“جيش الدفاع الوطني” أو المقنّعون أو حثالة الشعب/ عارف حمزة
كثيرة هي الوسائل التي “ناضل” النظام للقيام بها وتحقيقها، كمقابل للنضال الذي داوم عليه الثوّار خلال الثورة السوريّة المطالبة بالعدالة والديمقراطيّة؛ ففي الوقت الذي نادى الثوّار “واحد واحد واحد. الشعب السوري واحد”، كان النظام يتهم تلك الثورة بزرع الانقسام بين مكوّنات الشعب السوريّ الواحد، وهو عمل لتحقيق إشاعته، وفكرته، تلك بكلّ طاقته الأمنيّة والمخابراتيّة. وفي الوقت الذي صرخ فيه الثوّار بأنّ “سوريّا لكلّ السورييّن”، عمد النظام إلى تهجير وقتل واعتقال ما يزيد على نصف الشعب السوريّ. ولم يكن جيش الدفاع الوطنيّ، أو جيش المقنّعين، أو الملثّمين، إلا وسيلة من الوسائل الكثيرة، التي اعتمد عليها النظام الديكتاتوريّ والوحشيّ، من أجل تحقيق هدفه الأوّل في إذلال الشعب وإخضاعه، وزرع الرعب والخوف والشقاق داخل بيوتهم. في نهاية عام 2011 بدأت أجهزة الأمن السوريّ بتجنيد المجرمين الخطرين والعادييّن، الذين خرجوا من السجون السوريّة بمراسيم العفو الثلاثة التي صدرت توالياً في عامي 2011 و 2012، للعمل تحت إمرتهم المباشرة، ولكن شكليّاً تكون هذه الفرقة، أو الجيش، تحت إمرة ضابط من الحرس الجمهوريّ الخاص بالقصر الجمهوريّ، والمقرّب منه.
في مدينة الحسكة، وهو مثال ينطبق على باقي المناطق عدا العلويّة منها، تمّ تشكيل هذه القوّة تحت إمرة النقيب في الحرس الجمهوريّ بسّام العرسان، وهو من مدينة موحسن التابعة لمحافظة دير الزور، وسبق له المشاركة في مداهمة بيوت الثوار، وإلقاء القبض عليهم وتصفيتهم، في كلّ من حرستا ودوما والطيانة، وهو معروف بغطرسته ووحشيّته والتشكيك بكلّ الناس، حتى الذين يعملون تحت إمرته.
اتخذ النقيب بسام العرسان مقر فرع حزب البعث العربيّ الاشتراكي الضخم في مدينة الحسكة مقراً لإقامته، وتجمّع قواته، واتخذ من مكاتب فرع الحزب أماكن للاعتقال والتحقيق والتعذيب والتصفية الجسديّة. بينما خلا مقر حزب البعث العربي الاشتراكيّ من المفكّرين والمنظّرين للوحدة والحرية والاشتراكيّة.
تمّ انتقاء 189 شاباً، كنواة لجيش شعبيّ كبير في مواجهة الجيش السوريّ الحرّ، من المحكومين الجنائييّن، بالقتل والاغتصاب والسلب بالعنف والاتجار بالمخدرات والأسلحة والآثار والسرقات الموصوفة، من مختلف مكوّنات المجتمع، عرب مسلمين ومسيحييّن وكرد، ليكون كل فصيل منهم مخبراً داخل المكوّن الذي ينتمي إليه، ويقوم بالدلالة على بيوت ومحلات المناهضين للنظام، من دون أن يعرفه الجيران والناس؛ كونه سيرتدي قناعاً طوال عمله وظهوره. وأيضاً لأنّهم يعرفون شركاءهم وزبائنهم كلّ في مجال جريمته المشهور بها؛ فيقومون بالتعاون معهم لارتكاب جرائم بحقّ المواطنين الأبرياء المطلوبين للفروع الأمنيّة، أو القيام بخطفهم وابتزاز أهاليهم ماليّاً. أو يقومون بزرع العبوات الناسفة على مقربة من بيوت المسؤولين والضباط وصف الضباط والعناصر الأمنيّة والعسكريّة الموالية، الذين كشف الأمن رغبتهم بالانشقاق عن النظام، وسيّاراتهم. لذلك تمّ تأليف فصيل منهم عرف باسم “فرقة اغتيال المسؤولين المنشقّين في أماكنهم”.
كما أنّ هؤلاء المقنّعين، وبإمرة من المسؤولين، كانوا يُتاجرون بالحشيش المخدّر والآثار والأسلحة مع تجّار ومجرمين معروفين، وعندما يتمّ ترويج كلّ البضاعة يتم التخلّص من التاجر باغتياله، وإلصاق تهمة الإرهاب به، وعرض ذلك في نشرات الأخبار الرسميّة، واستعادة كافة الأموال والبضائع التي بحوزة ذلك التاجر، لمتابعة المسلسل مع تاجر آخر، كمشروع جديد لإرهابيّ جديد.
