حصار حلب الثاني: هل يعود «المعبر»؟/ نائل حريري
في زحمة الأخبار والاشتباكات والمؤتمرات الصحافية، لربما نسي الكثيرون أن حلب تحولت إلى مدينتين، حلب النظام وحلب المعارضة. مدينتان يفصل بينهما نظرياً شارع بطول 600 متر تقريباً، يعرف باسماء «معبر بستان القصر» و «معبر كراج الحجز» و «معبر الموت» وأحياناً على سبيل السخرية «معبر رفح».
عايش جميع أهالي حلب والمقيمون فيها قصصاً كثيرة ومؤثرة طيلة أشهر طويلة من أواخر 2013 وبدايات 2014، بينما رزحت «حلب النظام» تحت وطأة حصار قاسٍ فرضته جغرافيا الطرق البرية. في ذاك الشتاء ارتفعت أسعار المحروقات بنسبة 1200 في المئة وأسعار المواد الغذائية إلى ما يقارب 400 في المئة ضمن المدينة المختنقة. ولم يساهم المعبر إلا بتخفيف قليل من تلك المعاناة، إذ انقسم الأهالي إلى ثلاثة أقسام: الشجعان المخاطرون بحياتهم للمرور من ذلك المعبر من أجل «ربطة خبز» أو «كيلو بندورة»، والخائفون المحتاطون الذين يفضلون الابتعاد عن تجربة العبور، وبعض التجار المستغلين الذين يستأجرون أفراداً من المجموعة الأولى ويبيعون بأضعاف مضاعفة مستغلين خوف المجموعة الثانية.
وعلى رغم إعادة تأمين طريق «خناصر-أثريا» أو ما يسمى «طريق حلب العسكري» أواخر 2013، بقي ذاك المعبر المنفس الوحيد للعائلات التي انقسمت بين شطري المدينة، والموظفين الذين يقطنون في الشرق ويعملون في الغرب. وعلى رغم القنص والقصف واحتمالات الموت التي لا تتوقف، لم ينقطع أهالي حلب يوماً عن المرور ببستان القصر، مارين بحاجز للجيش السوري يليه بعد بضع مئات الأمتار حاجز للهيئة الشرعية التي تمثل الفصائل المعارضة، وعلى رأسها «حركة أحرار الشام» و «جبهة النصرة». وما إن أعلنت تلك الهيئة الشرعية إغلاق المعبر في شكل كامل في 15 نيسان (أبريل) 2014 حتى تحول مشوار مئات الأمتار هذا إلى رحلة تستغرق في أحسن الأحوال 12 ساعة، خروجاً من حلب الغربية عبر (الطريق العسكري) وصولاً إلى مدينة السلمية ثم عودة إلى حلب الشرقية. ومنذ ذاك التاريخ، بقيت للمعبر أهمية بالحد الأدنى تمثلت في بضعة اتفاقات وقتية لعبور بعض المرضى المزمنين بين الشطرين مرات عدة، وكذلك بضعة اتفاقات لتبادل عشرات الجثث بين الجبهتين المتحاربتين، باتفاقات موقتة بين «الهلال الأحمر السوري» و «حركة أحرار الشام».
لكن الظروف تختلف هذه المرة على أصعدة عدة، فمن ناحية أولى، يتوقع لهذا الصراع أن يستمر فترة طويلة نتيجة اعتماد الجيش السوري على التغطية الجوية الروسية التي تحدها الظروف الجوية، كما يبدو أن الضغط التركي لاستغلال هذه الظروف وحشد جميع الفصائل المعارضة ضمن غرفة عمليات واحدة لا يعني إلا استمرار الصراع حتى إشعار آخر. ثمة أيضاً ظروف اقتصادية مهمة تتعلق بمدينة حلب التي هجرتها مؤسسة الكهرباء قبل ثلاث سنوات تاركة إياها تحت وطأة الاعتماد شبه الكامل على المحروقات و «مولدات الأمبير»، ومع انتهاء المخزون تصبح المدينة بلا كهرباء ولا ماء تماماً ناهيك عن الاستهلاكيات والسلع المعيشية التي عادت تكرر سيناريو العام 2013.
حلب ليست قرية صغيرة ولا تملك بدائل أخرى، لذلك فإن اعتمادية المدينة وصمودها لن يدوما طويلاً قبل أن تغرق في جوع وعطش وظلام بلا أجل مسمى.
مع انقطاع طريق «خناصر-أثريا» ينقطع الطريق لا بين مدينة حلب وباقي المدن كحمص ودمشق فحسب، بل كذلك بين شطري المدينة الشرقي والغربي، مع وجود لاعب مشترك أساسي بين المنفذين الوحيدين هو حركة «أحرار الشام» التي تلعب دوراً أساسياً في اشتباكات الطريق العسكري ودوراً أساسياً آخر في السيطرة على معبر بستان القصر وتجميد الحركة فيه. ولن يطول الزمن قبل أن تعود هذه الصلة لتلقي بثقلها على النظام من جهة و «أحرار الشام» من جهة أخرى، للمطالبة بإيجاد حل للمأزق الذي نتج من قراراتهما وتحركاتهما، وإعادة فتح المعبر بين شرق حلب وغربها. وهو قرار ستعارضه بالتأكيد تركيا التي ضغطت بكل جهد على الفصائل المعارضة لتبنّي استخدام الليرة التركية بدل السورية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، في محاولة لتقسيم البلاد اقتصادياً، وعزل مناطق النظام عن مناطق المعارضة بلا رجعة.
* كاتب سوري
الحياة