حصّة لمن لا حصّة لهم/ ميشيل كيلو
يمكن القول، من دون مبالغة، إن الصراع الدولي في سورية انتهى إلى نمطٍ من تقسيم عمل روسي/ أميركي، يترجم نفسه هذه الفترة من خلال علاقةٍ تكاد تكون اندماجية بين موسكو والنظام، تضمن بقاء الأسد، وتمرّر حلا دوليا/ إقليميا/ محليا، يعيد إنتاجه شخصا لا بديل له، ولا بديل سواه. في ظل ما بلغه الانخراط السياسي/ العسكري الروسي في سورية، من غير الجائز استبعاد بقاء النظام معدّلا، في حال جسّد الحل القراءة الروسية للقرارات الدولية الخاصة بسورية.
في مقابل علاقة روسيا الكيانية مع الأسد، ونجاحها في إقناع دول عديدة بأن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، متمسّك بتابعه، تبلورت، خلال العامين الماضيين، علاقة أميركية مع حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي)، مشابهة لعلاقة روسيا بنظام الأسد، ومع أنها أكثر غموضا والتباسا، فإنها تضمن كيانية دولوية، أو شبه دولوية، للحزب، توضع ركائزها اليوم بقوة تعيرها واشنطن له، تكرّسه قوة تحتل منطقة تعادل خمس مساحة سورية، ترشحها للاتساع الحرب ضد “داعش” التي مكّنت الحزب من تشكيل جيش كبير، يضم كردا عراقيين وإيرانيين وأتراكا وبعض السوريين، تحميه طائرات أميركا ومدفعيتها من تركيا، وتمكّنه من احتلال مناطق، ليس في مئات من قراها وبلداتها أي وجود كردي، تقع خارج المنطقة التي طرد عربها وتركمانها وآشورييها، وجرف قراهم، بحجة الدفاع عن حق شعبه الكردي في تقرير مصيره. هناك اليوم قوة عسكرية مشتركة ومتكاملة تضم أميركيين وكردا، وأعدادا قليلة من العرب والتركمان، تغطي قوات الحزب الكردي بواسطتهم مشروعا هو جزءٌ من مشروع إقليمي، يتخطّى سورية إلى تركيا وإيران، يتطلب تمريره دعما أميركيا وتفهما روسيا.
أين “المعارضة” من الكيان الأسدي المنفذ روسيّاً، وكيان حزب الاتحاد الديمقراطي (البايدا) المحمول أميركياً؟ ليس لديها مشروع تستطيع ترجمته إلى وجود مادي، تأخذه الدولتان في حسبانهما. أليس هذا حقيقة جلية، رسمتها نتائج الاحتلال الروسي وشلل “جنيف”؟ وفي المقابل، أليس برود أميركا السوري موقفاً يسهّل جهود روسيا، في مقابل برود روسي تجاه انتشار عسكر واشنطن شمال سورية وشرقها وجنوبها، الضروري لمعركتها القادمة ضد إيران، ولإنجاز حوار عربي/ كردي، إن نجح ساعد على إقامة وضع سوري جديد بموازين قوى مختلفة، يعزّز حضور اليانكي في سورية والعراق، حيث قرّرت البقاء فترة طويلة، وقد يخلق ظروفا مناسبة روسياً لتحقيق حل سياسي متوازن، يزيد فرص ترحيل الأسد. أليس من الضروري إنجاز هذا العمل، قبل أن يدخل الروس على الخط، ويضغطوا لقيام تفاهم بين “البايادا” والأسد؟ وهل تعترف واشنطن، عندئذٍ، بحق “البايادا” في الانفصال، لإبقاء ورقتهم في يدها. ماذا سيبقى، في هذه الحال، من خيار للمعارضة، غير ذهابها أو ذهاب أطراف منها إلى روسيا، علها تضغط على الأسد، كي يقبل مشاركتها في حكومة وحدة وطنية.
هناك أمران يطرحهما الوضع المعقد الحالي:
ـ حتمية انتخاب ممثلين لمجالس المناطق مخفضة التصعيد، يلتزمون التزاما لا شبهة فيه بوثيقة جنيف، والمواقف الوطنية التي يتبناها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية والحراك الوطني والثوري السوري، لتكون جزءا من الثورة، إن فاوضت النظام والروس فاوضتهما باسمها، ولتحقيق أهدافها، على أن تكون، في الوقت نفسه، ممثلة في “الائتلاف” ومؤسساته.
ـ حتمية إجراء حوار مع واشنطن، يتناول تحديد نمط الدولة السورية البديلة للأسدية، على أن يواكبه تفاهمٌ مع مختلف أطراف الكرد على حقوقهم فيه، وينتهي بضماناتٍ أميركية لوحدة الدولة والمجتمع السوريين، ولما سيتم التفاهم عليه، فضلا عن حمايته من إيران، لتصبح نتائجه خيارا وطنيا يعبر عنه الحل السياسي المطلوب. بعد المجالس والحوار، لا بد من تواصلٍ مع روسيا يقنعها أن التمسّك بالنظام ليس لصالحها، ويغلق أبواب مصالحتها مع الشعب السوري.
بعد قيام كيانين، لا علاقة لهما بالثورة في وطننا، روسي/ أسدي وأميركي/ باياداي، وبعد نشوء مخاطر تهدّد وجود سورية، لم يعد بإمكاننا بلوغ أهداف شعبنا وثورته بالوسائل والممارسات التي اعتمدها “الائتلاف” والعمل الوطني خلال السنوات الماضية. ولم يعد ممكنا أو مجديا التخلي عن روح المبادرة ومتطلبات الواقعية السياسية، والتمسّك بطرق عمل وممارساتٍ عائدها الوحيد تفويت فرص تحقيق ما يُراد تحقيقه من أهداف بواسطتها.
العربي الجديد