حسان عباس: المواطنة أساس قيام دولة مدنية ديمقراطية في سوريا
“الرابطة السورية للمواطنة” تجمع مدني طوعي يؤمن بأن أي شكل ستنتهي إليه الأزمة السورية لن يقوى على بناء الدولة المدنية الديمقراطية ما لم يقم على أساس المواطنة. DWعربية التقت الناشط المدني حسان عباس للحديث عن هذه الرابطة.
DWعربية: ما هو عمل الرابطة السورية للمواطنة وما الذي يميزه؟
حسّان عباس: بداية أود القول إنه وعلى عكس كل التيارات الأخرى والمنظمات التي تتخذ المواطنة كأساس لعملها نختلف نحن عنها بأننا لا نفهم المواطنة كمفهوم سياسي وحسب كما يفعل الآخرون، بل ننطلق في عملنا من تعريف المواطنة على أنها وضع يتميز بعلاقات على ثلاثة مستويات: المواطن والدولة، المواطن والمواطن، المواطن والفضاء الذي يعيش فيه.
الآن سوريا تمر في مرحلة مخاض، وسينتهي هذا المخاض إلى شيء جديد. هذا الشيء الجديد ستكون المواطنة فيه ضرورة، لذا يتركز عملنا على المساهمة في تربية جيل من الشباب الذين سيحملون سوريا المستقبل على أكتافهم وتربيتهم على أصول المواطنة.
ما هي المشاريع التي تتصدر أولويات عملكم على الأرض؟
بدأنا أولا بمشروع المعرفة بسبب العوز في ثقافة المواطنة، والآن نحن بصدد نشر أولى أعمالنا، وقيد الطبع دليل عملي للمواطنة لنقل المفهوم من القيد النظري إلى القيد العملي وتدريب مدربين عليه ليتمكنوا من تدريب آخرين وهكذا.
عقدنا ندوات حين كنا في دمشق، وكان عدد المشاركين فيها يتراوح بين 8 إلى 150 شخصا، ولكن خطورة الوضع في دمشق فرضت مشاركة عدد صغير في الندوات. وهناك مشروع سينما عبارة عن نادي سينما هو استمرار للمشروع القديم مع الشهيد باسل شحادة.
برنامج مهم آخر مرتبط بالمستقبل هو برنامج التمكين للشباب وقد أقمنا ورشات عمل حول الدعم النفسي للعائلات والعدالة الانتقالية ورصد انتهاكات المواطنة. أما برنامج الإعلام فلدينا موقع على الانترنت سينطلق قريبا، في حين صفحة الرابطة على الفيسبوك متوقفة حالياً بسبب تعرض القائمين عليها للضغط من الأجهزة الأمنية في دمشق.
ولكن تزايد العنف وتزايد عدد النازحين فرض علينا أن ننقل همنا الأساسي نحو مساعدة الناس فاشتغلنا في قضايا الإغاثة. أخيراً هناك برنامج العدالة الانتقالية وهو برنامج لثلاث سنوات نتطلع خلالها لتدريب 200 شاب وشابة على أسس صناعة العدالة الانتقالية.
حسان عباس “الوضع الذي وصلنا إليه اليوم وضع محزن ولا أريد أن أرش فوق الموت سكراً”
المواطنة هي الحل
شعاركم “المواطنة هي الحل”، ما مدى فعاليته وإلى أي مدى يمكن البناء عليه في سوريا اليوم؟ مع الأخذ بعين الاعتبار تزايد العنف وازدياد التوجهات الطائفية بين مكونات المجتمع؟
في الحقيقية تتأكد صحة هذا الشعار يوما بعد يوم، بسبب نشوء حالات لا يمكن أن تحل إلا بالمواطنة ومثالي على ذلك: في سوريا كنا نتحدث عن وحدة المجتمع، بمعنى أنه لا يوجد فرق بين الطوائف والأقوام وأننا كلنا سوريون.
وهذا كان صحيحاً إلى حد كبير ولكن وبنفس الوقت كانت هناك شروخ بين المكونات حتى وإن لم تكن عميقة، فحالات الزواج بين الطوائف عديدة، إلا أن عددا منها لم يستمر بسب الاختلاف الطائفي، وهذا ناتج عن حاسة بين الطوائف بسبب أحداث وقعت في القامشلي والسويداء وقرى مصايف.
المشكلة في سوريا هي أن الحكومة لم تقم بدراسة آلية إدارة التنوع باستثناء استخدام هذا التنوع لغايات سياسية للتغني بالتنوع الثقافي، وكل آليات إدارة التنوع كانت آليات أمنية أو آليات اعتباطية.
المواطنة ترفض المحاصصة الطائفية، ولكن نعرف أن المحاصصة كانت موجودة في سوريا. إضافة إلى أن المدرسة، والتي تعتبر مصنع المواطنة الأول، لم تقم بذلك الدور بسبب مادتين هما التربية الدينية والتربية القومية، فالتربية الدينية تفصل بين الطلاب المنتمين لأديان مختلفة وبالتالي يصبح الآخر المجهول عدوا.
أما مادة القومية الاشتراكية فتتعامل على أن كل السوريين عربا، وبالتالي غيبت القوميات الأخرى الموجودة في سوريا كالأكراد والأرمن والجركس.
هل لازال المجتمع المدني في سوريا موجود بالزخم الذي بدأ فيه بالعمل منذ اندلاع الاحتجاجات في عام 2011 من حيث نشوء منظمات غير حكومية في مجالات متعددة وهل ما زال قادرا على العمل بفعالية اليوم؟
المجتمع المدني في سوريا المعاصرة مرّ بأربعة أجيال: الأول ممتد بين 1970 – 2000 وهو جيل “تبعيث” المجتمع المدني. فحافظ الأسد لم يلغ المجتمع المدني وإنما بعّث المجتمع إلى مجتمع يدافع عن السطلة ضد المجتمع في حين وجب أن يكون العكس هو الصحيح.
والجيل الثاني ممتد بين 2000 – 2011 والذي ظهر فيه أشكال جديدة من التنظيمات والتي كان أبرزها منظمات السيدة الأولى أو بمعنى آخر “المنظمات الحكومية غير الحكومية” إضافة لهامش من الحرية لعمل بعض منظمات المجتمع المدني في قضايا كالبيئة والثقافة والمرأة.أما الطور الثالث فهو الذي نشأ مع بداية الانتفاضة في 2011 والذي تشكل تلقائياً وبشكل حقيقي للمجتمع المدني.
لكن عنف السلطة وتحول الانتفاضة إلى صراع بين ميليشات ذات طابع ديني حال دون تطوره ولم يبق له مكان في هذا الصراع، فالجيل الثالث ظهر بشكل كبير وتطور إلا أنه أخذ ينحسر أو يهاجر دون التخلي عن واجبه السوري.
الآن المجتمع المدني في طوره الرابع الآخذ في التفكير بالمستقبل، فرابطة المواطنة السورية تنتمي للجيل الثالث، ولكن عملنا الأساسي ينتمي للجيل الرابع.
A Syrian family walks past a blast site in the town of Reyhanli of Hatay province near the Turkish-Syrian border May 12, 2013. Twin car bombs killed 43 people and wounded many more in a Turkish town near the Syrian border on Saturday and the government said it suspected Syrian involvement. The bombing increased fears that Syria’s civil war was dragging in neighbouring states despite renewed diplomatic moves towards ending two years of fighting in which more than 70,000 people have been killed. The bombs ripped into crowded streets near Reyhanli’s shopping district in the early afternoon, scattering concrete blocks and smashing cars in the town in Turkey’s southern Hatay province, home to thousands of Syrian refugees. REUTERS/Umit Bektas (TURKEY – Tags: POLITICS CIVIL UNREST) حسان عباس: “شبابنا يفقد مستقبله والأقل شباباً يفقدون تاريخهم”
هذا يقودنا للقول إن المجتمع المدني لا يستطيع أن يعمل بشكل طبيعي فهو تحول بشكله وأهدافه بكثير من الأحيان بسبب الصعوبات التي يواجهها ليس فقط من الأجهزة الأمنية وقرارات الدولة التي كانت تمنعه وتخنقه، وبات يواجه خطراً آخر أيضاً وهو أن القوى التي تسيطر على كثير من المناطق هي قوى لا تريد وجود المجتمع المدني، إنها قوى ذات مشروع ديني مركزي وشديد السلطوية ولا يختلف عن الاستبداد الذي قمنا ضده، ربما يختلف عنه في المضمون لكن في الشكل هو استبداد.
والمجتمع المدني يعرف أنه لم يقم بثورته ضد الاستبداد المؤسس لاستبداله باستبداد همجي أو استبداد رجعي أو فوضوي بل قام بانتفاضته من أجل الحرية.
فصل الدين عن الدولة
نفهم من كلامك أن المجتمع المدني بناشطيه ومشاريعه ومنظماته في سوريا في انحسار بسبب القمع أو الهجرة، هل يمكن أن يؤدي هذا إلى أن يخسر المجتمع المدني من شعبيته لعدم مواكبته الأحداث من داخل البلد بسبب الهجرة للخارج؟
أتفق مع هذا الكلام إلى حد كبير وأؤكد أن المجتمع المدني خسر من خيرة شبابه الكثيرين سواء من استشهد منهم أو من يعيشون في السجون ولا أستطيع هنا إلا أن أذكر الصحفي مازن درويش.
ولكن هذه التلقائية في بناء المجتمع بعد بداية الانتفاضة وحتى الهجرة لخارج البلد كانت نافعة وليست ضارة بسبب الاحتكاك مع المنظمات العالمية والمجتمعات الغربية التي تعيش فيها فكرة المدنية والمواطنة.حسان عباس:
حسب رأيك فإن شرط تحقيق المواطنة هو وجود دولة علمانية، لذا يغضبك استخدام المعارضة السورية لكلمة دولة مدنية عوضاّ عن دولة علمانية، ألا تعتقد أن هذا الطرح هو محاولة لإيجاد حل وسط مع الطرف الآخر الديني المعارض؟
العلمانية فكر وممارسة، العلمانية كفكر هي العلمانية الموروثة من الثقافة الفرنسية بمعنى أنها شكل من أشكال التفكير حول العالم. هذه العلمانية غير مهم أن تكون أو لا تكون في سوريا المهم أن تكون العلمانية الأخرى هي الموجودة أي العلمانية الممارسة وهي العلمانية الموروثة من الثقافة الإنجليزية والتي تعني الفصل بين الدين والدولة.
كما أنه ليس صحيحاً أن سوريا خاضعة للهيمنة الدينية وإنما تخضع لهيمنة الثقافة العلمانية، ومثال على ذلك الحرية الاجتماعية التي تتمتع بها النساء في سوريا وهي ليست موجودة ضمن هيمنة ثقافة دينية، وكذلك حرية التعامل بين الجنسين وحرية التعامل مع الدين والمعتقدات.
طبعاً القيادات الدينية تستخدم تعبير الدولة المدنية لأن ذلك يرضي العلمانيين ويسمح للتيارات الدينية في حال وصلت للسلطة مستقبلاً أن تشتري سكوت العلمانيين بمصطلح مشترك. وشاهدنا ما حصل بمصر، لكن في الحقيقة لا الإخوان المسلمين ولا التيارات الدينية في سوريا ترى في المدنية علمانية الدولة ولا ترى التيارات العلمانية في المدنية ما يراه الإخوان المسلمين.
كيف يمكن إذن أن يتوفر مجتمع مدني فعّال في سوريا بعد سقوط النظام؟
الحرية أولاً، وأعني هنا الحرية المدنية في العقد الاجتماعي أي الحرية باستخدام الحقوق التي يمنحها القانون. هذا هو المطلب الأول لكي يعيش المجتمع المدني ليكون له حرية التعبير وحرية التجمع والتظاهر والعمل والمساواة في القانون، خاصة أن القانون السوري جائر.
إضافة لوجود شكل من أشكال الحرية الاقتصادية، فالمجتمع المدني لا يمكن أن يتطور بدون هذه الحرية الاقتصادية، كالحق في الحصول على تمويل وتشكيل صناديق دعم لبعض قطاعات الحياة كالثقافة مثلاً.
U.S. Secretary of State John Kerry (R) speaks during the London 11 countries Friends of Syria meeting in Doha June 22, 2013. Western and Arab opponents of Bashar al-Assad met in Qatar on Saturday to tighten coordination of their stepped up support for rebels battling to overthrow the Syrian president. REUTERS/Mohammed Dabbous (QATAR – Tags: POLITICS CONFLICT) الاجتماع الأخير لأصدقاء سوريا في قطر
تدويل الصراع
ما هي نقاط القوة المتبقية في المجتمع المدني السوري حتى الآن والتي يمكن البناء عليها مستقبلا؟
أنا لازلت أراهن على إخلاص السوريين لوطنهم، ولا يمكنني أن أصدق أن هؤلاء الذين يخربون سوريا اليوم يفعلون ذلك بإرادتهم أو كمشروع مستقبلي لتقسيم البلد، أظن أن خراب سوريا اليوم بسبب تحول الصراع من صراع وطني سلمي إلى صراع دولي.
السوري يؤمن بانتمائه وبإمكانية بناء سوريا وهذا أول مقوّم إيجابي. ثانياً التاريخ السوري هو تاريخ متصالح: لم نعرف حركات تطرفية في تاريخ سوريا، حتى أن أئمة الإسلام المتطرفين لم يستطيعوا العيش في سوريا لذلك ذهبوا لدول أخرى وأسسوا المذاهب المتشددة. سوريا بموقعها الجغرافي وتكونها الحضاري وتنوعها الثقافي لا تستطيع إلا أن تكون بلداً منفتحاً.
هل أنت متشائم مما يحصل اليوم في سوريا؟
الوضع الذي وصلنا إليه اليوم وضع محزن ولا أريد أن أرش فوق الموت سكراً، نحن نفقد أصدقاءنا وبيتنا وأرضنا، وشبابنا يفقد مستقبله والأقل شباباً يفقدون تاريخهم. أنا كشخص حين أجد أن كل شيء يدفع للتشاؤم أسأل نفسي مامعنى وجودي في الحياة إذا كنت أرى كل الأشياء سوداء فالأفضل أن أموت، ولكن لاأريد أن أموت إذ، لابد من بناء الأمل. التشاؤم برأي أمر طبيعي ولكن التفاؤل أمر إرادي، ولكنني رغم تشاؤمي قليلاً إلا أنني مواطن يصنع التفاؤل.
أجرت الحوار: رولا أسد، هولندا