حرب داخلية أخرى تنمو برحم سوريا/ تيم ليستر
أتلانتا، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN)– في الوقت الذي يركز فيه العالم على قضية التخلص من أسلحة سوريا الكيماوية، تتصاعد حرب شمال البلاد داخل الحرب الدائرة، وهو صراع معقد تتواجه فيه فئات تابعة لتنظيم القاعدة، ضد مجموعات الثوار المعتدلين، وأقلية كردية تمثل مليوني شخص، وليس هذا فحسب، بل تهدد بتوسعها خارج الحدود السورية.
وساعدت أكبر الجماعات الكردية في سوريا الممثلة بحزب الاتحاد الديمقراطي بتصعيد الأمور، عندما أعلنت الأسبوع الماضي تشكيل ” الإدارة المدنية الانتقالية لمناطق غرب كردستان- سوريا “، في جزء من سوريا ينتج في العادة ثلث النفط السوري.
وقد اعترضت المجموعات الثورية الأخرى معتبرة القرار بأنه خطوة نحو إعلان للاستقلال والانقسام عن سوريا، ووصف الائتلاف السوري المعارض حزب الاتحاد الكردستاني وحلفائه بأنه “عدو للثورة” وأن قرار الحزب يمثل “تحركاً انفصالياً يفصم أي علاقة للتنظيم بالشعب السوري للوصول إلى دولة سورية موحدة ومستقلة وحرة وخالية من الاستبداد وذات سيادة مطلقة على أراضيها.”
وما يحصل في هذه الدولة يعتبر من أكبر القضايا التي تهم حكومتي تركيا والعراق، وأكراد شمال العراق وهي أطراف تحرص على مصالحها وحلفائها في المنطقة، أما بالنسبة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد فإن نجاح الأكراد على حساب الجيش السوري الحر والإسلاميين يمكن أن يكون أفضل النتائج السيئة، وذلك بتقسيم صفوف المعارضة وحرمان خصومه من إحكام السيطرة على منطقة نائية حيوية، إذ ترسل الحكومة عناصر من جيشها إلى أكبر المدن الكردية، القامشلي، بما يوحي باتفاق ضمني مع الأكراد.
والآن تبدو الساحة الشمالية لسوريا مثل قطع تركيب إقطاعية، مع تداخل حدود القرى وتبادل المصالح والحلفاء بين صفوف المعارضة، وهو أمر يضف للائحة العقبات التي ستواجهها الولايات المتحدة للبدء بعملية سياسية في سوريا، في الوقت الذي يطالب فيه حزب الاتحاد الديمقراطي بتمثيل الأكراد في أي محادثات خاصة بالسلام.
أما في ساحة المعركة، فقد ركزت قوات الحزب بمواجهاتها على الدولة الإسلامية في العراق والشام وهي مجموعة تتبع تنظيم القاعدة، إذ قام الحزب بإخراج المجموعة من حدود عدد من القرى وأحكم السيطرة على المناطق التي تحد سوريا عن العراق، وتسيطر ما تسمى بـ ” وحدات الحماية الشعبية الكردية” معبر اليعربية السوري مع العراق.
وبهذا يحتمل بأن تسنح الفرصة أمام الأكراد لتصدير النفط وكسب الإيرادات، فيما يعتبر موقعاً استراتيجياً على الطريق السريع المؤدي لكل من مدينة الموصل والعاصمة العراقية بغداد.
ولكن الدولة الإسلامية في العراق والشام لا يبدو وأنها ستختفي عن قريب، إذ وسعت المجموعة وجودها في شمال سوريا هذا العام، وذلك بفضل تدفق مئات المقاتلين الأجنبيين، وفي أكتوبر/تشرين الأول قامت المجموعة بإحكام سيطرتها على أعزاز الحدودية مع تركيا وذلك بعد قتل مكثف مع لواء إعصار الشمال التابع للجيش السوري الحر، الذي اتهمت فيه اللواء بالتحالف مع الأكراد “المنقسمين” وحذرت الجيش السوري الحر بعدم “الانقياد لما يخطط له الأعداء ليلاً ونهاراً، للبحث عن كافة الوسائل لزرع الفتنة بين الجماعات الثورية والدولة الإسلامية.”
وأحكمت مجموعة الدولة الإسلامية السيطرة على معبر باب الهوى الحدودي بين سوريا وتركيا وأخذها من تحت سيطرة لواء تابع للجيش السوري الحر، وفتحت بذلك الباب أمام إدخال الأسلحة واللوازم الأخرى.
