صفحات العالم

حرب الأشباح السورية قد تعود لتقضّ مضجعنا


Shashank Joshi

الحروب بالوكالة تحمل الكثير من المخاطر، فحتى مَن يتعاطفون منا مع قضية الثوار يقرون بهذا الواقع، فأفغانستان، دولة أخرى دعمت فيها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة قوات الثوار المجزأة، ترخي بظلالها على سورية اليوم.

لم تكن القوى الأجنبية السبب وراء الانتفاضة السورية، إلا أنها تقدم لها الدعم بالتأكيد، ففي الأشهر الأخيرة، تبنى الأتراك والعرب والأميركيون قضية الثوار، مادين إياها بدفق كبير من الأسلحة ومساعدينها على تنظيم صفوف الثوار المشتتين ليتحولوا إلى قوة تزداد فاعلية يوماً بعد يوم.

حشدت دولة قطر الخليجية قواتها الخاصة لتوافر الدعم اللوجستي لهذه الانتفاضة، تماماً كما فعلت في ليبيا، وذهبت المملكة العربية السعودية إلى أبعد من ذلك، مساعدة الثوار على تشكيل قيادة مركزية جديدة في أضنة، مدينة تركية تبعد نحو 96 كيلومتراً عن الحدود السورية. فتولت هذه القيادة الإشراف على تدريب الجيش السوري الحر (اسم أُعطي لشبكة الثوار غير المترابطة التي تتألف من ميليشيات محلية ومنشقين مناهضين للأسد) ومده بالمعلومات الاستخباراتية والسلاح. اكتفى الرئيس أوباما في البداية بمراقبة مجريات الأحداث بحذر، إلا أنه وقّع أخيراً “بياناً” رئاسياً يسمح بتقديم مساعدة سرية وإنما غير مميتة للثوار.

بينما تحاصر قوات الأسد حلب وتقصف أحياءها من الجو، يسهل علينا تفهم أسباب هذا القرار، لكن الحروب بالوكالة تحمل الكثير من المخاطر، فحتى مَن يتعاطفون منا مع قضية الثوار يقرون بهذا الواقع. فأفغانستان، دولة أخرى دعمت فيها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة قوات الثوار المجزأة، ترخي بظلالها على سورية اليوم. نجحت هذه الجهود، التي وصفها الصحافي ستيف كول بـ”حروب الأشباح”، في الإطاحة بالحكومة في أفغانستان، إلا أنها ساهمت أيضاً في عقود من عدم الاستقرار، زادت المجموعات الإسلامية المتعصبة جرأةً، وأدت إلى عواقب تخطت الحدود الأفغانية.

لا شك أن الوضع السوري أفضل في بعض أوجهه، مقارنة بأفغانستان، فقد خضعت هذه الأخيرة لاحتلال قوة أجنبية غير مؤمنة، ألا وهي الاتحاد السوفياتي، أما سورية، فلم تكن محتلة، مما يصعب على المجاهدين حشد الجماهير للدفاع عن قضيتهم، وفي حين تولت باكستان الخاضعة لحكم ضياء الحق، رجل متعصب التزم بتصدير التطرف إلى الخارج، التمهيد للحرب الأفغانية، تؤدي الدولة التركية العصرية والمعتدلة دور الوسيط في الحرب السورية اليوم.

لكن هذه النقاط الإيجابية لا تخفف من حدة المشكلة، فلا تُعتبر بعض الدول الداعمة للثوار منارة للديمقراطية وحقوق الإنسان، بل يحفل سجلها بدعم المجموعات الأعنف والأكثر تطرفاً. صحيح أن بعض الثوار يتبنون مظاهر الالتزام الديني فحسب (مثل إطالة اللحية والصلاة والخطاب المتشدد)، آملين الحصول على أموال هذه الدول، إلا أن بعضهم الآخر مؤمن ملتزم فعلاً، وخصوصاً أولئك الذين انضموا إلى القتال من خارج سورية.