عندما تمّ تشغيل أولئك المجرمين، كمسؤولين عن أمن المواطنين الأبرياء، تمّ إعطاء كلّ واحد منهم راتباً شهريّاً مقداره 15000 ليرة سوريّة، بالإضافة الى مبلغ 8000 ليرة سوريّة سيتقاضاها عن كلّ عمليّة إلقاء قبض على واحد من المتظاهرين أو “المعادين” للنظام. مع الوعد بتوظيفهم، كموظفين دائمين في الشركات والإدارات العامة، بمجرّد الانتصار على الإرهابييّن. ومع استمرار الثورة تطوّع شيوخ عشائر موالين للنظام بدفع رواتب الكثيرين منهم، لحمل بعض الأعباء عن الحكومة في دفع رواتب المجرمين. ثمّ صدر الأمر من قائدهم بأنّ الغنائم التي يحصلون عليها أثناء المداهمات هي غنائم توزّع على أفراد فرقة المقنّعين.
في كلّ زاوية من كلّ شارع هناك شخص وضع بسطة صغيرة ليبيع الدخان المهرّب، أو شخص وضع برميلاً من المازوت أو البنزين ليبيعه في الشارع. كثير من هؤلاء االبائعين، إن لم نقل جميعهم، هم إخوة المقنّعين “العرب” أو أبناء عشيرتهم، يقومون ببيع الدخان والخبز والمواد البتروليّة بأسعار عالية، مع العلم أن المواد البتروليّة كانت مفقودة من المحطات المرخصّة ببيعها منذ سنتين، وفي الوقت نفسه يراقبون حركة مواطنين معيّنين، إمّا لإلقاء القبض عليهم أو خطفهم أو قتلهم، وتقديم التقارير لأقربائهم المقنّعين، أو لمقر فرع الحزب مباشرة.
بتاريخ 9/6/2013 تعرّض المشفى الوطني بالحسكة لسرقة معدّات مخبريّة منه، بقيمة أربعة ملايين ليرة سوريّة. وهذا المشفى تحت حراسة شبّان مسلحين كلجان شعبيّة من أهالي الحيّ الذي يحيط به. وفي ليلة الأحد تلك كان يسهر في غرفة المخبر ثلاثة شبّان مناوبين من موظفي المشفى. ليحضر إليهم في الساعة الثانية بعد منتصف الليل مسلّحون من المقنّعين، وفق أقوالهم أمام قاضي التحقيق بالحسكة، وطلبوا منهم الذهاب للنوم. وعندما استيقظوا عرفوا بأن المخبر تعرّض لسرقة الآلات التي تعمل فقط. أما الآلات المعطّلة فلم يلمسها أحد، وكذلك لم يتم سرقة الآلات المخبريّة المتنقّلة الخفيفة الوزن، والتي لا يمكن تصريفها في السوق المحليّة، مّا يدلّ على اشتراك أحد المخبريّن من داخل المشفى معهم. وعندما صرّحوا بذلك لقاضي التحقيق سجّل الدعوى ضدّ مجهولين بعد اتصال هاتفيّ جاء إليه من فرع الحزب العظيم. ومن المعروف أنّ حرّاس المشفى من الأهالي لا يسمحون سوى لسيّارات الأمن والمقنّعين بدخول المشفى ليلاً. هذا المشفى الذي تعرّض للسرقة في مرّتين سابقتين منذ بداية الأزمة.
هذه الحوادث تكرّرت مراراً من خلال سرقة كافّة آليات ومحتويات مرآب الجمارك بالحسكة، وإحراق محلجة القطن وبداخلها القليل من شلول القطن، بعد سرقة كميّات كبيرة من شلول القطن، والتي تقدّر قيمتها بملايين الليرات السوريّة. وحرق المحلجة تمّ بعد إصابتها مباشرة بضربة مدفعيّة بعد رش الشلول الباقية بمادة البنزين من قبل عناصر فرقة المقنّعين!. كي تتمّ التغطية على السرقة الكبرى التي حصلت قبل الحريق.
