها منذ عام 2011. واستمر مصرف سوريا المركزي بذكر معدلات صرف الليرة السورية يومياً مقابل العملات الأخرى، والأرقام مخيفة.

ففي أيار 2015، كان السوريون يدفعون سعرا رسمياً هو 220 ليرة سورية مقابل الدولار الواحد. وسجّل معدّل الصرف في السوق السوداء 300 ليرة سورية مقابل الدولار. وفي آذار 2011، كان سعر صرف الدولار 47 ليرة. هذه الأرقام تظهر بوضوح النقص الكبير في توفّر عملة أجنبية في الاقتصاد السوري.

منذ ثلاث سنوات والاقتصاد السوري على شفير الانهيار، ولكنّه لم ينهار بعد. ويقول عبود إنّ هذا مردّه الى ما يسميه “السياسة المزدوجة الذكية”. فمن جهة، أدخلت الحكومة مساهمات حكومية من أجل ضمان الحصول على دعم الناس، ومن جهة أخرى، جرّمت المعاملات التجارية بالعملة الأجنبية، مجبرةً المؤسسات المالية على استخدام الليرة السورية وبالتالي ابقاء العملة عائمة. ولكن الأمور على وشك التغيّر بشكل كبير.

سيطرة الليرة التركية

في المناطق السورية الشمالية التي يسيطر عليها الثوّار، بدأ الناس باستخدام الليرة التركية منذ ظهورها، بحيث كانت تركيا تخطط لإنشاء منطقة عازلة، وهذا سوف يكون له على الأرجح تأثيراً دراماتيكياً على الليرة السورية. “سوف يشهد الناس استخداماً أقل للعملة السورية. النتيجة المباشرة لاستخدام الليرة التركية بدل العملة السورية هو فقدان الليرة السورية قيمتها”، يقول عبود.

ويرى عبود أنه في حال خسرت الليرة السورية أمام الليرة التركية في العام المقبل، سوف يكون الضغط على الحكومة السورية كبيراً. “ولكن لا يمكنك أن تعلم أبداً. يُقال إنّ الحكومة السورية مفلسة منذ عام 2012، وقد تمكنوا من الصمود لشتائين منذ ذلك الحين. فلكم شتاء يمكن أن يستمر الأمر على هذا النحو؟”.

في هذه المرحلة، غالبية مصاريف الحكومة السورية هي على الرواتب، على الرغم من أنّ عبود يلحظ صعوبة تحديد عدد الرواتب التي تُدفع فعلياً، “من جهة نسمع عن رواتب تُدفع الى موظفي الدولة في المناطق التي يسيطر عليها الثوار. ولكن مجدداً، على الموظفين العامين أن ينتقلوا للحصول على شيكات الرواتب. ولذلك فقط من يرغبون من بينهم بالسفر من منطقة الى أخرى ولقاء مسؤولي الحكومة يحصلون على رواتبهم”. بالإضافة الى ذلك، فإنّ عدد رجال الميليشيا الموالين للنظام الكبير- 92000 في اللاذقية وطرطوس- يظهر بأنّ الدولة ليست حاضرة تماماً حتى في المناطق التي يسيطر عليها النظام.

مصادر الدخل

وفي حين أنّ الحرب مندلعة على أشدّها في بعض المناطق، ففي مناطق أخرى لا يزال الاقتصاد يدرّ بعض العائدات، حتى وإن كان بنسبة أقل بكثير مما كانت سوريا تحصلّه قبل عام 2010. وفقاً لتقرير شاذام هاوس، انهارت صادرات النفط عندما سيطرت الدولة الاسلامية على معظم حقول النفط في دير الزور. وقد تضرّرت الزراعة والصناعة بشكلٍ كبير، مع تراجع الصادرات الى نسبة 10% من الـ 12 مليار دولار التي كانت تدخلها الى الموازنة السورية حتى عام 2010. ولا يزال البلد يصدّر الفوسفات، والخراف، وبعض الفواكه والخضار، ومنتجات الألبان، وبعض المنتجات نصف المصنعة.

إذاً، كيف تتمكن الحكومة من الصمود؟ يقول نادر إنّها تصمد بسبب الدعم الايراني والتعديلات المالية السطحية مثل الاقتطاع من الموازنة العام الماضي. الشهر الماضي، وافق الرئيس الأسد على الحصول على قرض بقيمة مليار دولار من طهران، للمساعدة على حد ما قيل على التخفيف من عبء التكاليف الاقتصادية للحرب. وكان هذا القرض الأساسي الثاني من إيران- القرض الأول تم التوقيع عليه في تموز 2013، وهو بقيمة 3.6 مليار دولار.

لكن نادر لا يعتقد بأنّ طهران يمكن أن تستمر بدعمها هذا في المستقبل القريب، على الرغم من أنّ الاتفاق النووي الذي بموجبه سوف تشهد إيران رفع العقوبات عنها. “لدى إيران مطالب داخلية بحاجة الى أن تُلبّى قبل تلبية مطالب حلفائها”، كما قال.

المجهول الكبير في المعادلة هو دور روسيا في تمويل سوريا. رسمياً، رفضت الحكومة الروسية منح قروض لدمشق. لكن من ناحية غير رسمية، قد لا تكون هذه هي الحال. عام 2014، وضعت وزارة المالية الأميركية مصرف Tempbank على اللائحة السوداء، وهو مصرف روسي صغير يمنح قروضاً، وذلك لسماحه لمصرف سوريا التجاري، أكبر بنك في سوريا، بفتح حسابات في موسكو. وقد احتجّت وزارة الخارجية الروسية، معتبرةً أن أعمالها التجارية مع دمشق شرعية تماماً.

لكن المحللين يقولون إنّ سوريا لا تحصل على عائدات مالية بما يكفي. فعملياً، ليس للحكومة أي عائدات من أي نوع كان، والقطاع الخاص هو الذي يحضر بضائع الى السوق “الأمر سيء جداً بحيث أنهم يلجأون الى المقايضة”، يقول عبود، “على الحكومة أن تصدر أمراً ادخارياً يسمح للشركات الخاصة بالمقايضة، لأنّ ليس لديهم ما يكفي من المال لشراء منتجات”.

آنا ماريا لوكا تغرد على تويتر @aml1609

أمين نصر ساهم في جمع المعلومات لانجاز هذا المقال

هذا المقال ترجمة للنص الأصي بالإنكليزية

(ترجمة زينة أبو فاعور)

موقع لبنان نلو

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى