جورج صبرة: الجيش الحر جزء من الثورة والنظام يدفع نحو التدويل
كتب: شربل بركات
«لا نطلب من الكنيسة في سورية أن تصبح معارضة بل أن تبقى مخلصة لتاريخها الوطني»
أكد عضو الأمانة العامة للمجلس الوطني السوري المعارض، عضو الأمانة المركزية لحزب الشعب الديمقراطي السوري جورج صبرة أن «سقوط النظام السوري أمر حتمي». وأشار صبرة، رداً على أسئلة وجهتها إليه «الجريدة» عبر البريد الإلكتروني، إلى أن «التغيير في سورية ليس أمراً داخلياً فحسب، إنما ستكون له امتدادات إقليمية وربما على الصعيد الدولي أيضاً»، معتبراً أن «الجيش السوري الحر» بات «جزءاً بنيوياً من الثورة»، وفي ما يلي نص الحوار:
• بداية، كيف كانت تجربتك الأخيرة في معتقلات النظام السوري، وماذا عن مشاهداتك وتقديراتك لحالة المعتقلين الذين أوقفوا على خلفية الانتفاضة؟ – خلال الأشهر الستة الأولى من عمر الثورة، دخلت إلى السجن مرتين، من 10 / 4 / إلى 10 / 5 / 2011، وفي المرة الثانية من 20 / 7 / إلى 19 / 9 / 2011. التجربة الأخيرة كانت أثقل على روحي وجسدي من السنوات الثماني التي أمضيتها في السجن السياسي أيضاً خلال حكم الأسد الأب بين عامي 1987 و1995، غير أنها أنعشت القلب بصحبة المئات بل الآلاف من الشباب الثائر من مختلف المحافظات السورية. حيث كان المئات يدخلون كل يوم، ويخرج مثلهم في عملية يائسة، يعتمدها النظام لكبح جماح الثورة، وتجميد حركتها. الوضع في السجون ومراكز التوقيف والتحقيق خلال الأشهر العشرة المنصرمة من عمر الثورة لا يطاق، ولا يصدَّق لولا انكشاف الواقع المر أمام مئات الآلاف من السجناء وذويهم الذين خاضوا التجربة واختبروها وحدَّثوا عنها. من شدة الازدحام لا يستطيع السجين أن يمد رجليه، فضلا عن شتى أنواع التعذيب التي يتعرض لها الشباب المنتفض، والنقص الشديد في المخصصات الغذائية والعناية الطبية الضرورية. من يصدِّق أن مجرد التبول يصبح قضية للإنسان في القرن الحادي والعشرين دونها هموم وإذلال ومتاعب؟ • لقد حاول النظام اللعب على موضوع المعارضة الداخلية والمعارضة الخارجية، هل نجحت محاولات النظام في إرساء هذا الفصل بين أطياف المعارضة؟ – هي لعبة مكشوفة ابتدعها النظام ليقلل من وزن المعارضة. استمرأ هذه اللعبة وركب موجتها بعض المعارضين في الداخل لتثقيل صورتهم المهزوزة، غير أن التأييد الكاسح الذي حظي به المجلس الوطني السوري بعد «جمعة المجلس الوطني يمثلنا» التي رفعها الثوار على الأرض نسف هذه اللعبة من الأساس و«ذاب الثلج وبان المرج». ومن الواضح أن النظام أحرز نجاحاً ما في شق صفوف المعارضة والتفريق بين أطيافها، عبر أساليب متنوعة بين الترغيب والترهيب، إلا أن المؤكد أيضاً أن مرحلة للفرز بين القوى والتيارات والأحزاب قد بدأت وحان أوانها. هناك عدد كبير من المحسوبين على المعارضة يشكلون دفعاً طارئاً عليها، إذ لم يرصد لهم أي وجود متباين مع السلطة أو نشاط معارض لها خلال عمر المعارضة الطويل منذ أكثر من أربعة عقود، يجري توضيبهم عبر عمليات ممنهجة تقوم بها السلطة ويسهل طريقها بعض المعارضين عن حسن نية أو بدونها. • كيف تتصورون ان يسقط النظام في ظل استمرار الحل الأمني الذي يعوق توسع التظاهرات السلمية مع انسداد الآفاق لكل الحلول السياسية؟ -سقوط النظام أمر حتمي. فاستمرار الثورة الشعبية في تصاعدها خلال الأشهر العشر من عمرها، رغم استخدام النظام لآلته العسكرية والقمعية بحدودها القصوى، يفصح بشكل لا يقبل الشك بأن النظام راحل بعد أن فقد شرعيته، ولم يعد بوسعه أن يجدد نفسه ويستمر بحكم البلاد قهراً لإرادة السوريين. فالثورة صاعدة والنظام في حالة تقهقر. وبعد أن أوصد النظام جميع البواب أمام الحلول السياسية، فإنه وبكلتي يديه دفع القضية باتجاه التدويل، ليتولى مجلس الأمن الدولي أمر صياغة إجراءات لحماية المدنيين ووقف أعمال القتل اليومي والسماح للسوريين بالتعبير عن إرادتهم. وفشل الجامعة العربية في تنفيذ مبادرتها دفع إضافي بهذا الاتجاه نحو الأمم المتحدة ومؤسساتها. • لقد انحسر الحديث عن التخوف من «أسلمة الثورة»، هل المخاوف من «الأسلمة» واقعية؟ وكيف تقرأ موقف معظم رجال الدين المسيحيين الداعم للنظام؟ -لا بد أن ينحسر، فقد انكشفت أهداف الخطاب التضليلي الذي حمل رسالة التخويف من الإسلاميين من قبل أنظمة القمع والاستبداد وبعض القوى الدولية وإسرائيل. وجاءت تجربة تونس بعد الثورة لتقدم واقعياً براهين على تهافت خطاب التخويف وخطله وعبثيته، فرمته الشعوب في الخلف وراء ظهرها وتقدمت لصنع المستقبل المشترك. وكان للإسلاميين المعتدلين المتنورين دور كبير في ذلك، وخطاب الإسلاميين السوريين يندرج في هذا الدور وهذا السياق. ليس لأي حزب أو جماعة أو ائتلاف أن يدعي أي دور مميز في ثورة الشعب السوري. وعلى حد علمي لم يفعل أحد ذلك. فالدور الأكبر بل الأوحد هو للشعب والأجيال الشابة على وجه الخصوص. والإسلاميون يعرفون قبل غيرهم أن أسلمة الثورة أمر غير صحيح واقعياً وغير صائب سياسياً وغير ممكن في الفضاء التاريخي والاجتماعي لسورية، وهو فوق قدرة من يمكن أن يدعيه. ولم ينفخ في هذه القربة المثقوبة غير النظام وأتباعه وحلفائه بغرض تشويه سمعة الثورة والتأثير سلباً على الزخم الوطني العام الذي اكتسبته من مخلف التيارات، وفي جميع الأوساط. أما عن موقف رجال الدين المسيحيين من الثورة فهو مؤسف وغير مقبول ولا مفهوم. ورغم أنه بدأ يتحول ببطء وتدريجياً بالاتجاه الأفضل ـ عبر تصريحات البطريرك هزيم والبطريرك لحام ـ لكنه يبقى دون المستوى المطلوب وطنياً وكنسياً ومسيحياً. يمكن تفسير ذلك في المدى العميق الذي بلغته تدخلات النظام في المؤسسات الدينية، بحيث أصبح للنظام وأجهزته الأمنية مرتكزات في دار الإفتاء والكنائس ومشيخة العقل وأمثالها عند الطوائف الأخرى. إلا أن جمهور المسيحيين وخاصة على مستوى النخب الثقافية والسياسية والاجتماعية وقف الموقف الطبيعي مع المجتمع والشعب مشاركاً في مختلف نشاطات الثورة وفعالياتها، وتعرض الكثير منهم للسجن وسقط بعضهم شهداء في عمليات العنف الأعمى التي ينفذها النظام. وفي كل الحالات لم نطلب نحن كمسيحيين من الكنيسة أن تصبح معارضة، بل أن تبقى نفسها كنيسة مسيحية حقة مخلصة لتاريخها الوطني وشراكتها في التواثق الاجتماعي للشعب السوري الذي كان مثالاً يحتذى في المنطقة، بحيث لم يكن للمسيحيين أي قضية خاصة بهم بل كانت قضايا المجتمع هي قضاياهم الخاصة بامتياز. • بعد «جمعة دعم الجيش الحر» وزيادة التنسيق بين المجلس الوطني والعقيد رياض الأسعد تزايد الحديث عن عسكرة الثورة، هل تتجه الانتفاضة السورية الى مزيد من العنف؟ – الجيش السوري الحر وليد ظاهرة الانشقاقات المتواصلة عن المؤسسة العسكرية. وعندما يرفض وطنيون من الجيش إطلاق النار على الشعب، ويعرضون حياتهم للخطر من أجل مبادئهم ومواقفهم الوطنية التي تستحق الإكبار، فإنهم يصبحون جزءاً من الثورة، خاصة بعد أن لعبوا دوراً مهماً في استمرار التظاهر السلمي في العديد من المدن عن طريق حماية المتظاهرين من أجهزة الأمن والشبيحة. وهذا لن يؤدي إلى عسكرة الثورة، إنما على العكس يساعد على تثبيت سلميتها وقدرتها على الاستمرار بنفس النهج الوطني السلمي. ومع تصاعد وتيرة العنف السلطوي وأعمال التدمير والقتل والتنكيل والانتقام التي يقوم بها النظام وأزلامه، تزداد أهمية دور الجيش الحر في استمرار الثورة وتصعيد وتائرها، إنه اليوم جزء بنيوي من الثورة. • كيف تقرأ التردد الدولي في دعم الانتفاضة السورية وفي الضغط الجدي والحاسم على النظام؟ وهل تعتقد أن هناك مراكز قوى في الولايات لمتحدة واسرائيل خصوصا لا تريد سقوط الأسد؟ – من الواضح أن النظام يستغل الوضع الدولي إلى أبعد الحدود. فهو يستند إلى الدعم السياسي والتسليحي الروسي وإلى الدعم اللوجستي الإيراني. ويضع بالاعتبار ظروف الإدارتين الفرنسية والأميركية في عام انتخابي حاسم بالنسبة لهما، محاولاً استغلال ذلك إلى حد الابتزاز، ومستنداً إلى وضع عربي محدود القدرة وغير قادر على وضع حد لعربدته الدموية بحق الشعب. ومن المعروف للجميع أن استمراره يحظى بموافقة إسرائيل، فآخر ما تتمناه أن يغيب «نظام الممانعة « الفارغة عن حدودها الشمالية ويحل محله نظام ديمقراطي يتمتع بالشرعية الشعبية، ويكون قادراً على حشد طاقات السوريين لاسترجاع أرضهم المحتلة. غير أننا لا نرى أن هذا الوضع أبدي وغير قابل للتغير، فاستمرار الثورة على تصاعد زخمها سيفرض على المحيطين العربي والدولي تحركات متناسبة مع تغير الأوضاع واحتمالات تطورها على الأرض السورية. فهل تستطيع الدول العربية أن تتجاهل الأخطار المحدقة بالإقليم في حال تمادي النظام كما يفعل اليوم بجرائمه الموصوفة والتي تقود البلاد إلى المصير المجهول؟ وهل يتحمل المجتمع الدولي ومنظمة الأمم المتحدة النتائج المترتبة ـ أخلاقياً وسياسياً وإنسانياً ـ على المجازر الجماعية والجرائم ضد الإنسانية التي تقع تحت سمع العالم وبصره؟ لكن الوقت عامل خطير في مثل هذه الظروف، وعلى العرب والمسلمين أن يثبتوا أنهم كذلك، لأن دم العرب والمسلمين يملأ الشوارع السورية يومياً. وعلى المجتمع الدولي والمؤسسات والهيئات المعنية أن تبرهن على أن حياة الإنسان وحقوقه على هذا الكوكب في صلب دائرة اهتمامها فعلاً لا قولاً فقط. والثورة السورية تستحق أكثر بكثير مما قدم لها حتى اليوم على مختلف الصعد.