حسن نصر الله – وغربتنا عن السياسة
خولة دنيا
من البارحة وبعد سماع خطاب حسن نصر الله، وأنا أرى ردات فعل إما مستهجنة من الأصدقاء الذين كانوا دائماً يفخرون بالمقاومة وسيدها، أو شامتة ممن كانوا يقفون ضدها…
هنا للأسف أرى أن مثل هذين الموقفين لا يعبران عن نضج سياسي، وهذا طبيعي برأيي في بلد كسورية يفتقد للسياسة، وافتقدها خلال ثلاثة عقود تمت فيها مصادرتها من جملة ما صودر منا، فأصبح كل من يتجرأ ويدخل غمارها محارباً ولقد عرفنا ورأينا كيف دفع الآلاف من أبناء شعبنا ثمن تجرؤهم على السياسة التي بقيت لزمن طويلة محتكرة في أروقة النظام وتمشي حسب أجنادته..
عودة إلى الخطاب، لا أريد أن أناقش هنا ما ورد فيه فهذا ليس ما أريد خوضه الآن، ولكن ماأريد التأكيد عليه أن سيد المقاومة كان سياسياً بامتياز.. كما كان خلال العشرين سنة الفائتة، ومازال، ومن الطبيعي أن يتخذ الموقف الذي يراه مناسباً لحركته وحركة حزبه، وهو الذي رأى في النظام السوري داعماً ومؤيداً خلال زمن طويل.. وبهذا المعنى لم يخرج منه إلا مايفترض أنه متوقع.. أي العمل حسب أجندة المصالح الخاصة بالحزب، وبهذا المعنى فهو سياسي بجدارة يجب احترامها والتعلم منها…
أما مشكلتنا نحن فأننا عاطفيون ونريد أن نسقط مشاعرنا وأمنياتنا على واقع قد لا يسير حسب مانريد، ونحن بهذا نحمل الآخر عاطفياً ولا إرادياً ما يتوافق مع أمنياتنا هذه، فنريد من حسن نصر الله أن يتخذ موقفاً إلى جانب الحراك الشعبي السوري، وهو مالايتوقعه العقل..
الأجدر بنا هنا أن نرى مابين أيدينا ونتعامل معه حسب الوقائع…وحتى لا نبق مرهونين لأمنياتنا الطيبة… ومابين أيدينا للأسف لا يدعو للتفاؤل، فبين نظام فاسد كنا نتوقع أن يتعامل أيضاً بشكل حرفي أكثر وسياسي أكثر وهو ماعودنا عليه خلال العشرين سنة الفائتة، وما أكسبه ربما هذا الرضا الخارجي وهذه المكانة الخارجية، فنراه يتخبط وكأنه فقد كل أدوات حنكته وذكاءه في التعامل مع الحراك، مما أوقعنا بالمفاجئة كذلك. فلقد توقعنا منه خلال الأيام الأولى للحراك أن يقوم بخطوات لحل الأزمة ولكنه بالعكس أججها.. كما توقعنا منه في الأيام الأخيرة أن يقبل مبدأ الحوار ويقدم تنازلات تفيده قبل أن تفيدنا، ولكنه ايضاً بقي على تعنته وتجبره واختياره للحل الأمني ضارباً عرض الحائط بكل الأصدقاء الذين كسبهم خلال عقود.
والجهة الأخرى للكماشة التي تخنقنا هي معارضة بأطياف وتلاوين مختلفة، منها ماقد تسول له نفسه التوقيع على صفقات خارجية مستفيداً من دماءنا وتضحياتنا لتحقيق مكاسب قد لا تكون في صالح الشعب السوري وحراكه، ولا بصالح هذا الحراك الذي يتلمس طريقه بالدم والنار يوماً بعد يوم…
فما الحل؟
نحن العاطفيون المتأثرون بالكلمات الذين نريد أن نتعلم الكلام بالسياسة ودهاليز السياسة، وأجنداتها المكشوفة والمخيفة، وما قد تحمله لنا من مفاجآت قد تفرحنا أو تكسر ظهورنا… نحن ماذا نفعل؟
التمييز هنا ضروري ومحاولة الفهم ضرورية أكثر، فليس بالعواطف يمشي العالم، ولا مصالح الدول، ما يسيره هي مصالح متبادلة وأحياناً متناقضة، ويجب أن نعرف مصلحتنا أين تكمن ونعمل للوصول عليها، الأهم هو التمييز بين من يريد أن يتلاعب بنا وبين من له نيات صادقة لمساعدتنا وتقديم النصح لنا..
طوال عمري كنت أقول أن السياسة وسخة، نعم هي الرداء الوسخ الذين قد يغطي طموحاتنا وتضحياتنا ويجعلنا نقدم تنازلات أو نقبل بما لا يمكن القبول به إلا على طاولة مفاوضات مجبرين على الجلوس عليها، أو لا مناص من الجلوس عليها..
فليس غريباً أن تضطر المعارضة السورية الشريفة للجلوس على طاولة حوار مع نظام فاسد قتل شعبه، إن كان حل الأزمة يستدعي ذلك، أو على الأقل الخروج من الأزمة بمكتسبات وبعض التنازلات..
هكذا هي السياسة… ويجب أن نجد من يتقنها دون أن يتلاعب بنا وبدماءنا…
أما حسن نصر الله المقاوم العنيد، السياسي حتى العظم، فيدرس مصالحه ومصالح حزبه من موقعه ويعمل عليها، فلا تلوموه
بالعكس تعلموا منه، ولا تستغربوا قدوم يوم يكون فيه حليفاً بدل أن يكون حليف النظام
هكذا لعبة السياسة للأسف….
فقليلاً من الصبر.. وقليلاً من طول البال… ولنتعلم في أيام ما افتقدناه لعشرات السنين علّنا نحقق مصالح سورية، ونكون على قدر تضحيات أبناء سورية وثقتهم بنا…
خولة دنيا