كما كان لهذه الفرقة مهمّات كبيرة في زرع الشقاق بين مكونات المدينة كي تستدرجهم إلى الاقتتال الأهلي، ولم ينجحوا لحدّ الآن في ذلك. ومنها خطف مسيحيين، مثلاً، ثمّ مفاوضة أهاليهم باللغة الكرديّة من أجل إطلاق سراح المخطوف لقاء مبلغ مالي كبير. أو الاعتداء على حاجز لقوّات حماية الشعب الكرديّة من أناس مدنييّن. كما حصل في يوم 12/5/2013 عندما قام مدنيّون بتفجير سيّارة مفخّخة عند حاجز حماية الشعب الكرديّة بتل حجر، ورموا قنابل يدويّة على جرحى الحاجز، ثمّ لاذوا بالفرار على درّاجات آلية كانوا يقودونها. إلا أنّ الأمر انكشف؛ عندما طاردت قوّات حماية الشعب تلك الدرّاجات، وقتلت خمسة منهم، وألقت القبض على الباقين، ليتبيّن لهم بأنّهم عناصر من “جيش الدفاع الوطنيّ”، وليس من المكوّنات الأخرى لأهالي المدينة، كما أراد ذلك “الجيش الوطنيّ” أن يتمّ فهمه.
قال لي أحد المعتقلين، الذين نجوا من عذابات الأقبية في فرع الحزب ذاك، أنّ أكثر من عشرين شخصاً لقوا حتفهم خلال فترة توقيفه التي امتدّت لشهر كامل. وأنّ أكثر ما آلمه هو موت أحد المعتقلين الذين أمضى صحبة طويلة معه. ذاك المعتقل كان متهماً بأنّه مناصر للثورة وللجيش الحرّ، وخضع لاستجوابات وعذابات مختلفة، ثم نسوه بعد عشرين يوماً كاملاً من التعذيب الممنهج والمتواصل. “ثمّ سمعنا من أحد الحرّاس بأنّ زميلاً لهم، من المقنّعين، قد قتل في مشاجرة في حيّ غويران بالحسكة، من قبل عائلة مناصرة للثورة، وهم جيران لزميلي المعتقل. في الليل نزل خمسة عناصر من المقنّعين إلى غرفتنا وأخرجوا زميلي إلى الممرّ بعد أن قيّدوه. وظلّوا لأربع ساعات يضربونه بالعصي والقبضات والأحذية وأخيراً، بالسكاكين، حتى مات بين أيديهم”. هكذا ببساطة. لمجرّد أنّه ابن الحي، أو ابن الجيران، للعائلة التي تسبّبت بمقتل زميل لهم في مشاجرة!.
رغم أنّ عناصر الجيش الوطنيّ، أو المقنّعين، أو حثالة الشعب كما يحلو للعامة تسميتهم، ارتاحوا في قناعهم الأسود المثقوب في نقاط العينين والأنف، وفي السواد الذي نشروه في حياة المواطنين الأبرياء في كل لحظة من لحظات حياتهم المنكوبة، إلى الوقت الذي وجدوا أسماءهم الكاملة منشورة على جدران الأحياء في مدينة الحسكة من قبل الجيش الحرّ، مع وعدهم لهم بأنّ نهايتهم باتت قريبة. ومنذ نشر تلك الأسماء قام عناصر من الجيش الحرّ بقتل /22/ عنصراً منهم، وخاصّة داخل منازلهم. كما تمّ تفجير دراجة آلية مفخّخة داخل قلعة حزب البعث وأدّى لمقتل عنصرين آخرين. ومنذ بدء عمليّات اغتيال عناصر الجيش الوطنيّ، فرديّاً أو باستهداف سياراتهم وتجمّعاتهم بالعبوات الناسفة أو الآليات المفخّخة، قلّ تطوّع المجرمين الجدد في ذلك السلك البغيض خوفاً على حياتهم، وعلى حياة عائلاتهم بأنّ تتكلّل بالعار.
شعر النقيب بسّام العرسان بالذهول عندما تسلّم أوراقاً تم أخذها من جدران الأحياء، وعليها الأسماء الثلاثيّة الكاملة لكلّ العناصر الذين يعملون تحت إمرته، في إذلال مواطني مدينة الحسكة، ونهبهم وتعريض حياتهم للخطر المحدق. وبعقليّته الأمنيّة صار هو أيضاً يقتل عناصره؛ لأنّ الذين سرّبوا الأسماء للجيش الحرّ لا بدّ أنّهم ضمن عناصره. أي أنّ جيشه السريّ أصبح مخترقاً. وصار هو نفسه معرّضاً للاغتيال، فكان كلّما شكّ في عنصر ما من عناصره يقوم بإرساله في دوريّة لمكان يتمّ فيه اشتباك وهميّ، أو حقيقيّ، ليقوم عناصر تلك الدوريّة بقتل زميلهم “الخائن” من الخلف. ثمّ يتمّ تشييّعه كشهيد مات في قتال الإرهابييّن المجرمين!.
المستقبل