حتمية الشراكة.. لماذا لا تستطيع أميركا الاستغناء عن تركيا؟
يقع على عاتق وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس مهمة غاية في الصعوبة. فمن خلال زيارته المرتقبة إلى تركيا يوم الأربعاء المقبل، سوف يناقش مجموعة متشابكة من المصالح المتضاربة التي تحدد ملامح واحدة من أهم الشراكات العسكرية الأميركية. إذ يمثل الدور الأميركي في سوريا أساسًا لهذه الصعوبة، والذي يعتمد بشكل أساسي على مجموعات متنوعة من القوات المحلية، تتضمن أحد الجهات التي تعتبرها تركيا منظمة إرهابية.
تعهدت إدارة ترمب “بتدمير” تنظيم الدولة الإسلامية. إذ تعتمد خطة الإدارة الأميركية لسحق تنظيم الدولة الإسلامية على قوات سوريا الديمقراطية (SDF) وهي مليشيات كردية تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية على نطاق واسع، بالإضافة إلى الغارات الجوية، ومئات العناصر من قوات العمليات الخاصة المرافقة لعناصر قوات سوريا الديمقراطية لإدارة المعركة. بالنسبة للجانب التركي، تنحصر مشكلته بشكل أساسي في هذه الكتلة المسلحة، فوحدات حماية الشعب الكردي (YPG)، ما هي إلا مليشيات سورية تابعة لحزب العمال الكردستاني (PKK)، والذي شن هجماته مرارًا وتكرارًا داخل الأراضي التركية على مدار ما يقارب أربعة عقود. وهو ما أدى إلى تهديد المسؤولين الأتراك باستهداف قوات سوريا الديمقراطية في مناسبات عدة خلال العامين الماضيين.
لقد بذلت الولايات المتحدة الأميركية مجهودًا دبلوماسيًا خرافيًا لإبقاء قواتها بعيدًا عن سوريا، ولمنع انهيار التحالف القائم بين واشنطن وأنقرة منذ عقود. ونتيجة لذلك، لم تتدهور العلاقة الأميركية التركية تدهورًا كاملًا، إلا أن أنقرة اختارت أن ترسل قواتها إلى سوريا في (أغسطس/آب) من عام 2016، لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، ولاحتواء قوات سوريا الديمقراطية.
تحاول الولايات المتحدة الأميركية التعامل بحذر شديد مع تركيا، إذ صرَّحت أنها ستزيد من التعاون الاستخباراتي معها لمساعدتها في استهداف حزب العمال الكردستاني
يجب أن يكون ماتيس صادقًا في جهوده تلك لطيّ هذه الصفحة مع نظرائه في تركيا. إلا أن هذه الجهود تظل غير مجدية ما لم يدفع الرئيس ترمب بمزيد من القوات الأميركية في شرق سوريا لتعويض الفراغ الذي ستخلفه قوات سوريا الديمقراطية. وهو الأمر الذي استبعده الرئيس تمامًا خلال تصريحاته أثناء حملته الانتخابية، وهو ما لا يتفق أيضًا مع الرؤية العسكرية الأميركية للصراع، والتي ترى أن إمكانية هزم تنظيم الدولة الإسلامية تكمن في الاعتماد بشكل أساسي على المليشيات المحلية. لذا، من المرجح أن تستمر الشراكة بين الولايات المتحدة الأميركية وقوات سوريا الديمقراطية طالما استمرت الحرب قائمةً بين الولايات المتحدة وتنظيم الدولة الإسلامية – ما يعني أن التوترات مع تركيا سوف تستمر أيضًا.
تزايدت حدة التوترات بين تركيا وحلفائها في حلف الناتو بشكل كبير منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 (يوليو/تموز) العام الماضي. وقد أثار أردوغان هذه التوترات من أجل تحقيق مكاسب شعبية داخلية، إذ تعمدت الجهات الإعلامية الموالية لحزبه – حزب العدالة والتنمية (AKP) – نشر الروايات الكاذبة عن تأييد الغرب للإطاحة به وإسقاط حكومته. وقد تحركت الشعبوية التركية بالتوازي مع تنامي نفوذ القومية اليمينية المتطرفة في بعض الديمقراطيات الغربية، ما أدى إلى نشوء علاقة تبادلية بين حزب العدالة والتنمية، واليمين المتطرف، فقد استخدم كلاهما الخوف “من الآخر” في صميم الخطاب السياسي أثناء الحملات الانتخابية. إلا أن الاختلاف الذي ظهر في تركيا، هو تدهور سيادة القانون منذ محاولة الانقلاب الفاشلة.