يدفعنا هذا الواقع إلى القلق لأسباب عدة: أولاً، يثير هذا الواقع الشكوك في قدرة المجلس الوطني السوري، المعارضة البائسة في المنفى، على الوفاء بوعوده بشأن تأسيس دولة تعددية ديمقراطية خالية من التحيّز الطائفي. وهل تستطيع تركيا أن تضمن ألا تُستغل قيادتها المركزية لنقل الأسلحة إلى مَن يسعون في المقام الأول إلى فرض حكم ديني متعصب على شعب يأبى ذلك؟ قد يكون هذا واقع الحال، ولكن مع طبيعة الحروب السرية تبقى معظم هذه الأمور غامضة.

ثانياً، يخيف دعم هذه الدول للثوار الأقليات السورية، فيخشى العلويون، الذين ارتبط اسمهم ظلماً بجرائم النظام التي يرتكبها إخوانهم، الهجمات الانتقامية. أما المسيحيون الذين لم ينسوا بعد ما حلّ بإخوانهم في العراق، فيقلقون من أن تتحول وجهات النظر المتشددة والمتحيزة دينياً لبعض الدول الداعمة للثوار إلى النموذج المعتمد في سورية الجديدة. نتيجة لذلك، قد ترتمي هذه الأقليات في أحضان النظام أو تتسلح، مما يزيد من صعوبة تأسيس دولة موحدة عقب سقوط الأسد.

لربما لا تأبه بعض الدول، التي تسعى في المقام الأول إلى تسديد ضربة لحليفة الأسد الأساسية، إيران، لخطر أن تنحدر سورية نحو الفوضى الطائفية. ولكن يجب ألا نحذو نحن حذوها، وينبغي أن نحرص على تشكيل آليات مساءلة ومحاسبة لمعاقبة كل مجموعة من الثوار تنفذ هجمات ضد أحياء الأقليات، أو للكفّ عن تقديم الدعم لها.

تكمن المشكلة الثالثة في أن الحروب بالوكالة تميل إلى التوسع إلى خارج الحدود، فمن الممكن استخدام الأسلحة، التي تُقدَّم للثوار لمحاربة الأسد، لأهداف أخرى ربما تتعارض مع المصالح الغربية. ومع تزايد اعتماد الثوار على أجهزة التفجير المرتجلة، لا يعود بإمكاننا الحد من انتشار مهارات صنع القنابل هذه. فضلاً عن ذلك، يوجّه المجاهدون، الذين شحذوا مهاراتهم بالتصدي للدبابات الأميركية في العراق، انتباههم إلى المدرعات السورية اليوم، محققين نتائج مدمرة. ولكن ما العمل إن استهدفوا لاحقاً الأردن أو تركيا؟

أخيراً، أي جزء من المعارضة يجب أن ندعم؟ على القوى الأجنبية أن تختار الطرف المفضل لديها، ولكن لكل بلد معاييره الخاصة. فتدعم بعض الدول العربية الأطراف الأكثر تديناً، بينما تسعى تركيا إلى استبعاد الأكراد. أما الأميركيون فيختارون الليبراليين. صحيح أن قيام قيادة مركزية مشتركة يعكس نوعاً من التوافق، لكن الخطِر أن كل بلد يحاول استمالة أطراف معينة، معززاً بذلك الشقاق بين المجموعات المختلفة. من الأهمية بمكان ألا يكون الإسلاميون الوحيدين الذين يملكون السلاح، لكن تعاطي الدول مع أطراف المعارضة السورية يجب أن يأتي بطريقة تحد من هذه الانشقاقات الأخوية، ويجب ألا ننسى أن الاقتتال بين مختلف الفصائل المجاهدة في أفغانستان في تسعينيات القرن الماضية كان السبب الرئيس الذي مهد الطريق أمام حركة طالبان.

لا شك أن الكثير من هذه المشاكل سينشأ مهما فعلنا، خصوصاً أن معظم الأسلحة تتدفق إلى سورية من شبكات خاصة، مثل المؤسسات الخيرية الإسلامية أو المجتمعات السورية في الخارج، لا من الحكومات. كذلك ينطوي التخلي عن الثوار على مخاطر جمة. ولكن لا يمكننا توقع ما قد تؤول إليه حروب الأشباح، وعلى مَن يدعون إلى تقديم دعم أكبر للثوار أن يتذكروا المخاطر التي تترافق مع ذلك.

* باحث في المعهد الملكي للخدمات الموحدة.

Daily Telegraph

الجريدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى