حصان طروادة في حرب الغربان
لينا أبو بكر
لن يسقط الأسد، فهو ليس الهدف إنما القربان، ولن يسقط الأسد لأن أمركة المنطقة لن تكون في صالح المعسكر الروسي الصيني، وهذه هي حرب الرهان الأكبر، لذا لن تكون سورية عراقا أو ليبيا أخرى، بما أنها الحصن الروسي الأخير والأهم في المنطقة.
شروط اللعب بالنار لا تحتمل مبدأ التسويات التي تم طرحها تحت الطاولات بين القوى العظمى، في الحالة العراقية، حيث كانت الغورباتشوفية أول اختراق فعلي للمنظومة الأمنية للعراق، التي انهارت تماما حين خرجت روسيا من حلبة الصراع، الذي كان كفيلا بإطالة عمر النظام كأقل احتمال، لذا فأهم ركن من أركان الصمود والبقاء بالنسبة للبعثيين في الشام هو القبض على جمرة النزاع بين أباطرة الحرب بمحوريها الأمريكي والروسي.
حرب الشوارع، التي عادة ما تقودها التنظيمات المسلحة في المدن بدأت فعليا مع تصريحات صحيفة ‘هآرتس′ الاسرائيلية، التي نشرت خارطة المعركة القادمة ووزعت فيها مهام الحرب على سورية، حيث سيتم اختراق السماء الأردنية للقضاء على كيماوي الأسد، أما جبهة الجولان فمن المفترض أن يتولى الجيش الحر حمايتها من أية عملية محتملة ضد اسرائيل، التي ستعتمد على حرب شوارع متبادلة بين الجيش الحر ومقاتلي حزب الله.
لعبة الزحف والثبات إذن، مَرْجَحَة سياسية، لموازنة الهزيمة المزدوجة، والجولان ـ الجبهة المحجوبة وهي الأحــــوج إلى القتــــال من أجل الحرية ـ تدخل كجبـــهة احتياطية في تقرير ‘هآرتس′ لتمثل بؤرة للجيش الحر، يتمركز فيها بحركة دوران خلفية أشبه بالانسحاب!
منطقيا هذا التعايش السلمي مع العدو يؤجج المعركة على جبهة الكيد بين الإخوة الأعداء، وهو ما أثبتته قناة الميادين لما بثت تصريحات لمسلحي المعارضة على قنوات اسرائيلية يعربون فيها عن فرحتهم للضربة الاسرائيلية، وما بثته أيضا نفس القناة وقناة الجزيرة عن استخدام المسلحين غاز السارين المحظور دوليا، كله يكشف ماوراء الحقيقة، فلم تعد هناك ورقة توت، لأن ما تخفيه سقط، وتحولت الحروب إلى حفلات عراة بلا عورة!
جيش المعارضين وجيش الشبيحة يقتتلان منذ أكثر من عامين، ولم ينتصر أحد، لأن الحرب حرب استنزاف، والاستعراض الدموي فيها كان رهانا على المزيد من الخسارة للطرفين، بالمقابل هناك مهمات سياسية ودبلوماسية تم الترتيب لها وتفعيلها لهدف وحيد هو، الإخفاق في مهمتها، لأنها وُجدت لكي لا تتم، كمهمة الأخضر الإبراهيمي، وما المعارضة المسلحة إلا الوجه العسكري لها، والمجال الحيوي الوحيد الذي يبقى بعد حرب الإعداد التي تُشَكّل الإخفاقات المتعمدة والمطمطة أبرز إنجازاتها، هو الحرب الاسرائيلية على الجناح الغربي للهلال الخصيب.
في عملية التفاف عكسي، تتغير أوجه المعادلة، فدول المحور الجديد في حرب ‘المستعمرات’ هي التي تسيطر على صندوق مؤونة الحرب الاستراتيجية والنفسية والعسكرية، بقيادة المثلث التحالفي ، أمريكا، بريطانيا، فرنسا، وتخرج الجبهة الأنطاكية من قائمة الانتظار في حرب الردة السورية، بما أن تركيا أول الناجحين في إفشال المهام كما تقتضي خطة الحرب.
المعارضة التي يفترض بها أن تشكل سَرِيَّة الجيوش في حرب الإغارة الوهمية، أصبحت الآن في الصفوف الخلفية، والجيش الافتراضي لها دخل في المجال الواقعي هناك، أما المعركة المجازية فأصبحت الواقع الوحيد الذي يدعو للثأر من النظام بأعوانه!
وهنا لا يمكن أن يظل حزب الله طرفا مغيبا أو متفرجا في حلبة النار هذه، لأنه أساس الصراع، ولعبة عرائس الدمى بين دول خليجية كانت ملهاة لآلهة الأولمب كونها الحصان الخشبي لاختراق طروادة السورية في إلياذة الحرب المعاصرة.
حزب الله لم يقع في فخاخ الاستدراج إلى قيامة الخراب، لأنه لا يمكن أن تتكرر الهزيمة نفسها بنفس السطحية في كل مرة من تاريخ نكباتنا الانفعالية عبر العقود الطويلة من الصراع مع الكيان الاسرائيلي، الأمر كله منوط بتلقي إشارة البدء من قادة الحرب الحقيقيين، الذين يعكسون آليات الصراع على أرض المعركة من خلال تسخير أدواتهم فيها، وما خروج حزب الله من كواليس الحرب الميدانية لاقتحام المسرح الحقيقي إلا رضوخ لإملاءات القيادة الإيرانية، بما تقتضيه المصلحة الإيرانية أولا، وضرب القوة بالقوة، وهنا أيضا لا تكون اسرائيل طرفا في النزاع بقدر ما هي درع صد وحماية للمثلث الغربي. ومن يعود لخطاب الإسباني خوان كارلوس يستدل الى حقيقة التمسك بأمنها لحماية المصالح الغربية في الشرق، وتسخير الثروة العسكرية لها هو الشرط الذهبي لصون الأمن والمصلحة، أما المسلحون فهم يخضعون بالتأكيد في تحركاتهم وحتى أهدافهم العسكرية لتوجيه مباشر من هذه الجبهة بما تقتضيه مصلحتها أولا وأخيرا.
بدأت ساعة الصفر، وما هو متوقع أكثر من المتوقع، فسورية ساحة لتصفية حسابات إقليمية ودولية، واسرائيل تكرر الكارثة اللبنانية في سورية، فلو تحقق فعلا ما صرحت به حول الجيش الحر، ستكون المعارضة المسلحة دولة في داخل دولة مهشمة ممزقة تماما كدولة الكتائب اللبنانية.
سورية ستكون لبنان آخر، ونموذجا للدولة الكتائبية، وستبدأ حروب أخرى من صفر النهاية، ومن يدعي أن اسرائيل تكترث لحدود آمنة مع دول مستقرة واهم، لأن أساس قيام اسرائيل ونصرة الغرب لها هو الحفاظ على أعلى درجة توتر في المنطقة، وهذا وحده كفيل بالحفاظ على أمنها ووجودها إلى الأبد.
حرب الفتنــــة وحرب الملـــهاة بالأحصنة الخشبية، وحرب المطمطة، وحرب الإخفاق، وحرب الكواليس كلها خطة تحضيرية لحرب الرهان الدموية التي لا بد أن تتبعها حرب التسوية. لن يتم القضاء على أحد، فكل منظومة الحروب تلك لا بد أن تصل إلى الذروة: حرب الحَسْم.
هنا تتغير مراكز القــــوى، وسيصـــبح الشرق الأوسط – باستثناء اسرائيل – منطقة محظـــورة السلاح مع الإبقــــاء على خطة التحريض على التسلح، أما اسرائيل فستخرج منتصرة بالفتنة، وخارطة كتائبية ملغومة في مغارة دم يشن فيها الإخوة الغرماء حربهم على دمهم، فيا للتاريخ كم يعيد نفسه، حيث تصحو المغارة من قبر غراب وارى سوءة أخيه، كي يعلم بني البشر مراعاة حرمة الموت، الذي يتحول مع الزمن إلى مهنة، مادامت الجريمة إرثا في كفن الواجب الوطني…
لا عجب إذن أن تكون أول مقبرة في التاريخ من تصميم غراب! يبقى أن نقول ان تصريحات الصحف العبرية الأخيرة حول طمأنة اسرائيل للنظام السوري بعدم التعرض إليه، مع الإبقاء على حق اسرائيل بتدمير حزب الله، يضع السؤال في خانة الاستنكار: متى يمكن أن نعتبر الصحف الاسرائيلية مصدرا موثوقا؟
في حالة واحدة فقط، عندما تعتمد في نظامها المعلوماتي على خندق الخناجر.
ومسألة الثورة التي تمت تصفيتها جسديا ومعنويا ومبدئيا، لا تكون في هذه الحالة ضحية النظام وحده، لأنه لم يكن لينجح بوأدها أبدا مهما امتلك من منظومة تشبيحية، لو لم يعنه على ذلك أكثر من (جساس) حولوا الثورة إلى حرب الثأر من أجل ناقة هي المصلحة الشخصية.
حرب الناقة هذه ستكون حربا استنزافية مستطردة على حرب الإعداد للحرب، وبين ناقة الفتنة ‘المصلحة’، وناقة صالح السورية ‘الحرية’، ستَسْوَدُّ وجوه، وتهلك رؤوس أينعت ، وتظل سورية حارسة الأجل على باب القيامة.
‘ رئيسة تحرير جريدة ‘أسرانا’ الالكترونية لندن