حزب الله” وفخ التنميط
غازي دحمان
لم يقرأ” حزب الله” الثورة السورية بصفتها هذه، إختزل قراءتها على هامش ما خطه دفتر النظام عنها، وذهب أبعد من ذلك بأن إستورد كل ما أنتجه النظام من أدبيات ومفاهيم وصيغ وشعارات مضادة للثورة.
أين عيون الحزب وعقله؟، كيف له، بواسطة ادوات التفكير هذه، قراءة تفاعلات المنطقة ومتغييرات العالم ؟. القراءة الصحيحة والمتنبهة والمقدرة على الإستشراف، الرؤيوية بإختصار أداة قوة، لطالما إمتلكها الحزب في مراحل سابقة، وقائع صراعه مع إسرائيل تشي ببعض من ذلك. لكن هل سقط بصر الحزب عند الثورة السورية؟.
الحقيقة المؤلمة، أن الحزب يعيش مرحلة تحولات خطيرة في عقيدته وسلوكه، مرحلة سيجد الحزب نفسه في نهايتها أكبر الخاسرين، لن يعوضه اكتسابه معركة القصير، ولا حتى اكتساح سورية كلها، شيئاً من تلك الخسارة، ذلك أن الحزب يخسر مشروعه الأساسي كمقاوم ويتحول إلى أداة مستأجرة بيد طاغية فاقد للشرعية. لن يفيد الحزب لو ظلّ يرفع بعدها شعار المقاومة ألف عام، لو أن السوريين صدقوا ان نظامهم الذي يرفع شعار المقاومة ليل نهار لما ثاروا عليه!,
في التجربة التاريخية، لم يحقق” حزب الله” جماهيريته السورية والعربية بسبب مصارعته لإسرائيل، على اهميتها، وحسب، فكثير من الأحزاب والتنظيمات والفصائل، قبل الحزب وبعده، خاضوا صراعات مع إسرائيل وأميركا، ولم يحققوا مكانة الحزب في نفوس الجماهير العربية. فقط لأن الحزب اللاهيين كانوا يشبهون السواد الأعظم من تلك الجماهير بفلسفتهم البسيطة وعقيدتهم المتسامحة وبتواضعهم، وعلى عكس كل التشكيلات المقاتلة التي عرفها لبنان وغيره، ذات الطبيعة النخبوية والمتعالية، لم يفرض حزب الله، في سنواته السابقة، صورته وصيغته على الجمهور العربي، ترك لهم حرية تشكيلها من وقائع نضاله.
اليوم، الحزب يسير على دروب مختلفة، تسبقه بروباغندا متلعثمة لتبرير أعماله، ولن تستطيع. الحزب يقاتل تكفيريين في القصير؟، كيف يقتنع السوريين الذين يعرفون أولادهم وأبناء جيرانهم وحواريهم وقراهم ومدنهم؟، هؤلاء سيزدادون إيماناً بظلامية سلوك الحزب وظلمه لهم، وسيرسخون إيمانهم قناعة للمستقبل. فمن يكسب ويخسر” حزب الله” في حربه السورية؟.
ربما من حق الحزب أن يدافع عن خطوط إمداده، وعما يعتبره عمقه الإستراتيجي، ولا أحد ينكر أن الحزب يمر بمرحلة إستراتيجية دقيقة، لكن هذه المرحلة أيضاً كانت تتطلب من ” حزب الله” قراءة إبداعية لإحتمالات المرحلة وأفقها ومألاتها، للممكنات والفرص والمخاطر، طالما أن السياسة ميدان المتناقضات والمتغييرات، والكيانات السياسية، دولاً كانت أم تنظيمات، تتراجع عندما تفقد القدرة على فهم التغييرات السياسية وقراءتها والتكيف مع مقتضياتها، وقد تضمحل وتذوي أيضاً، مكب التاريخ مليئ بحطام كيانات تخلفت عن واقعها.
قد يكون من المبالغة بمكان القول أن مصير ” حزب الله” يحدده موقفه من الثورة السورية، هذا إستنتاج متسرع وغير واقعي، الحزب يملك شروط بقاءه وإستمراره في داخل بيئته والواقع اللبناني، بعيداً عن سورية، بنظامها وثورتها. لكن من قال أن كل حزب موجود مؤثر، ثمة أحزاب كثيرة فقدت تأثيرها ففقدت معه فعاليتها، وشيئاً فشيئاً أنتجت بيئاتها بدائل أكثر قدرة على التأثير والفعالية، ” حزب الله” ذاته هو أحد تلك التحولات يوم كانت ” حركة أمل” وحدها تسيطر على البيئة التي خرج منها الحزب، ثم أن احزاب كثيرة موجودة على الساحة العربية ولها حضور ووجود في مؤسسات الدول والبرلمانات والنقابات، لكنها ذات طابع محلي لا أكثر، وثمة أحزاب تدعي المقاومة وأيديولوجيات راديكالية، لكنها تذوي وتضمحل” الإخوان المسلمين” ” حزب الدعوة العراقي” ” حزب التحرير”، هذه كلها كيانات فقدت زخمها التاريخي وفقدت معه روح المبادرة، ” حزب الله” يسير إلى هذه الوضعية، التنميط أولاً، ثم التهميش.