حسن عبد العظيم: الداخل أولاً
بشير البكر
حسن عبد العظيم أحد أهم الوجوه السياسية المعارضة على الساحة السورية. تزعم الحركة الناصرية بعد رحيل الدكتور جمال الأتاسي سنة 2000، وواصل السير على خط التحالفات الحزبية في «التجمع الوطني» و«إعلان دمشق»، وتولى أخيراً موقع المنسق العام لـ«هيئة التنسيق الوطني»، التي تمثّل اليوم ائتلافاً علنياً واسعاً للمعارضة الحزبية والمستقلين، وهو يمارس عمله من الداخل
ساد الظن، خلال الفترة الأولى من الانتفاضة السورية، أن يؤدي حسن عبد العظيم (أبو ممدوح) دوراً بارزاً في عملية الإصلاح التي أعلن الرئيس السوري بشار الأسد نيته القيام بها. لكن هذا الاعتقاد لم يدم طويلاً، وسرعان ما سقط وسط غمرة الحل الأمني، واعتُقل في 30 نيسان الماضي ليكون الزعيم الوحيد من قادة الصف الأول المعارض الذين دخلوا السجن مثل آلاف الناشطين. والسؤال هو: لماذا رشّحت بعض الأوساط حسن عبد العظيم؟ وأي دور كان في وسعه القيام به لو كان الحكم جاداً في رؤيته الإصلاحية؟
هناك جملة من الأسباب تجعل من عبد العظيم إحدى الشخصيات المؤهلة لوضع أسس مرحلة انتقالية تنتهي بسوريا إلى حكم ديموقراطي بالتشارك، من خلال إجراء إصلاحات فعلية تنخرط فيها قوى المعارضة والشارع الذي يتظاهر منذ 15 آذار الماضي، مثله مثل ميشيل كيلو ورياض الترك.
والسبب الأول أن عبد العظيم يعيش داخل سوريا، لا خارجها، وهو معروف من طرف الشارع والحكم في الوقت نفسه، وتربطه علاقات واسعة في الاتجاهين، ويحوز ثقة الطرفين. والسبب الثاني أنه صاحب رؤية إصلاحية معتدلة، وهو أحد الزعماء الذين لم يستهوهم شعار إسقاط النظام حتى اليوم، بل إنه من دعاة الحوار معه، وعبّر عن ذلك صراحة. ورغم أن حزبه منخرط بقوة في عمل التنسيقيات، وبرزت قوته على نحو خاص في ريف دمشق، فإنه ظل يرى في الحوار مخرجاً مناسباً، وتمكن من تكتيل تيار واسع من معارضي الداخل إلى جانب هذا الموقف. وتجلى ذلك من خلال الطرح الذي تبناه مؤتمر سميراميس الذي عُقد في 27 حزيران الماضي وانتهى إلى إنشاء «هيئة التنسيق الوطني»، التي حضر اجتماعها نحو 200 شخصية معارضة ومستقلة، ولقيت نتائج عملها مباركة واسعة من المعارضين في الداخل والخارج، وأيدتها التنسيقيات في صورة واضحة. والسبب الثالث هو أن النظام لا يريد أن يتحاور مع قوى إسلامية منظمة، وتحديداً الإخوان المسلمين، وهذا ما يفسر تصلبه أمام الطروحات التركية التي تضع دور الإخوان المسلمين في مقدمة الشروط غير المعلنة التي يجب على الحكم السوري أن يلبيها لكي تعود المياه إلى مجاريها. ويعود رفض الحكم للإخوان المسلمين إلى أسباب قديمة وراهنة. في الماضي، هناك مواجهات نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات، وفي الحاضر هناك ركوب الإخوان لموجة التغيير التي تعبر المنطقة العربية، حيث يحاولون أن يؤدوا فيها دوراً رئيسياً بدعم تركي أميركي خليجي. وهناك اقتناع راسخ داخل الحكم السوري يتمثل في أن فتح باب المشاركة للإخوان المسلمين يعني بداية التنازل عن السلطة، في حين أن الشخصيات المعارضة الأخرى لا تثير مثل هذا الخوف، بل على العكس يمكنها أن تمد جسراً مع قطاعات واسعة في الشارع بكافة حساسياته المعارضة الإسلامية والعروبية والعلمانية. واحد هو من يستطيع أن ينهض بهذا الدور، هو عبد العظيم، الرجل الذي يتسم بالوسطية والاعتدال وبدفاعه عن الإصلاح والانتقال الهادئ إلى الديموقراطية. وهناك أوساط مراقبة ترى أن الفرصة لا تزال متاحة لكي يتولى شخص مثل عبد العظيم دوراً بارزاً في وضع أسس الإصلاح الفعلي، لأنه يحظى بإجماع المعارضة وبالتفاف شعبي، ولا يثير مخاوف الحكم في الوقت ذاته.
