صبحي حديديصفحات سورية

حزب الله في سورية: إذا ذهبت أخلاقهم!

صبحي حديدي

ماطلت قيادات حزب الله اللبناني طويلاً، منذ انطلاقة الانتفاضة السورية في آذار (مارس) 2011، قبل أن تضطرّ إلى إعلان انخراطها المباشر، عسكرياً هذه المرّة، وبعد الاصطفاف السياسي، في حرب النظام السوري من أجل البقاء؛ ضدّ سورية الشعب والبلد والبشر والتاريخ، وكذلك الحجر والزرع والضرع.

وحين تزايدت أعداد قتلى الحزب داخل الأراضي السورية، في محيط حمص ومنطقة القصير أوّلاً، وفي أماكن أخرى كثيرة، تدرّجت أنماط المماطلة الخطابية في تغطية ذلك الانخراط: من التصريح، على نحو غائم غامض، بأنّ القتيل قضى “خلال قيامه بواجبه الجهادي”، ولكن ليس على أية جبهة مع العدو الإسرائيلي؛ إلى غمغمة، غامضة بدورها، وركيكة أيضاً، حول الدفاع عن “القرى الشيعية اللبنانية” على طول الحدود السورية؛ وصولاً، أخيراً، إلى إقناع ذوي القتيل بأنه إنما ذهب ليدافع عن العتبات الشيعية الشريفة، مثل مقام السيدة زينب، ومقام السيدة سكينة… في تخوم دمشق!

كان ذلك الانخراط مسألة وقت، إذاً، وتوجّب أن يقع ذات برهة محددة يصبح عندها القتال في صفّ النظام حاجة حتمية، أياً كانت المخاطر التي تكتنف ذلك القرار، ودون حساب للخسائر الجسيمة التي سيتعرّض لها حزب الله، وهي كثيرة ومتعددة المستويات. فإلى جانب مَن سيسقط من مقاتليه على أرض لا تُجيز فضيلة “الواجب الجهادي”، ولا تُكسب القتيل صفة “الشهيد”؛ ثمة تلك الأضرار الشديدة التي ستلحق بصورة الحزب كـ”فصيل مقاومة” ضدّ إسرائيل، مُسخ إلى مقاوم ضدّ الشعب السوري (وهذه مشاعر لن تقتصر على جموع السنّة العرب والمسلمين الذين ساندوا الحزب طيلة عقود، بل تشمل أيضاً قطاعات واسعة من الشيعة أنفسهم).

ولقد بات ذلك الانخراط محتوماً لأنّ الاعتبار الأكبر الذي حكم حتميته كان ارتباط حزب الله العضوي بسياسات إيران في المنطقة، وإذْ توجّب أن تستشرس طهران في مساندة النظام السوري، توجّب على الحزب أن يستميت ضمن الخيار إياه؛ لأسباب ذاتية، تخصّ خطوط إمداد الحزب بالسلاح عبر سورية، وأخرى ذات طبيعة لبنانية، وثالثة إقليمية. وبعد طور إيراني قصير، “براغماتي” إذا جاز التعبير، فضّل معالجة الأضرار، والانحناء أمام العاصفة، أو الهروب إلى أمام، لأنّ نظام بشار الأسد ساقط لا محالة، طال الأمد أم قصر؛ انتصر طور آخر، رافضي وناري وصراعي ومتشدد، ساجل بأن الدفاع عن الأسد هو دفاع مباشر، وليس بالنيابة، عن القوس التي تطمح طهران إلى استكمال صناعته وشَغْله، والذي لا يضمّ العراق وسورية لبنان وفلسطين فحسب، بل يتوجب أن يمرّ أيضاً بالخليج العربي، لينغلق عند مضيق هرمز.

وهكذا، في ترجمة هذا الطور على الأرض، أخذ مقاتلو “الحرس الثوري” الإيراني يتدفقون على سورية، ومعهم تقاطرت وانتشرت ميليشيات مذهبية غريبة، على اختلاف مسمّياتها: (حزب الله العراقي، كتيبة أبو الفضل العباس، الصدريون…). وهكذا، أيضاً، تناغمت تصريحات حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، مع تصريحات الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، بصدد مهامّ عناصر “الحرس الثوري” وتحركات مجموعاتهم القتالية بين سورية ولبنان.

وفي البُعد الأخلاقي لانخراط حزب الله في معركة نظام الأسد ضدّ الشعب السوري، كيف للسوريين أن ينسوا موقف نصر الله المساند للنظام، على نحو تامّ ومطلق وثابت، في أولى خطبه التي تناولت “الأحداث” في سورية، بعد يوم واحد أعقب افتضاح الجريمة النكراء بحقّ الفتى الشهيد حمزة الخطيب؟ أو حين أتحف السوريين بأخبار مطمئِنة، تفيد بأنه لا شيء يجري في حمص (وكان النظام لا يُبقي حجراً على حجر في المدينة، عموماً، وحيّ بابا عمرو خاصة)؛ وأن “إصلاحات” الأسد لم “يقدم أو يمكن أن يقدم عليها ملك أو أمير أو شيخ أو رئيس في أي نظام عربي حالي”، و” هذا دستور جديد، تفضلوا على الاستفتاء”؟ أو تصريحاته، المشبوبة والملتهبة والغنائية، التي أشادت بالثورات في تونس ومصر وليبيا والبحرين واليمن، ولكنها اعتبرت ما يجري في سورية “مؤامرة” إسرائيلية ـ أمريكية؟

المقاومة أخلاق أيضاً، وليست سياسة وسلاحاً فقط، ولهذا فإنّ انحطاط المكوّن الأوّل يقزّم الثاني ويلوّث الثالث؛ فيُخسف الشهيد إلى مرتزق، والحزب إلى أجير، و”الوعد الصادق” إلى غشّ ومواربة ومخاتلة!

موقع 24

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى