حزب بهدايا كثيرة/ حـازم صـاغيـّة
حين كانت أنظمة الاستبداد العربيّة تعطّل كلّ حياة سياسيّة في بلدانها، جاعلة الموقف من إسرائيل “السياسة” الوحيدة الممكنة والمقبولة، تلقّى “حزب الله”، بوصفه طرفاً يقاوم إسرائيل، هديّتين كبريين: واحدة من النظام الاستبداديّ السوريّ، وهو المُنتج الأكبر لنظريّة إماتة الداخل ونفخ الصراع مع الخارج، وأخرى من الثقافة الشعبيّة العربيّة التي كان مجرّد ذكر كلمة “مقاومة” يُسكرها ويُفقدها ما تبقّى لها من صواب.
أمّا الهديّة الأولى فجسّدها التكريس السوريّ لموقع الحزب المذكور في الحياة اللبنانيّة العامّة، منذ توقيع اتّفاق الطائف في 1989 حتّى اغتيال الرئيس رفيق الحريري والانسحاب السوريّ في 2005. وأمّا الهديّة الثانية فثبّتت “حزب الله” في خانة المقدّس وعمّمت صور أمينه العام على مدن العالم العربيّ، إن لم يكن على بيوته أيضاً.
وحين بات “حزب الله” في وقت لاحق طرفاً معزولاً، تقف في مواجهته أكثريّة تقارب ثلاثة أرباع اللبنانيّين، قدّم له ميشال عون هديّة لا تُقدّر بثمن. هكذا مُدّت للحزب، في كنيسة مار مخايل بالشيّاح، أسباب حياة جديدة باتت تُعرف بـ “وثيقة التفاهم” بينه وبين “التيّار الوطنيّ الحرّ”.
ثمّ مع الثورة السوريّة التي كشفت زعم “مقاومة إسرائيل”، وبيّنت أنّ قضيّة الحزب لا تمتّ بصلة إلى ما يدّعيه، قدّم تنظيما “النصرة” و”داعش” هديّة أكبر لحزب الله. ذاك أنّ الحركتين الإرهابيّتين هاتين أقنعتا البعض بأنّ مشاركة الحزب في الحرب السوريّة شيء منفصل عن عنفهما المجنون، لا بل ذهب بعض آخر إلى أنّ تلك المشاركة تحدّ من خطورة الحركتين المذكورتين، وهي الفكرة نفسها التي أراد الحزب تعميمها ونشرها على أوسع نطاق ممكن. وأبعد من هذا، أنّ الأقلّيّات عموماً تضاعف استعدادها إمّا لمبايعة الحزب والوقوف وراءه (في حالة الشيعة)، وإمّا لإيجاد أسباب تخفيفيّة له (في حالة المسيحيّين). ودائماً، وإلى جانب الاعتبارات تلك كلّها، صغر عنف الحزب قياساً بالعنف الوحشيّ الذي تمارسه “داعش” صلباً وذبحاً.
وجاءت هذه الهديّة ملفوفة بأوراق التحوّل الإقليميّ والدوليّ، تحت وطأة صعود “داعش”، حيث لم تعد إيران الطرف الذي يعتبره الغرب مصدر التهديد الأساسيّ.
لكنّ الهديّة الأكبر، والتي لا سبيل حتّى إشعار آخر إلى التعامل معها، فهي المسألة الطائفيّة نفسها. وهذا خطّ يمتدّ من شعور الجنوبيّين المزمن بالظلامة والحرمان إلى الفشل الوطنيّ حيال نشأة المقاومة الفلسطينيّة في لبنان واستجلابها الويل الإسرائيليّ على الجنوبيّين الشيعة، الأمر الذي بلغ ذروته مع احتلال 1982 الذي دام 18 سنة. وهذا إذا كان صحيحاً دائماً وعموماً، فهو ما بات أكثر صحّة في ظلّ الانبعاث الطائفيّ الراهن والبالغ الاستفحال الذي كان لحزب الله يد طولى في بلوغه.
لقد التقت الوقائع والمفارقات والصدف معاً عند تقديم الهدايا لحزب يُفترض أنّ صلته بالله لا تحوجه إلى هدايا.
موقع لبنان ناو