حجاج العباءة الأردنية الى دمشق
د. خليل قطاطو
قامت مجموعة من الشخصيات الأردنية (محامون، أطباء، مهندسون و….ونقابيون) بزيارة دمشق وألقوا على كتفي الرئيس ( حتى ألآن) السوري بعباءة أردنية تعبيرا رمزيا عن الدعم للنظام ضد ما يسمونه المؤامرة البترودولارية والتكفيرية . ثم صدر بيان من مجموعة كبيرة من أبناء الكرك تأييدا لأولئك الذين قاموا برحلة الحج تلك الى دمشق، وكرروا نفس المقطوعة أياها عن المؤامرة .اعترضت النقابات ألأردنية بشدة مشيرة الى أن هؤلاء لا يمثلون الشعب الاردني . طالب النقابيون بفصل هؤلاء ووصل الحد الى تكفيرهم.
لفهم ما حدث، لا بد أن نعود الى الوراء، الى حقبة الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي حيث درس الالاف من الأردنيين (والفلسطينيين) في الجامعات العراقية والسورية (مجانا) على نفقة الحزبين البعثيين في بغداد ودمشق، وليس سرا أن غالبية هؤلاء تشربوا مباديء حزب البعث (امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) و (وحدة، حرية،اشتراكية) ومعظمهم جندوا بسهولة (كرفاق) في حزب البعث . لم يقتصر ألأمر عند هذا الحد، بل أصبح الكثير من هؤلاء أصحاب جاه ونفوذ في الأردن الى درجة أنه كان من المستحيل على أي طالب أردني أن ينال مقعدا في الجامعات العراقية والسورية (حتى لو كان معدله في الثانوية العامة يتخطى التسعين) دون توصية خاصة من كبار البعثيين في البلد، وليس بعيدا أنهم تلقوا رواتب بانتظام كرفاق في الحزب.
كان البعثيون يرفعون شعارات الحرية ولكنها حرية من نوع خاص جدا، اذ انه لك مطلق الحرية في انتقاد وشتم الأمبريالية والاستعمار والرجعية، ولكن البعث مقدس، وأذا صدف أن صدر عنك أي نقد له ولو كان خفيا (أو حتى مزحا) فلن يكون مصيرك ألا الزنازين بتهمة خيانة الوطن (وألأمة) أو التغييب من نوع خرج ولم يعد.
هولاء أنفسهم الذين أيدوا صــــدام حسين أيضا، كبطل قومي وعـــــربي . فاتهم جزئية صغيرة جدا، التفــــريق بين صدام حسين والعــراق والعراقيين (أو بشار وسوريا والسوريين ) وأنه لفرق لو تعلمون عظيم. ان تحب وطنا، هي عاطفة نبيلة، تستحق التضحية والشهادة، ولكن أن تؤله دكتاتورا وتبرر له حرق بلده وقتل الشعب، فهذه سذاجة فكرية وسياسية فجة.
على أن من حجوا الى دمشق، وللتاريخ، لم يكونوا كلهم بعثيون، ففيهم شيوعيون، نعم (لا تستغربوا) فما زال هناك شيوعيون عرب حتى بعد سقوط الأتحاد السوفييتي في مطلع التسعينات من القرن المنصرم، وهؤلاء يا سادة يؤمنون بالحرية (تماما مثل البعث ) والعدالة، ولا تنظر بعيدا لتتجلى لك أسمى أيات العدالة التي يغدقها بشار الاسد على شعبه، عدالة من نوع خاص،لا يفرق بين غني وفقير، وطاعن في السن وطفل، ذكر أو أنثى، فلاح أو بدوي أو حضري، في القتل، فبراميل المتفجرات التي تلقيها طائراته (الروسية) على المخابز ومحطات البنزين ومحطات توليد الكهرباء والمساجد والمدارس والمنازل توزع العدالة على الجميع.
الحجاج الذين أموا دمشق من كل حدب وصوب من ( ألأردن) دثروا الرئيس السوري، ونصبوه زعيما للأمة (كما نصبوا صدام من قبل) وكان ألاجدر بضمائرهم أن تدثر عشرات الألاف من اللاجئين السوريين( بالبطانيات) لو اتجهوا شرقا الى المفرق(مخيم الزعتري) بدلا من شمالا الى الرمثا فدرعا فدمشق حيث شدوا الرحال.
معظم الشعب الاردني ضمائرهم حية، وذممهم نظيفة، لا تجرهم مصالحهم الشخصية الى اتخاذ الموقف السياسي والأخلاقي الخطأ، لذا فإن الحجاج الى دمشق لا يمثلون الا فئة صغيرة جدا من الأردنيين، يعرفهم الجميع ويعرف انتماءاتهم ومصالحهم ودوافعهم. ان من يقتل تسعين ألفا من شعبه، ويشرد ستة ملايين ( بين نازح ولاجيء)، ويعتقل ربع مليون لا يمكن أن يكون بطلا قوميا، بأي مقياس، حتى لو غطيتم كتفيه، الهالكتين، بألف عباءة وعباءة
بعد سقوط الأسد ترى هل سيبقى بعثيون قدامى كما الشيوعيون ؟ أم سيكون هذا نهاية اليسار العربي وانتشار اليمين الاسلامي ؟أم سنشهد اسلاما سياسيا ثائرا (يساريا) ؟ مجرد اسئلة، والجواب عليها ليس سهلا ولكنه موضوع اخر.
‘ كاتب فلسطيني
القدس العربي