وعلى الرغم من هذه التوترات، فإن العناصر الرئيسية داخل الحكومة الأميركية مصممة على تحسين العلاقات مع تركيا. إذ أن العوامل الداعية لتعزيز التعاون ترتكز على التهديد طويل الأجل لأمن الولايات المتحدة الأميركية في أوروبا، وأهمية الحفاظ على استقرار تحالف ما وراء الأطلسي. بينما هاجم ترمب الدعائم الأساسية لهذه الافتراضات الرئيسية من خلال انتقاده الدائم لحلف الناتو، ولكن بصرف النظر عنه وعن بعض مستشاريه الحاليين والسابقين، يؤكد كثيرون أن شعار حملته الانتخابية “أميركا أولًا” لا يعني بالضرورة أن تكون “أميركا وحدها” أو “أميركا بدون حلفاء”.
من أجل التقارب مع تركيا، تحاول الولايات المتحدة الأميركية التعامل بحذر شديد. فعلى المدى القصير، صرحت أنها ستزيد من التعاون الاستخباراتي مع تركيا لمساعدتها في استهداف حزب العمال الكردستاني. وقد سبق هذا التنسيق بدء المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وبدء الشراكة الأميركية مع قوات سوريا الديمقراطية. المشكلة الرئيسية الآن، أن أي جهود تساعد بها الولايات المتحدة تركيا في توجيه ضربات ضد حزب العمال الكردستاني أو استهداف قادته، من شأنه أن يقوض الخطة الأميركية للحرب في سوريا.
إن الولايات المتحدة تساعد تركيا بالفعل في استهداف كوادر حزب العمال الكردستاني وتتبع تمويله في أوروبا. إلا أن التوسع في تقديم المساعدة الاستخباراتية في استهداف أعضاء الحزب، قد يؤدي إلى نتيجة عكسية. لذا، يجب أن يظل أي اتفاق من هذا القبيل طي الكتمان، نظرًا للطبيعة الحساسة لهذه الأنواع من البرامج، بالإضافة إلى المخاطر المحتملة التي قد تواجهها الجهود الحربية للولايات المتحدة الأميركية في سوريا. قد ينال أحد البرامج السرية تقديرًا خاصًا من الحكومة التركية، إلا أنه لن يشكل نفوذًا كافيًا للولايات المتحدة على تركيا حتى تُذعن أنقرة إلى المطالب الأميركية.
هذه المطالب – تخفيف حدة الخطاب المعادي للولايات المتحدة، وتوقف حزب العدالة والتنمية عن التلميح بتورط الولايات المتحدة في المحاولة الانقلابية الفاشلة في (يوليو/تموز) من العام الماضي، وتهدئة التوترات مع الدول الأوروبية، واعتماد خارطة طريق جدية لاستئناف مفاوضات السلام بين تركيا وحزب العمال الكردستاني – يمكن التخلي عنها في أي لحظة، فأنقرة تعرض التعاون بكل بساطة، لكنها تستأنف تصرفاتها العلنية وكأن شيئا لم يحدث. يمكن لهذه النوعية من البرامج أيضًا أن تُسرب فيما بعد، ما قد يعرض الشراكة بين الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية إلى الخطر، وقلب موازين المعركة الدائرة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا. لقد تبنت الحكومة التركية علاقةً تبادلية مع الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين. وقد تكون الولايات المتحدة أكثر راحة في تعاملها مع تركيا بنفس الطريقة، وطلب أشياء محددة مقابل العروض الأميركية بمزيد من المساعدة.
سوف تنتهي الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية عاجلًا أم آجلًا. لذا، فإن المزايا الاستراتيجية لإبقاء تركيا داخل الخيمة تفوق بمراحل الفوائد المترتبة على محاولات استبدال أنقرة بقوات سوريا الديمقراطية. ومن المنطقي زيادة تبادل المعلومات الاستخباراتية، طالما كانت هذه المعلومات في إطار نهج شامل يتوافق مع القدرات التركية على أداء دورها. ومن المفارقات الكبيرة، أن التوترات التي حدثت خلال الفترة الأخيرة، أظهرت مدى قدرة ضغط كل طرف على الطرف الآخر دون قطع العلاقات.
__________________________________________
مترجمٌ عن: (ذا أتلانتيك)
فريق الترجمة
مجموعة من المترجمين