حقوق الإنسان
عباس بيضون
أسبوع حقوق الإنسان يبدو لأول وهلة شكلياً إن لم يكن طقسياً. يبدو وكأنه من فروض ديانة أخرى هي عبادة الإنسان، وقد يتراءى لنا ما يتراءى لأوروبي أنه في احتفال بعيد مضى عليه الزمن. قد يتراءى لنا ان حقوق الإنسان، لفرط ما يرد هذا المصطلح في تقارير الأمم المتحدة ونشرات الأخبار، أنه بات في ماضينا والواقع أنه في ماضٍ ليس لنا. إذ غالباً ما نسمع به من بعيد وندفع عنا الشعور بالحسد بالقول إن لنا هويتنا ولنا قيمنا ولنا مثلنا الخاصة. هذه مقولة قديمة أيضاً، لكن إذا نقبنا فيها وجدنا هويتنا وقيمنا لا محل فيها للحرية، إذا نقبنا وجدنا ان الحرية لم تكن من مثلنا ولا مطالبنا، بل ربما وجدنا في ماضينا مديحاً للاستبداد وأدلجة له وأمثلة للطغيان. فمنذ ان واكبت عصر النهضة مقولة المستبد العادل وهذا المستبد حي فينا، إلا انه لا يعدل، فمن المحال ان يكون الاستبداد عدلاً، من المحال أن نعدل في الظلم، فهذه مفارقة عجيبة، مع أن هذه المفارقة وسمت ماضينا.
لنقلها، حقوق الإنسان غير مدرجة في تاريخنا، وفي أي من مراحله. مهما بلغ تغنينا بماضينا فإن حقوق الإنسان لا تنبع منه، ومهما بلغ ازدراؤنا لحاضرنا فإن حقوق الإنسان لم تكن على جداوله. إذا شئنا أن نقول كلمة في هذا الحاضر، منذ غزو بونابرت لمصر حتى أيامنا، فإننا ننتبه إلى اننا لم نطالب بالحرية ولم نطمح إليها، طالبنا بالتحرر من الاستعمار وأهرقنا دماً غزيراً في هذا النضال، لكن الاستعمار كان بالنسبة لنا هو الأجنبي، هو الغريب عن قومنا وديننا وتقاليدنا. أما أهل البلد، أما الطغاة من قومنا، أما المستبدون من بني جلدتنا فصفقنا لهم، أعجبتنا قوتهم التي تتظاهر في استبدادهم وأردناهم أقوياء علينا. أردنا ان لا تزول مهابتهم وان لا ينزل مقامهم وان يبقوا في السدة فوقنا وفي أعلى مكان. أردناهم أصحاب سطوه وأهل سلطان وذوي مقدرة، أردناهم فولاذيين جبابرة، فهكذا نحترمهم، وهكذا نخاف منهم، فنحن لا نحترم من لا يخيفنا ونحن لا نحترم من لا يتسلط علينا. فَهِمَ حكامنا هذا فبالغوا في السطوة وبالغوا في الإرهاب، وكنا لنزدري أنفسنا لولا أن الانفجار الثوري الكبير في الأيام القليلة الماضية جعلنا نعاود النظر إلى أنفسنا، وجعلنا نرى أننا حقاً بشر، واننا حقاً من هذا الكون ومن هذا العصر ومن هذا الكوكب. واننا تواقون إلى الحرية كبقية الناس، لأننا فطرنا على الحرية كما فطروا، ولأننا نتطلع إلى الاستقلال كما يتطلعون ولأن حقوق الإنسان ليست وقفاً على أناس دون أناس. حقوق الإنسان هي أيضاً حقوقنا وليست مجرد رطانة من الأمم المتحدة، وليست مطالب تخالف هويتنا وتخالف تاريخنا وتخالف تراثنا، إن لم تخالف شرعنا وفهمنا له. بقي أن نقول إن «المستبد العادل» مقولة مجلوبة من الغرب ولم تأتنا من تراثنا ولا من تاريخنا.
السفير