صفحات المستقبل

جولة صباحية على أخبار الثورة السورية على ‘فايسبوك’


أخبار المعضمية المحاصرة والبطل الاولمبي الذي أصبح معاقا واستنكار الفضائيات الطائفية:

دمشق: ‘القدس العربي’ ـ من يارا بدر: ما بين ثوار الشارع السوري وسياسييّ المعارضة السورية، ظهر ما يُعرف بناشطي الفيسبوك، وهم ناقلو أخبار، متتبعون، والأهم أنهم وسيلة ما لربط نشاط المحافظات السورية الثائرة -جميعها باستثناء محافظة طرطوس- مع بعضه البعض. اليوم وعلى ضوء صعوبة التقاط تردد القنوات الفضائية الإخبارية مثل ‘العربية’ و’الجزيرة’ يُقدّم موقع التواصل الاجتماعي الأكثر شهرة ‘الفيسبوك’ مساحة للاطلاع على آخر الأخبار، الحملات، المعتقلين، الشهداء، من مختلف المحافظات.

إلاّ أنّ نظرة أكثر متابعة يمكنها أن تنقل لنا مزاج الشارع الثائر، موقفه من تصريحات السياسيين السوريين، موقفه من المواقف الدولية والعربية إزاء الثورة السورية. يمكنها أن تنقل لنا حقيقة وعي هذا الشارع الذي لم يتوان حتى عن الحديث في أخطاء الثورة السورية وحتى أخطاء الجيش الحر في بعض الحالات، وصولاً إلى موقفهم من الإعلام والإداء الإعلامي للكثيرين، والأهم أنهم نقلوا من أرض الواقع إلى هذا الفضاء الإلكتروني نقاشهم وموقفهم من أكثر القضايا إشكالية اليوم في الثورة السورية، وهي الطائفية، حيث – وعلى سبيل المثال- رفع ثوار ‘كفرنبل المحتلّة’ كما يحبون تسميتها هذه اللافتة في جمعة ‘انتفاضة العاصمتين’ 27/07/2012:

(لا للطائفيّة…. قناة صفا ‘الدم السني واحد’ لا تمثلني… نحن سوريين الدم السوري واحد)

في ذات السياق كتب أدمن الصفحة الساخرة الشهيرة ‘مغسل ومشحم حمص الدولي للدبابات’:

(بسوريا المستقبل لازم نحاول نتأقلم كلياتنا سوا، العلماني مع السلفي مع الملحد مع الوهابي مع يلي بدكون ياه، حتى ولو كان البعض أقلية .. بس هوي موجود بهالبلد، وما حدى يتعدى ع التاني لا بالعقيدة ولا بالفكر وخلصت.

إنتقد مين من كان من الأشخاص بس بطرق محترمة، أحترم حالك لتحترمك العالم، وهيك سوريا بتكون للكل. أنا سلفي… أنا علماني… أنا ملحد… أنا بطيخ مبسمر… بالأخير لازم نحب بعض كلنا سوا .. لأنو سوريا بتجمعنااا

ومتل ما شفتو .. والله مالنا غير بعض نحناااا.. كل العالم ضدناااا).

هذا الكلام كتبه شباب من حمص، حمص أكثر مدن الثورة السورية دماراً، أكثر المدّن السورية التي شهدت مجازر من كرم الزيتون إلى الحولة، قُصفَت مشافيها الميدانية، هدّمت منازل سكانها، وتعرّضت ممتلكاتهم للبيع في ‘سوق السنة’، يقولون: ‘مالنا غير بعض..’.

من جهته علّق أدمن الصفحة الأكثر شعبية ربما وهي صفحة ‘الثورة الصينية ضد طاغية الصين جنتاو’ حول تتابع الأحداث السياسة مؤخراً، من انشقاق العميد مناف طلاس، إلى الحديث المتقّطع عن ضرورة تشكيل حكومة انتقالية وصولاً إلى ‘بيان روما’ وبعض التسريبات الأخرى، فكتب بتاريخ 28/07/2012:

(ثورتنا هي صراع يسير على مراحل:

المرحلة الأولى إسقاط النظام

المرحلة الثانية إسقاط بديل النظام

المرحلة الثالثة تسليم السلطة للثورة

المرحلة الرابعة : مساءلة من سلمناهم السلطة

وكلما انتقلنا لمرحلة جديدة…. ازدادت الصعوبة وقلّ عدد الشهداء).

من قصص الواقع كتبت إحدى الناشطات نداء استغاثة:

(المعضمية محاصرة:

اتصل صديقنا من داخل المعضمية يقول أرجوكم ساعدونا نريد طبيبا. أمنّا طبيبا وانطلقنا درنا حول المعضمية من كل الجهات، كل المداخل مغلقة. لم نستطع الدخول. خلال دورتنا كان صديقنا يعاود الاتصال كل خمس دقائق وهو يستغيث: أرجوكي يا أختي ساعدينا أرجوكي أقسم بالله العظيم أن الجرحى على الأرض لا نستطيع إنقاذهم ليس هناك من يسعفهم قلت له نحن نحاول.

نزلنا من السيارة أنا وصديقي واتّجهنا إلى الحاجز .. قلت له أرجوك أريد أن أدخل أختي محاصرة مع أولادها .. قال لي: ممنوع، أختك ببيتها آمن لها. قلت مترجّية: وإذا إجيت قذيفه عالبيت .. قال: ما تخافي القذيفة اللي من عنّا ما بتصيب غير الهدف .. أردت استجداءه فقلت بلكي اجت شي قذيفة من حدا تاني أرجوك دعني أدخل .. فرد علي زميله بحزم: روحي لعند العصابات قليلا تفوتك. من هون ممنوع ..

عدنا إلى السيارة لم أبكِ فلا أريد أن أبكيِ عاود صديقنا الاتصال: أرجوكم هناك من يموت في هذه اللحظة ‘نحنا شو ذنبنا يا آنسة قولو شو ذنبنا لحتى ننقتل هيك’ … قلت له: أقسم لك أننا نحاول المجيء إليكم.

عدنا ندور حول المعضمية وهو يتصل حاولنا دخول داريا ولم نستطيع المداخل مغلقة.

آخر مرة اتصل بنا كنّا قد يئسنا من الوصول لنجدته قال لنا .. حقكم علينا نعتذر تعبناكون معنا سامحونا.

أقول يا صديقي حقكم أنتم علينا حقكم على الخونه الصامتين على قتلكم والمشاركين بسفك دمائكم .. أرواحكم ذنوب في أعناقنا جميعا، أقسم للعالم بأنكم لستم إرهابيون، أقسم بأن من يقتلكم هو الإرهابي، وبأنّ الصامتون على قتلكم بلا ضمير وبلا إنسانية، تباً للعالم تباً لمن يستطيع أن يمارس حياته الطبيعية وأنتم تستغيثون).

علماً أنّ مناشدتها ترافقت مع ظهور خبر عاجل على قناة ‘العربية’ بأنّ ناشطين أفادوا بخروج فرق الهلال الأحمر من المعضمية في ريف دمشق بسبب قصف قوات النظام. كان هذا منذ قرابة الساعتين. أكتب الآن هذه الكلمات وأصوات القصف لا تزال متواصلة، تصلنا غير بعيدة، وكأنها تقول: قادمون لكم. .

قريبٍ غير بعيد عن مناشدة الاستغاثة ظهرت مجموعة مشاركات للطابع كان الذي اشتغل عليه ناشطو صفحة ‘طوابع الثورة السورية’، وهو عن البطل السوري الأولمبي ‘ناصر الشامي’ بصورتين له، واحدة في أولمبياد 2004 والحكم يرفع يده المنتصرة، الثانية في حماة 2012 بعد أن تسببت إصابته بإعاقة دائمة، كتب الشباب تعريفاً به:

(كان بطلاً للملاكمة لكنه اليوم معاق وهو لا يزال في سن التاسعة والعشرين. بينما كان مع زوجته يسرعان الخطى إلى المستشفى مع شقيقتها التي داهمها المخاض، أمطرتهم قوات الأمن بوابل من الرصاص فأصيب بإعاقة دائمة .

الشامي الذي كان أحد أبطال أولمبياد أثينا والبطولات العربية والأسيوية، من جهته طّالب الشامي الرئيس الأسد بالتنحي معللاً ذلك بأن الشعب السوري لم يعد يريده أن يبقى بمنصبه.

ناصر الشامي الذي لم يرى والده الذي عذب حتى الموت من قبل قوات الأمن في مجزرة حماة 1982، يلوم روسيا والصين لموقفهما في مجلس الأمن ويستغرب دعمهم للنظام السوري الذي سبب هذه المجازر والإعاقات الدائمة للكثير من الشباب السوري، وتشير التقارير الصحية للشامي أنه أصيب باعاقة دائمة في قدمه ولم يعد يستطيع إكمال مشواره الرياضي وهو في سن التاسعة والعشرين.

يُذكر أن الملاكم ناصر الشامي حقّق ذهبية الدورة العربية 2007 وبرونزية دورة آسيوية في كوريا الجنوبية وذهبية دورة أيضاً آسيوية 2004 والتي أهلته للمشاركة في أولمبياد أثينا الذي حقق فيه الميدالية البرونزية، بالإضافة إلى برونزية ألعاب الأسياد في قطر 2006 رغم أنّه كان مصاباً، عدا عن بطولة الجمهورية للرجال والتي حجزت بإسمه منذ عام 2000 إلى الآن).