هذا وحظيت مجموعة الدولة بسمعة بشعة لتعذيبها الأسرى وقتلهم خلال قتالها ضد جماعات ثورية أخرى، إذ نشر المرصد السوري لحقوق الانسان مقطع فيديو، السبت، ظهر فيه عدد من عناصر الجيش السوري الحر الذين قتلوا بعد تعذيبهم، كما قالت التقارير أن الوسيط الذي أرسل طلباً لإطلاق سراحهم قتل أيضاً.
وكتب جوشوا لانديس، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما، بناء على تصريحات من سجين سابق للمجموعة، أن “أمير” الدولة الإسلامية في أعزاز يبلغ عمره 16 عاماً وقد شارك شخصياً في عمليات تعذيب الأسرى.
وبإدراكه لنمو التهديد الذي تمثله المجموعة فقد اتهمها المجلس الوطني السوري باستعمال “العنف ضد القوات الثورية السورية وبعدم اهتمامها بحياة السوريين.”
وهنالك مجموعة أخرى تابعة لتنظيم القاعدة، وهي جبهة النصرة، التي تعتبر جزءاً من الأحجية، إذ حاولت الجبهة السيطرة على شمال مدينة حلب، التي تعتبر أكبر المدن السورية، وشرقها، وقد هجمت خلال ذلك على عدد من القرى الكردية، ولكن يبدو وكأن جبهة النصرة تكره مجموعة الدولة الإسلامية، بقدر كرهها للجماعات الثورية غير الإسلامية.
ويقول لانديس المؤسس لمدونة ” Syria Comment” إن جبهة النصرة ومجموعة إسلامية أخرى باسم أحرار الشام “تعملان معاً بتقارب أكبر من ذي قبل، لمواجهة مجموعة الدولة الإسلامية وتولي السيطرة من التقسيمات الضعيفة المنبثقة عن الجيش السوري الحر.”
وهذ يعتبر دليلاً آخر على استمرارية انقسام المعارضة السورية على أرض المعركة، ويدل على حاجة جبهة النصرة لحلفاء للانتصار على كل من الأكراد والدولة الإسلامية؟
أما القوات الكردية فقامت بالمقابل بإخراج عناصر جبهة النصرة من عدد من القرى الحدودية المجاورة لتركيا خلال الأسابيع الماضية، لكن الناشطين في مجال حقوق الإنسان يدعون أن الأكراد هاجموا أيضاً قرى عربية، وفي الساحة المحلية، على الأقل، يبدو التنظيف العرقي غالباً في الخريطة الشمالية لسوريا.
لكن حزب الاتحاد الديمقراطي يؤكد بعدم رغبته برؤية تقسيم لسوريا، أو أن يكون شاهداً على نزاع عرقي، لكن مثلما كان الحال مع الأكراد في العراق قبل عش سنوات فقد كانت الفرصة متاحة لتصليح الأخطاء القديمة، خاصة من خلال عكس تعريب المناطق الكردية الذي تم خلال فترة رئاسة والد بشار الأسد، إذ قام حافظ الأسد في السبعينيات بطمس وجود أي دولة للأكراد وشجع العرب على العيش في المناطق المحاذية للحدود التركية، مثل محافظة الحسكة، وهو قرار رحل خلاله أكثر من 60 ألف كردي من منازلهم.
وبكتابته في العدد الحالي لمجلة ” Combating Terrorism Center ” يقول نيكولاس هيراس إن “الحسكة تمثل بقعة إنسانية معقدة، ينقاد فيها النزاع بواسطة سلطة الجيش السوري والكره القديم والمطول للعداوة الإقطاعية .. كما أن مصادر الحسكة النفطية تعد مهمة أيضاً في عملية الصراع المتبادل بين الجماعات المسلحة العربية والكردية.”
ويرى هيراس فرصة أمام المليشيات الكردية في الحسكة، إن تمكنت من حماية الأقليات فيها، لكنها ستحتاج إلى “استمرار في تحقيق النجاح على أرض المعركة ضد خصومها، وأهمهم الجماعات السنية المسلحة مثل المنظمات الجهادية السلفية والميليشيات القبلية.”
بدأت تركيا تشهد ومنذ الآن انتشاراً للنزاع بين الأكراد والجماعات الأخرى على أراضيها، وذلك بإطلاق عشوائي للصواريخ أودى بحياة عدد من المواطنين الأتراك خلال الأشهر الماضية، وقد ردت الحكومة التركية باستعمال مدافع الهاوتزر، كما بدأت ببناء جدران حدودية على مسافة الـ 820 كيلومتر التي تفصلها عن سوريا.
وبالنسبة لأنقرة فإنها لا ترغب برؤية أي من القاعدة أو الأكراد كمسيطرين على شمال سوريا، إذ لا تغب بنشوء حزب الاتحاد الديمقراطي بدور لاعب أساسي في المنطقة، خاصة مع العلاقات القوية بينه وبين حزب العمال الكردستاني في تركيا، الذي خاض حرباً كبيرة ضد انظام التركي على مدى 30 عاماً، والتي تشهد حالة فتور هشة لحين إنشاء توافق سياسي بين الطرفين، ولكن في حال فشل هذه المفاوضات يمكن أن يستغل حزب العمال الأزمة السورية لصالحه، في الوقت الذي يصر فيه ناشطون بشمال سوريا على تدفق مئات العناصر من الحزب الكردي في تركيا إلى سوريا.
وقد تواصلت الحكومة التركية بحرص مع حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي زار رئيسه صالح مسلم محمد مدينة أنقرة في يوليو/تموز، لكن في مقابلة تبعت زيارته، قام فيها باتهام تركيا بمساعدة قوات كردية أخرى ضد حزبه والسماح للمليشيات الإسلامية بالعبور من أراضيها، وهي تهم نفتها أنقرة في وقت لاحق.
وقد قال مسلم لوكالة رويترز هذا الأسبوع، إن الأتراك “يحاولون تقسيم الأكراد من خلال ضم أحزاب كردية معينة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.”
كما سحب الأكراد في شمال العراق للمشاركة في الحرب السورية، وذلك غير مستغرب مع تدفق عشرات الآلاف من السوريين الأكراد عبر الحدود، وبحسب إحصائيات اليونيسف فقد سجل أكثر من 200 ألف سوري في مخيمات اللاجئين شمال العراق، وأغلبيتهم العظمى مكونة من الأكراد.
ومع دعم الحكومة الكردية عبر الحدود، فإن ذلك حفز على رد من تنظيم القاعدة، الذي نفذ تفجيرين انتحاريين في العاصمة الكردية العراقية، أربيل، خلال شهر سبتمبر/أيلول مودياً بحياة عدد من الأشخاص، مما دفع القائد الكردي العراقي، مسعود برزاني لإطلاق تحذيرات قال فيها: “لن نتردد في شن هجومات على المجرمين الإرهابيين أينما وجدوا.”
لكن في الوقت نفسه فإن التعب يبدو على برزاني من قبل طموحات حزب الاتحاد الديمقراطي، إذ حاول أن يوحد جهود مجموعات كردية أخرى لمواجهتها، وقد استثمر برزاني جهوده بشكل مكثف لتأسيس علاقة قوية مع تركيا، لكونها وسيلة لتصدير النفط من شمال العراق، وليست لديه أي رغبة في مشاهدة استفزاز حزب الاتحاد الديمقراطي لأنقرة، وبعد إعلان الأخير للحكم الذاتي، اتهم برزاني الحزب بالتحالف مع الأسد وتدمير فرصة ذهبية أمام الوحدة الكردية في سوريا، وقد قام بزيارة إلى مدينة دياربكر التركية، السبت، ليلتقي مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، ويعود للمفاوضات مع أكراد تركيا.
أما الحكومة العراقية في بغداد والتي يطغى عليها الطابع الشيعي، فلديها نواح أخرى للقلق، خاصة مع حرية الحركة التي يزودها الوضع السوري لأعضاء تنظيم القاعدة، إذ تزايدت حدة هجومات التنظيم وعددها في العراق، في مشهد عنف يعتبر الأسوأ منذ عام 2007، وفي الوقت الذي تحتل فيه الدولة الإسلامية موقعاً محاذياً للحدود العراقية شمال سوريا، والذي يمكنها من تخطيط الهجومات في العراق، وقد تحظى بدعم، أو على الأقل قليلاً من الصبر، من طرف قبائل سنية تفرض قوتها في المنطقة المجاورة للحدود.
ومهما يمكن أن يحصل بالفعل في دمشق أو في مناطق أخرى بسوريا، فإنه لا شك بأن شمال شرق سوريا تشكل بؤرة لصراع يتضمن مزيجاً من المجموعات السورية، والمقاتلين الأجانب وتداخلاً لا محالة له للقوى الخارجية.