حرب أخرى؟ لماذا التشاؤم؟/ زهير قصيباتي
لماذا التشاؤم وكل ذاك السواد في التطلُّع إلى يوم تخرج فيه المنطقة المنكوبة بالحروب والتشرُّد والموت والجوع، إلى السلام مع ذاتها وشعوبها؟
لماذا كل ذلك التشاؤم، أليس قلب أميركا وروسيا على العرب، خشية من اندثار حضارتهم؟… وعلى مهد الحضارات والأديان، وتجارب التعايش العامرة بمختبرات للإنسانية، من بغداد إلى اللاذقية ودمشق، ومن تونس إلى مصراتة وبنغازي، ومن الضاحية الجنوبية لبيروت إلى طرابلس؟
لماذا نيأس من مراكب الموت تشق البحر المتوسط فيبتلع شبابها لمجرد التحدّي؟… ولا نرى الغد الآتي بعد براميل القتل الجماعي؟ أليست التضحية حتمية لتقتل جثثنا أطماع «داعش»، حين تنجو من حِرابه وسكاكينه؟
لماذا لا نأمل بـ «حكمة» الرئيس فلاديمير بوتين؟ صحيح أنه يحرّك طائرات تقتل أطفالاً سوريين، لكنه يظن أنه يبيّض صفحة الكرملين حين يتلقى ضربة من «داعش».
لماذا لا ننظر بعين الأمل إلى شواطئ العرب، ونتوهّم بأن جيلاً كاملاً يهاجر إلى ضفة «الأغنياء» الأوروبية، سيعود سريعاً، لئلا يموت حنيناً إلى الانتماء؟ أليس الانتماء الذي تكرّس بالحريات وفرص العمل والتقدُّم والمساواة، ومحاربة أنظمتنا الفساد، وتواضعها وزهدها بالسلطة؟!
رغم كل شيء، وبلبلة الكبار في البحث عن معتدلين وإرهابيين على الأرض السورية، رغم صفعة «داعش» وكبرياء بوتين الذي اعتبره السيناتور الأميركي ماركو روبيو «رجل عصابات»… رغم العين «البصيرة» لرجل البيت الأبيض ويده القصيرة، إلا حيال ما يزعج إسرائيل، ألا يمكن التفاؤل بأن سورية وشعبها سيصلان إلى بر الأمان قريباً؟
ربما- افتراضياً- إلا إذا كان بوتين واثقاً من أنه سيفرض استسلام «أبو بكر البغدادي» خلال أسبوع أو شهر، وقتَلْنا هواجس القلق من تمدُّد النار في سورية إلى دول مجاورة، استنفدت قدرتها على التعايش مع صراع إقليمي- دولي، وتوهّمت بأن رجل الإطفاء في الغرب جاهز، ينتظر شارة استغاثة من «أقليات».
أليست حال لبنان اليوم حيث نسمع الصراخ تحذيراً من حرب أهلية، مثلاً واضحاً بمقدار ما يثير صدمة من فضيحة عجز السياسيين، يوجّه رسالة بأن كل صمامات الأمان تعطّلت؟… ومعها انهار السلم الأهلي الكاذب، بعد خمس سنوات من التكاذب واللعب بمصائر اللبنانيين، والرهان على أوراق إقليمية وأخرى دولية.
ولكن، لماذا التشاؤم بمصير لبنان وانزلاقه على طريق سورية؟… أليس إغلاق كل المؤسسات الدستورية حصانة ضد الانفجار الكبير؟ المخجل أن مفتاحها ما زال في الخارج، وأن جميع اللبنانيين رهائن في عملية الانتحار البطيء. بعض الخبثاء يشير إلى ضياع البوصلة السورية التي كانت «ترسم الطريق» لكل قرار وكتلة وتكتل، في البرلمان اللبناني وبين القوى السياسية، حتى إذا حسمت يصبح الدستور طيّعاً للتعديل، والميثاق رهن اجتهادات.
رغم ذلك، فلنتفاءل الآن بعودة حزب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قوياً إلى الحكم، وهو يبشّر بخطوات في المنطقة، ستغضب إيران حتماً، فتصبح وتيرة القتل في سورية أسرع، وناره تلفح لبنان كل يوم. فلنأمل بألا يتلقى بوتين صفعة أخرى من «داعش»، كي لا يسقط مزيد من الضحايا السوريين… ونتوهّم بأن إيران الساعية إلى قلوب شعوب المنطقة وعقولها ستدرك أن انتقامها من «الاستكبار» لن يكون بأخذ اليمن ولبنان رهينة، لحسابات نفوذها الإقليمي، ولا بسحق قدرة العراقيين على استعادة تعايشهم ودولتهم ومؤسساتها وثرواتها.
ولماذا التشاؤم حين تنعى إسرائيل العمليات العسكرية الروسية في سورية؟
ألم يقل أردوغان أن كل مَنْ يؤجّج النار في سورية، سيحترق بها؟ مصيبة السوريين- وقلب الرئيس التركي معهم- أن لا أنقرة قادرة على تخليصهم من النفق المظلم، ولا طهران ترى في سورية سوى موطئ قدم، ولا موسكو تستطيع فرض التسوية بمفردها… إذا استثني فرض مصالحها ونفوذها.
ولأن النفق طويل، بات حصر لهيب الحرب وشظاياها معجزة.
لماذا التشاؤم؟
الحياة