في مكان آخر صورة لعبارة الرجل البخاخ:

(الوطن ليس فندقاً نغادره عندما تسوء الخدمة… سوف نبقى هنا)، في استعارة من جملة شهيد الطائفة السينمائية ‘باسل شحادة’ الشهيرة: (الثورة تذكرة دخول وليست تذكرة خروج).

وبقربها تشارك الفيسبوكيون السوريون في نشر رابط حملة ‘كيلو رز’ للإغاثة:

(يا سامعين الصوت: حملة جمع سلات غذائية لارسالها إلى المناطق: الزبداني – عدرا العمالية واذا استطعنا مناطق اخرى… تبرعك بـ سلة غذائية واحدة تكفي.. بدنا أكثر من 1000 سلة يعني 1000 عائلة، كل سلة ستكفي عائلة أربعة أو خمسة أيام).

من جهتهم نشر شباب صفحة ‘كلنا الشهيدين طارق الأسود وأنس الطرشة’ رابط فيديو حول كيفيّة تجنّب المدنيين لقذائف الهاون. في مكانٍ آخر نشر هؤلاء الشباب مجموعة نصائح حول ما يجب القيام به في حال إعلان خبر ‘سقوط النظام’، من ضرورة التزام المنازل ساعتين حتى تأكيد الخبر، إلى التشديد على تجنب أي أفعال انتقامية وضرورة ضبط النفس خاصة لدى أهالي الشهداء والمعتقلين. أقول كلامي هذا لأنّ هؤلاء الشباب هم أصدقاء الشهيد الإعلامي أنس الطرشة، أنس الذي توفي بأقسى الطرق وهم لم يتجاوز الثامنة عشر عاماً بعد، يقولون بأهمية ضبط النفس لتجنب الأفعال الانتقامية:

(في تاريخ 24-2-2012 ذهب أنس الى صديق له يمتلك انترنيت فضائي مقيم في حي جورة الشياح بحمص وذلك لرفع فيديوهات على اليوتيوب والتي قام بتصويرها للمظاهرة التي كانت في حي الملعب بمدينة حمص وذلك في يوم جمعة ‘سننتفض لأجلك بابا عمرو’، في طريق عودته اصابته قذيفة هاون شطرت جسده الى نصفين جراء القصف العشوائي من قبل قوات الجيش السوري النظامي، وفقد الناشط انس النصف السفلي من جسمه جراء تلك القذيفة ، ولم يستشهد مباشرة حيث تم اسعافه الى ‘مشفى الأمل’، وكان يوجد بصيص امل في انقاذه اذ تمّ كي ارجله لوقف النزيف، ولكن قام الجيش النظامي بمداهمة المشفى لخطف الجرحى، وتمّ تهريبه من قبل عناصر الجيش الحر وأصدقائه من الباب الغربي للمستشفى الى احد المشافي الميدانية، وفي محاولة اسعافه تعرّض انس والمسعفين لمحاولات عديدة للقنص، ولكن عند وصولهم الى احد المشافي الميدانية كان انس قد فارق الحياة).

هناك الكثير ممّا لا يتسع المجال للحديث عنه، قد يقول البعض من قرّاء هذا المقال أنني انتقائية في خياراتي، أو حتى انتقائية في الصفحات التي أتابعها على موقع التواصل، وأنّ الواقع ليس هكذا تماماً. وأنا اقول لكم، ربما. لكن هؤلاء الشباب الذين تحدّثت عنهم موجودون، ربما ليسوا وحيدين، ولكنهم هنا في سوريا، في ‘كفرنبل’ و’السويداء’ و’ريف دمشق’ و’حمص’ و’حلب’ وكل المحافظات السورية، حتى طرطوس التي كتبوا من أجل حريّة ابنها الناشط ‘نوار القاسم’: (طرطوس أحلى منهم… طرطوس بتشبهك).

وأنا أؤمن بكل هؤلاء، إذ وبعد سنة وسبعة أشهر من القصف المستمر، وبعد أن أصبحنا نعدّ الشهداء بقرابة المئتين يومياً، لا يزال شباب سوريا قادراً على التفكير بالغد، على تذكّر أجمل ما في شهدائه، على تذكر كل معتقليه حتى من لا يعرف اسمهم، رافضاً للطائفية، مُغيثاً لذاته، رافضاَ حيل السياسيين وألعابهم، والأهم أنّه لا يزال قادراً على أن يتشارك لوحاتٍ للرقص مع الموت.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى