جواز السفر السوري… حلم/ نائل حريري
نائل حريري
مع بدايات حركة الاحتجاجات في تركيا، استغل بعض النشطاء السوريين الفرصة للسخرية من الوضع السياسي عبر إسدائهم نصائح “للشعب التركي الصديق”. النصيحة الأولى التي وجهها هؤلاء كانت: “استحصلوا على جواز سفر منذ الآن، لا تنتظروا حتى يصبح حلماً”.
يحاول كل مواطن سوري اليوم امتلاك جواز سفر، سواء بغرض السفر العاجل أو بغرض الاحتياط لأي ظروفٍ غير مطمئنة. وفي الوقت الذي يصرّح فيه وزير الداخلية السوري لصحيفة رسمية أن 4500 جواز سفر تتم طباعتها يومياً وتوزيعها على المحافظات، لا ينكر مقدار الضغط الهائل على مراكز الهجرة والجوازات إلى الحدّ الذي أعلن فيه إيقاف طباعة جوازات السفر وتسليمها لمدة قد تتجاوز عشرة أيام، بسبب تعطل آلات الطباعة الخاصة بها.
تبدو الصورة غايةً في الشفافية والتفاني، المواطنون يسعون إلى الحصول على جوازات سفر، بينما الدولة تسعى جاهدة لتلبية حاجاتهم، إلا أن الوضع خارج التصريحات الرسمية يبتعد تماماً عن وردية المشهد. ففي حين يتم سؤال وزير الداخلية في جلسة البرلمان الأخيرة عن إمكانية افتتاح فروع جديدة لمديرية الهجرة والجوازات يجيب الوزير أن “الأمر غير مجدٍ”، من دون أن يحدد ماهية هذه الجدوى أو تبعيتها.
في مدينة حلب، يتحول المشهد إلى كابوسٍ فوضوي. عملية استخراج جواز السفر راحت تتمدّد بمرور الوقت، وبعدما كان الإجراء يستغرق نحو ثلاثة أشهر أصبح يتجاوز اليوم الأشهر الستة. لا يتضمن ذلك استخراج موافقات الحصول على جواز السفر من شُعب التجنيد المختصة، ذلك إجراء آخر له مواجعه ومصاعبه.
أحد المواطنين المقيمين في المدينة يقول لـ”المدن” أنّه على معرفة طيبة بكثير من السماسرة الذين يمتهنون تسهيل وتسيير الأوراق والمعاملات الخاصة بشعب التجنيد ومديرية الهجرة والجوازات، مشيراً إلى انه “في بعض الحالات يجمع السمسار المبالغ المالية من محتاجي جوازات السفر ويقوم بتجديدها فعلاً، وفي حالات أخرى لا نرى وجهه من جديد”.
منذ سيطرة المعارضة على ثكنة هنانو في حلب العام الماضي – حيث مقر شعب التجنيد العسكرية – بقيت مدينة حلب أكثر من أربعة أشهر بلا شعب تجنيد خاصة بها. وكان بعض السماسرة يستغلون الوضع لعرض خدماتهم في الحصول على الأوراق من دمشق دون حضور صاحبها شخصياً، وكانت الأوراق تكلف من 20 إلى 50 ألف ليرة سورية. وحين عادت شعب التجنيد إلى الحياة في المدينة بدأت إجراءات جوازات السفر تزداد تعقيداً وتزداد بالتالي غلاءً. في كل من حلب ودمشق العاصمة يستغرق جواز السفر من ستة إلى ثمانية أشهر للحصول عليه، ويستغل بعض السماسرة رغبة المواطنين في استخراج جواز السفر فيعرضون خدماتهم لقاء بدل مادي. يتعلق المقابل المادي بمقدار استعجال الجواز، فيمكن أن يصل سعره إلى 1000 دولار أو أكثر إن كان خلال أيام، وحوالي 500 دولار تقريباً إذا كانت الفترة بالأسابيع. أسخف المعاملات، بطبيعة الحال، هي معاملات استخراج الجواز خلال فترةٍ تقارب ثلاثة أشهر بتكلفة 200 دولار تقريباً.
السؤال الأهم هو هل جميع المواطنين يستخرجون جوازات السفر بهذه الطريقة؟ يبدو أن قسماً كبيراً منهم ينتظر أشهراً طويلة لاستخراج جوازه بالطريقة المعتادة. البعض الآخر يسافر إلى مدينتي طرطوس أو اللاذقية الساحليتين، حيث يعرف بأن استخراج جواز السفر فيهما يستغرق أياماً معدودة بشكلٍ نظامي. شيئاً فشيئاً بدأ الضغط يزداد على هذه المراكز إذ يسافر المئات إليها من حلب ودمشق وريفها لتسيير إجراءاتهم، أما الخائفون من السفر وغير القادرين على الانتظار إلى أجل غير مسمى فعليهم إستغلال خدمات السماسرة التي يمكن أن تؤمن مختلف أنواع الوثائق “وكل شيء بثمن”.
يبدو أن الفوضى التي دبت في مؤسسات الدولة كافة كانت دافعاً لدى البعض لاستغلال ما تبقى من عمر النظام السوري في البحث عن مصلحته الشخصية. من هنا، وبما أن جواز السفر أصبح حلم كل مواطن سوري ازدهرت تجارة الجوازات وتسيير أمور الهجرة، لكنّ الأمر لا يقف عند سوريي الداخل فقط. وكان رئيس الائتلاف الوطني السابق معاذ الخطيب هو أول من سلّط الضوء إعلامياً على مسألة رفض النظام السوري تجديد جوازات سفر السوريين المقيمين بالخارج، واعتبر تجديد جوازات سفرهم أحد شرطي الحوار اللذين طرحهما في مبادرته الشهيرة. وبرغم أن قراراً كان قد صدر في أواخر آذار/مارس الماضي يقضي بتجديد جوازات سفر السوريين المقيمين في الخارج، فإن كثيراً من السوريين أفادوا أن هذا القرار لا يزال بعيداً عن التنفيذ، وأنه عالق في دوائر الروتين، عن قصد او من دونه، من قبل سفارات النظام السوري.
تبدو المسألة جحيماً مستحيل التحمل بالنسبة للمواطن غير المغضوب عليه من قبل النظام السوري. فليس عجيباً إذن حصول ما هو أسوأ. كثيرون من المواطنين السوريين يخافون الذهاب إلى دائرة الهجرة والجوازات لتجديد جوازات سفرهم خشية وجود أسمائهم على قوائم المطلوبين للأمن السوري أو على قوائم الممنوعين من السفر، الأمر الذي يزيد من حالات الخروج غير الشرعي واللجوء المباشر إلى الحدود التركية بشكل خاص.
لم تسفر خطوة الاعتراف بالائتلاف الوطني السوري المعارض أو منحه كرسي الجامعة العربية عن اعتباره هيئة رسمية مفوضة بمنح جوازات سفر خاصة بها. الأمر الذي يتمناه كثيرون من السوريين المعارضين. لكن يبدو أن هذا الأمر حالياً لا يدور في سياق المباحثات السياسية في الوقت الذي يقوم فيه الائتلاف بتعطيل وتسويف موضوع الحكومة المؤقتة الذي طال انتظاره.