عبد العظيم صاحب تاريخ مديد في العمل المعارض، وهو معروف عنه العمل بصمت ومن دون استعراضية، وبرز في أواسط الستينيات حين شارك مع الدكتور جمال الأتاسي في تأسيس حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديموقراطي، الذي أخذ على نفسه العمل على إعادة الوحدة مع مصر. واكتسب هذا الحزب زخماً كبيراً، واستمد شعبية بفضل الشخصية الكاريزماتية للدكتور الأتاسي، طبيب علم النفس اللامع، والقيادي المؤسس في حزب البعث. ولأن الأتاسي عبّر عن رؤية جديدة في فهم العروبة والناصرية، فإنه ابتعد عن حزب البعث واستقال من منصب وزير الثقافة في الحكومة سنة 1964، واقترب أكثر من الفكر القومي المنفتح على الماركسية الذي بشّر به المفكران اللامعان ياسين الحافظ وإلياس مرقص. ولأن الأول غادر سوريا، فإن الصلة بقيت قوية بالثاني، وعدّه الأتاسي أحد أهم المشخصين لعلة رافضي الفكر العروبي القومي.
وتمكن الدكتور الأتاسي من أن يمد جذور الحزب بعيداً في الشارع الناصري من جهة، ومن جهة أخرى مع قوى المعارضة، وكان انسحابه من «الجبهة الوطنية التقدمية» سنة 1973 تعبيراً صريحاً عن رفضه احتكار حزب البعث للسلطة، وتحويل المعارضة إلى ديكور سياسي. وعمل على تفعيل عمل المعارضة، وكان يتناغم في صورة أساسية مع زعيم الحزب الشيوعي الذي قاد الانشقاق عن خالد بكداش، رياض الترك، وتوصلا في سنة 1979 إلى تأسيس «التجمع الوطني الديموقراطي» الذي ضم ستة أحزاب سياسية ذات صبغة عروبية تقدمية هي: الحزب الشيوعي ـــــ المكتب السياسي (الترك)، حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديموقراطي، حزب العمال الثوري، حركة الاشتراكيين العرب، حزب البعث العربي الديموقراطي (جماعة 23 شباط)، حزب العمل الشيوعي.
عبد العظيم متقدم في السن، ولكنه ليس عجوزاً على المستوى السياسي، وهو من مواليد حلبون «منطقة التل» سنة 1932، درس الحقوق في جامعة دمشق، وكان من بين الدفعات الأولى التي مارست المحاماة في سنة 1957، وعرف عنه نشاطه في أوساط التيار القومي الوحدوي، ووقوفه في صف المعارضين للانفصال بين سوريا ومصر عند وقوعه في صيف 1961. وظل فعالاً داخل صفوف الحركات اليسارية القومية حتى انضم إلى حركة الوحدويين الاشتراكيين التي كان يتزعمها فائز إسماعيل، ثم تركها بعد قيام الاتحاد الاشتراكي العربي، الذي تشكّل من عدة حركات وحدوية برئاسة جمال الأتاسي في أواسط تموز 1964.
وظل عبد العظيم عضواً بارزاً في الاتحاد الاشتراكي العربي، وتقلد وظائف حزبية عليا هي: بعد المؤتمر السابع للاتحاد الاشتراكي العربي المنعقد عام 1985 أصبح نائباً للأمين العام، ثم انتخب أميناً عاماً مساعداً في المؤتمر العام الثامن المنعقد في 21 آذار 2000، وانتُخب لموقع الأمين العام بعد وفاة جمال الأتاسي، وأصبح الناطق الرسمي باسم التجمع الوطني الديموقراطي المعارض منذ أيار 2000، ثم شارك إلى جانب رياض الترك في تأسيس «إعلان دمشق» سنة 2005، ولكن هذا التجمع الذي كان واعداً على صعيد إحياء العمل المعارض، لم يتمكن من تفعيل نشاطه بسبب ما تعرض له من حملة اعتقالات، طاولت رموزه من أمثال رياض سيف وفداء حوراني وميشيل كيلو وأنور البني.
عبد العظيم عاد إلى الواجهة أخيراً، حيث أدى دوراً بارزاً في توجيه الحركة الاحتجاجية في ريف دمشق. وينقل العارفون بتطورات الوضع أن الحزب يشارك بفاعلية في نشاط التنسيقيات في ريف دمشق، التي تُعَدّ حالياً ثاني أسخن بؤرة بعد حمص. وحدد عبد العظيم بوضوح موقفاً معارضاً هو الأكثر تكاملاً حتى الآن من بقية أطراف المعارضة في ما يخص الحوار مع السلطة، والعلاقة بين معارضة الداخل والخارج. وعشية انعقاد مؤتمر سميراميس، بلور عبد العظيم في سلسلة من الأحاديث الصحافية رؤية متكاملة أو ما يشبه خريطة طريق للخروج من الطريق المسدود الذي تسير فيه سوريا، وانعكس ذلك في الوثيقة السياسية لـ«هيئة التنسيق الوطني» التي أقرتها الهيئة العامة، والتي رأت أنه «لا بد من أن تتوافر البيئة المناسبة والظروف المواتية من أجل أي لقاء تشاوري لحل الأزمة الوطنية، وهي سحب الجيش والأمن، ووقف العنف وإطلاق النار على المتظاهرين، ووقف عمليات القتل والاعتقالات، وتغيير لهجة الإعلام الذي يتهم الانتفاضة الشعبية بأنها مؤامرة وفتنة، والذي يمارس التحريض». ولا بد أيضاً «من إطلاق سراح السجناء السياسيين وكل معتقلي الرأي، سواء خلال الانتفاضة أو قبلها، ولا بد من الاعتراف بالأزمة وضرورة حلها، وأن يكون هناك مؤتمر وطني عام يُدعى إليه لوضع أسس مناسبة لحلول دستورية وتشريعية تهدف إلى حل الأزمة وطنياً». ويرى عبد العظيم أن ما تتحدث عنه السلطة «ليس حواراً، بل تغطية للحلول الأمنية والعسكرية. لا يمكن إجراء حوار تحت هذه الظروف، وفي ظل الاعتقالات واقتحام المدن مثل حماه، وإطلاق النار وسقوط قتلى. هذا تغطية للحلول الأمنية من جهة، ولتوجيه رسالة إلى الخارج الإقليمي والدولي من جهة ثانية، بأن النظام يمارس حواراً مع المعارضة، وهذا ليس حوارنا على الإطلاق». ورأى أنه «ليس هناك مناخ، وليس هناك حوار جدي. الحوار الجدي لا يكون بممارسات أمنية وعسكرية. الحوار الجدي يحتاج إلى قوى سياسية وإلى اعتراف بالمعارضة الوطنية وقواها، وإلى حوار ندّي وحقيقي للخروج من الأزمة. هذا يحتاج أولاً إلى وقف الحلول الأمنية». ولخص هدف المعارضة بـ«التغيير الوطني الديموقراطي الشامل والكامل على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما فيها تغيير الدستور». وعن مؤتمرات المعارضة وتحركاتها في الخارج، حدد موقفاً واضحاً بقوله أكثر من مرة إن «المعارضة الوطنية في الداخل هي الأساس عندما أنشأنا هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديموقراطي… قوى المعارضة في الخارج تتبع تلك في الداخل، وهي جزء منها. المعارضة تعمل جهدها لتوحيد الأجندتين من طريق التنسيق الوطني الديموقراطي في هيئة التنسيق».
على الطريق ذاته، وبالزخم نفسه، سارت «هيئة التنسيق الوطني» طوال الأشهر الماضية. ورغم المصاعب اللوجستية وتعقيدات الموقف العام، عقدت مؤتمرها الثاني في «حلبون» يوم أول أمس، وشارك فيه نحو 200 شخصية إلى جانب عبد العظيم، وبحضور رموزها الأساسيين من أمثال ميشيل كيلو وحسين العودات وفايز سارة. وفي ظل شعارات «لا للطائفية» و«لا للتدخل الأجنبي» و«لا للعنف»، أكد عبد العظيم رؤية واضحة لـ«هيئة» في «التغير الوطني الديموقراطي»، وأنها تسعى إلى «تفكيك شمولية النظام وإسقاط نهجه الاستبدادي والفساد وبناء نظام ديموقراطي ودولة مدنية حديثة».
الأخبار