صبر درويشصفحات الناس

جيوش المعارضة السورية و”هزائمها”/صبر درويش

تمكنت قوات الأسد من إحكام سيطرتها على الحدود السورية اللبنانية، بعد معارك ضارية استمرت لأشهر طويلة، بدأتها، بالتعاون والتنسيق مع قوات حزب الله اللبناني، في اقتحام مدينة القصير التابعة لمدينة حمص، وانتهت اليوم بإحكام السيطرة على مدينة يبرود، التابعة لمدن وبلدات القلمون، شمال العاصمة دمشق. وبذلك، يكون نظام الأسد قد نجح في إحكام قبضته على واحدة من أهم جبهات القتال والتي تصل العاصمة دمشق بالمنطقة الوسطى ومنها إلى جبال الساحل.

تتوزع جبهات القتال، في محيط العاصمة دمشق، على أربع جبهات أساسية، هي: جبهة الغوطة الشرقية، والتي تعد واحدة من أقوى الجبهات المحيطة بالعاصمة دمشق، وتمتد من مدينة دوما شمالاً وحتى تخوم بلدة العتيبة جنوباً، يوازيها خط مستقيم يمتد من حي برزة شمالاً وحتى المتحلق الجنوبي، مروراً بحيي القابون وجوبر، وهو الخط المتاخم للعاصمة دمشق من جهة الشرق.

وجبهة المنطقة الجنوبية والتي تضم مخيم اليرموك ومخيم فلسطين وحي التضامن، وأحياء الحجر الأسود والقدم والعسالي، والعديد من البلدات والأحياء الأخرى.

وجبهة الغوطة الغربية والتي تضم مدن وبلدات وادي بردى، وصولاً إلى مدينة الزبداني غرب العاصمة دمشق، بالإضافة لمدينتي داريا والمعضمية المحاذيتين للعاصمة. والجبهة الرابعة، جبهة القلمون شمال دمشق والتي تنتشر من شرقي الأوتوستراد الدولي وحتى الحدود اللبنانية.

عمدت قوات النظام إلى تنفيذ عددٍ من الاستراتيجيات، والتي أفضت إلى عزل هذه الجبهات عن بعضها البعض، فبات منذ نحو العام من شبه المستحيل على قوات المعارضة التنقل فيما بين هذه الجبهات، ومؤازرة بعضها البعض، كما بات من شبه المستحيل نقل السلاح والعتاد بين هذه المناطق المختلفة.

في سبيل ذلك عمدت قوات النظام إلى إحكام سيطرتها على مفاصل متعددة في المنطقة، فسيطرت منذ بداية العام الماضي على أغلب البلدات المحيطة بطريق مطار دمشق الدولي، كبلدة الذيابية والبويضة جنوب – والعتيبة وحران العواميد وغيرها، شرق طريق المطار، عازلة بذلك بين الجبهة الجنوبية والغوطة الشرقية.

بينما عملت في جبهة القلمون على السيطرة على مدينة النبك شرقي الأوتوستراد دمشق- حمص، وبلدة قارة غربي الاوتوستراد، وحافظت على سيطرتها على مدينة دير عطية الموازية للأوتوستراد من جهة الشرق. وبذلك تمكنت من إحكام الحصار على مدينة يبرود من جهة، وتأمين خط دمشق- حمص من جهة أخرى، بينما ساهمت سيطرتها شبه الكاملة على السلسلة الغربية للقلمون في عزل هذه الجبهة عن محيطها. والأمر ذاته ينطبق على مدينة داريا ومدينة المعضمية، واللتين تخضعان لحصار منذ أشهر طويلة.

بموازاة ذلك عمدت قوات النظام إلى استنزاف قدرات الثوار وإمكاناتهم، عبر القصف المستمر بعيد المدى، والمناوشات شبه اليومية على خطوط التماس، وهو ما أرهق قوات الثوار، وأدى إلى تفكك قواتهم تحت عبء الحصار، والاستنزاف المستمر لقدراتها القتالية.

لم تؤدِ كل هذه العمليات، التي اتبعها نظام الأسد منذ أكثر من عام، إلى دفع قادة التشكيلات العسكرية المعارضة لوضع مجموعة استراتيجيات واضحة، تمكنها من مجابهة خطط النظام؛ كل ما كان هو عبارة عن إعلانات لجيوش وهمية، وجبهات عسكرية وهمية أيضاً، لم تتمكن ليس من التقدم بل من الحفاظ على الأرض التي تسيطر عليها، (كما حدث على جبهة العتيبة التي كانت تحت سيطرة قوات زهران علوش وجبهة النصرة، والأمر ذاته في مدينة النبك والذيابية والبويضة وغيرها العشرات). والمثير للدهشة، أنه في الوقت الذي كانت تتقدم فيه قوات النظام على عدة جبهات في محيط العاصمة دمشق، لم تتمكن التشكيلات العسكرية ليس التوحد وإنما إيجاد الحدّ الأدنى من التنسيق، الذي تقتضيه قيادة العمليات العسكرية، كما في جبهة حي جوبر على سبيل المثال، حيث أغلب الكتائب «لا تتبادل حتى التحية».

والسؤال الذي يبقى مرافقاً لنا: هل عدم إحراز أي تقدم من قبل قوات المعارضة كان ناتجاً عن أسباب موضوعية، أم أنه ناتج عن قرار سياسي لم يتخذه أصحاب القرار؟

من المؤكد أن هناك اختلالاً في موازين القوى العسكرية بين نظام الأسد المدعوم دولياً وإقليمياً بكل أنواع الدعم الممكن، وبين قوى المعارضة ذات الإمكانات المتواضعة أصلاً. ولكن ذلك ليس كافياً لفهم أسباب عجز قوى المعارضة عن التقدم باتجاه دمشق وإسقاط النظام.

فإذا أخذنا فقط قوات لواء الاسلام وألوية الحبيب المصطفى وأحرار الشام وحدها، لوجدنا ان قواتها تعد بعشرات الألوف، بينما الاستعراضات العسكرية التي قامت بها فيما مضى، فتشير إلى امتلاكها مروحة واسعة من أنواع العتاد، بما فيها امتلاكها لدبابات تي 72، وغيرها من مضادات الطيران والدروع. وفي الوقت ذاته، لم يستخدم هذا العتاد في المعارك التي جرت خلال السنة الماضية بالكامل، لم نرَ هذا العتاد على جبهة حي جوبر، الذي تسيطر عليه ألوية الحبيب المصطفى، كما لم نرها في حصار إدارة المركبات في مدينة حرستا، عندما حاول زهران علوش (جيش الاسلام) اقتحامها.

لذا يصبح من المشروع التساؤل حول الأسباب التي تقع خلف إحجام هذه التشكيلات عن استخدام عتادها وذخائرها، ليس فقط بالتقدم باتجاه دمشق، بل على أقل تقدير بالحفاظ على مواقعها (كما حدث مؤخراً في عجز قوات زهران علوش في الحفاظ على مدينة النبك وبعدها مدينة عدرا)؟!

كل هذه الدلائل تشير إلى أن هناك قراراً سياسياً يقف خلف موقف التشكيلات العسكرية الكبرى، في محيط العاصمة دمشق، من خطة التقدم نحو العاصمة طوال الأشهر الماضية. ولكن السؤال يبقى قائماً: من له المصلحة الفعلية في استمرار حرب السوريين وعدم إسقاط نظام الأسد؟

يبدو أن من له المصلحة في إطالة أمد الحرب السورية، هو الذي يقف خلف منع تشكيلات المعارضة من التقدم واقتحام دمشق وإسقاط الطاغية.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى