حاجة الكرد السوريين إلى مرجعية وطنية
علي جازو
شعبياً، وفي معظم مناطق تواجد الغالبية الكردية، لم يتأخر الكرد السوريون في الوقوف إلى جانب ثوار درعا منذ بداية تفجر الثورة السورية في آذار 2011 . لاحقاً ومع تمدد رقعة الثورة، كان لرفع علم كردستان إلى جانب علم الاستقلال دلالة صريحة على تكامل المطالب الكردية الخاصة مع مطالب الثورة العامة. لم يشعر الأكراد أن ثمة تناقضاً في هكذا طلب مزدوج: رفع الظلم التاريخي عنهم وكسر دوام الاستبداد البعثي – الأمني الذي خنق سوريا والسوريين طوال أربعة عقود.
لكن الأمور اختلفت عندما تمّ تأسيس المجلس الوطني السوري في اسطنبول، ثم تلاه تأسيس المجلس الوطني الكردي في تشرين الأول من العام 2011. بدت هنا لحظة الافتراق والاختلاف الأولى. السؤال الغائب في هذا السياق هو: لماذا لا تمثّل الكتل السياسية المطالب الشعبية؟ داخل المجلس الكردي نفسه اختلفت الرؤى السياسية بسبب الصراعات الحزبية المشهورة والسقيمة داخل البنى الحزبية الكردية التي تعود أساليب تفكيرها إلى عهد ما قبل الثورة. لم يظهر أن الثورة أثّرت كثيراً في التفكير السياسي الكردي، لكنها ألهمت الكثير من الشباب إلى إيجاد طريق آخر هو ما تمّ التعبير عنه عبر تجمعات اتّخذت صورة تنسيقيات تفتقر إلى الخبرة والوحدة والحيّز الجغرافي الكبير الذي سبق للأحزاب الكردية السورية أن ملأته وتمكنت من حشده وتنظيمه.
ساءت الأمور كثيراً عندما قام النظام بتسليم كامل المناطق الكردية إلى مسلحي الـ “ب ك ك”. كانت الضربة مزدوجة، هكذا تم توجيه إنذار إلى تركيا، ولجم الداخل الكردي عبر سطوة الـ “ب ك ك”، الحزب الشديد الانضباط والحيوية بادرَ إلى السيطرة على كافة مناحي الحياة، من المدارس إلى المخافر، ومن توفير الخدمات إلى الحدود. وقع أكراد سوريا في فخّ مثلث حاصرهم وأربكهم. من جهة ازداد الشرخ بينهم وبين مختلف تيارات المعارضة خارج سوريا، ومن جهة أخرى حدثت صدامات بينهم وبين مسلحي الـ “ب ك ك” ومن جهة ثالثة خفت صوت التنسيقيات التي كادت أن تصبح الصوت الكردي الشعبي والأقرب إلى الوطنية السورية عامة. تم احتواء الشروخ الداخلية الكردية عبر تأسيس الهيئة الكردية العليا التي تعبر عن القوّتين الكرديتين الأساسيتين: المجلس الوطني الكردي والـ “ب ك ك”. وما الهيئة سوى غطاء جاذب للعاطفة القومية الكردية غير أنها على أرض الواقع حجاب مهترئ يغطّي على الانقسامات الشديدة ويؤجل الصدامات الكردية- الكردية لا غير. لكن أحوال المنطقة الكردية ساءت كثيراً بعدما جرى في منطقة رأس العين (سري كانييه) وما تلاها من حصار خانق طوال الشهور الأربع الماضية مما أدى إلى فقر شديد ونقص حاد في الموارد الأساسية وهجرة كثيفة إلى كلّ من كردستان العراق وكردستان تركيا. دخول الجهاديين إلى رأس العين رفع من شعبية الـ “ب ك ك”، والتحقت بها أحزاب كردية سورية أخرى في أول مرة تستعمل السلاح داخل سوريا دفاعاً عن الكرد السوريين.
أمام أكراد سوريا أيام صعبة، وآن لهم البحث عن صيغة تدمج المطالب القومية مع مطالب الوطنية السورية في وحدة منسجمة ومتكاملة. هنا تكون السياسة ابتكاراً، وفي غياب الابتكار تتحوّل إلى مستنقع ضيّق ومتعفّن.
المدن