حديث بشار التلفزيوني.. تناقضات وتهديدات
ياسر سعد الدين
لم يكن حديث الأسد الأخير استثنائيا في سياق خطبه وكلماته السابقة من حيث الطرح الفلسفي والوعود المؤجلة والابتعاد عن الحقائق. الحديث الذي خلا من أي بعد إنساني أو أدنى تعاطف مع الضحايا من مدنيين وعسكريين، تميز بوضوح القلق والتوتر الباديين عليه، مما جعله عاجزا عن مواجهة حتى أنصاره وحلقته الضيقة، فاختار لقاء مغلقا يمكن التحكم فيه وإعادة مونتاجه وتصويب أخطائه.
ومع أن اللقاء كان تحت السيطرة التامة من حيث الأداء والمضمون، فإنه حفل مثلما سبقه بالكثير من التناقضات والتخبط، مثل قوله إننا نأخذ دروسا من الآخرين، وهو ما ناقض ما ذهب إليه في خطاب جامعة دمشق. أضف إلى ذلك احتواء اللقاء على عبارات تمهد للتصعيد في عمليات القمع والتنكيل، وأخرى تحمل رسائل تهديد ووعيد ضمنية للداخل والخارج، مما يحتم على الدول العربية والمجتمع الدولي التكاتف من أجل إنهاء هذا الحكم الدموي البائس. فقول بشار بأن الوضع الأمني حاليا تحول باتجاه العمل المسلح أكثر وتحديدا في الجمعة الماضية، يراد منه التهيئة للتصعيد في الجرائم المقترفة بحق المواطنين.
وحين تحدث عن احتمال توجيه عمل ضد نظامه قال «أي عمل ضد سوريا ستكون تداعياته أكبر بكثير مما يمكن أن يحتملوه»، مرجعا ذلك إلى الإمكانات السورية التي يعرفون جزءا منها ولا يعرفون الأجزاء الأخرى. وإذا كان للمرء أن يتساءل عن سبب عدم استخدام هذه الإمكانات لتحرير الجولان أو الرد على الاعتداءات الإسرائيلية، فإن ما يمكن فهمه هو التهديد باستخدام أسلحة دمار شامل أو الاستناد إلى القدرات العسكرية الإيرانية بشكل مطلق. أما التهديد الذي يمارسه الطغاة بتدمير البلاد حال الرحيل وربط مصيرها بمصيرهم، فقد مارسه بشار في ختام لقائه بقوله «ولا يمكن أن نسقط إلا إذا أتت أزمة وأنهت سوريا بشكل كامل».
في حديثه عن إصلاحاته المزعومة وعن حواراته قال الأسد، إنه في البداية فكر في «أن نبدأ بحوار على مستوى المحافظات، لكن تسارع الأحداث والتشكيك بمصداقية عملية الإصلاح دفعنا لكي نبدأ بحوار مركزي»، هنا يظهر الرجل وتصرفاته في سياق ردود الفعل والانصياع لدعوات التشكيك بإصلاحه، وهو ما يبرهن عن انعدام الثقة بالنفس وبالهدف المعلن وبغياب التخطيط. الأمر نفسه تكرر في حديثه عن قوانينه «الإصلاحية» بقوله: «وأحيانا نرى هذه الحزمة ولكن نبدأ بشكل مقلوب، فنبدأ بالأولوية الخامسة قبل الأولوية الأولى.. طبعا نحن نجرب ونتعثر، فنحن نجرب بأنفسنا فلا يوجد لدينا خبراء.. نحاول أن نتعلم»، مضيفا «والقوانين تبدل ربما في نفس اليوم ولا عيب في ذلك». هنا يظهر التخبط ومحاولات التعلم البائسة على حساب الوطن ومستقبله والنهج العشوائي بتغيير القوانين في نفس اليوم. الأمر المثير للأسى قوله إنه لا يوجد عندنا خبراء، فسوريا بعد زهاء أربعة عقود من حكم أسدي لا تمتلك الكفاءات والخبرات، فأصحابها من أبناء الوطن المخلصين إما وراء القضبان أو في المنافي.
بشار لاحظ في لقاءاته المختلفة أن هناك شعورا كبيرا لدى الشباب بالتهميش، الشعور العام في وطن اختطفته عائلة الأسد بالتهميش والاستئصال هو واحد من أسباب ودوافع الثورة الشعبية، والذي كان رد النظام عليه بالقتل والتهشيم. أما أسلوب تناول الأسد لملف جنسيات الأكراد في اللقاء التلفزيوني، فقد كان مستهجنا، فبعد الحديث عن شبهة الرشوة والتي قال عنها في خطاب سابق إنها صارت طقسا يوميا في «سوريا الأسد»، زعم الرجل أن حق التجنس حسم منذ 2002 ولكنه تأخر إلى 2011 ردا على أحداث القامشلي 2004، وحتى لا يتم استغلال الموضوع. وهكذا تمنع أعداد ضخمة من المواطنين من حقوقهم ويعانون بحجة عدم استغلال البعض لهذا الموضوع، فأية عدالة هذه؟ ولماذا يظلم قطاع من المواطنين من أجل مواقف سياسية لآخرين؟ وهل ينبغي لتصرفات الدولة أن تكون أسيرة ردات الفعل أو من خلال الأوهام والظنون؟
وفي موضوع الضغوطات الدولية ودعوات التنحي زعم بشار أن الأمر كله مرتبط بمحاولة التأثير على سيادة سوريا، وهو أمر لا مجال للمساومة عليه. تمنيت أن يكون هذا هو موقف الرجل حين حلقت طائرات إسرائيلية فوق قصره، أو حين قصفت عين الصاحب وموقع الكبر. الأسد رد على ما اعتبره مبدءا غربيا زائفا في حقوق الإنسان بالحديث عن احتلال أفغانستان، وهو موقف لم نسمعه من النظام من قبل، كما أنه يتناقض مع ادعاءات نظامه بأنه يواجه عصابات سلفية، وطلب وليد المعلم من المجتمع الدولي المساعدة في محاربة الإرهابيين والمتطرفين.
أما بالنسبة للعلاقة مع تركيا، فيبدو أن النظام استهوته مسألة الإساءة لقيادتها، خصوصا مع تباطؤ تلك القيادة في الرد على تجاوزاته، فكان سؤال المقدم مستفزا بقوله متسائلا: هل تركيا أصبحت أداة أو لعبة بيد واشنطن تحركها كيف تشاء في الشرق الأوسط وفي أي ساعة تشاء؟ الأسد رد بقوله إنه يقبل النصيحة ولكنه لا يقبل من تركيا لعب دور المرشد. وحين سئل عن دور الإعلام الرسمي والانتقادات الموجهة له قال: «هل أعطينا المعلومات للإعلام الرسمي لكي ينطلق؟ هذا أولا.. وهل أعطيناه الهامش أيضا لكي ينطلق قبل أن نوجه له الانتقادات؟»، وهنا يطرح السؤال نفسه: ما طبيعة إعلام لا تعطيه الدولة المعلومات ولا الهامش؟ وكيف؟ وبم يتحدث إذاً؟