صفحات الثقافة

حكاية البنت التي طارت عصافيرها/ د. بشرى الفاضل

 

 

كنت مدية وسط حشد غريب من البشر. لا تجمعهم سلطة خضروات- شحاذين وجزارين وحرامية، قافزين ومادحين، وجنود غلاظ؛ رائحين وغادين، مترهلين، وعجاف، باعة متجولين ومتشردين وسبابة، منتظري مواصلات وجلابة، متأنقين ومتأففين. ومن بين كل هؤلاء ممثلون منتخبون يطاردون النساء بالعيون والأيدي والأجساد، ومن لم تسعفه الحركة يطارد بالاستجابة المباشرة الحسية، أو حلم اليقظة.

كنت مدية حادة السنان تشق طريقها وسط الزحام فتحدث ألماً مفاجئاً في كتف هذا مشفوعاً )بمعليش( وجرحاً في قدم هذه متبوعاً )بسوري( ولكمة في وجه تلك موصولة )بمتأسف( وكنت من فرط سرحاني لا أنتظر رداً على

اعتذاري..

كان النهار أخضر لا كعادة أيام الصيف، وكنت ملتوياً بالبهجة كعمامة إعرابي يزور المدينة للمرة الثانية، لا العاملات سعيدات مثلي ولا ربات البيوت. أنا ابن المحطة الوسطى العنكبوتي الجيب المشرئب عنقاً لحادث حركة أو مظاهرة نشال، المستيقظ منزولاً، المتضور جوعاً الباحث في خشم البقرة عن عمل. شغبي مكتوم. ومظلوم ابن مظلوم ومع ذلك سعيد. هل ينتزع الأوغاد سعادتي؟؟ هيهات. وهكذا كنت لا أنوي التجول فتجولت والناس مكدسة بطيخ بشري. كل كوم ينتظر وسيلة مواصلات. دنوت من أحد الأكوام وأخرجت

أدوات إنتظاري. أخرجت أولاً كوعي، ثم راحة يدي فعاونا رجلي في حمل الجسد المستهلك يومياً والمتعب على مدار العام. ومن بعد أخرجت عينيّ ثم طفقت أنظر.. أنظر.. في الاتجاهات جميعها وأختزن. رأيت أولاً رجلاً أعمى، كأنه وهو ينظر أمامه يقرأ من لوح محفوظ. ومضى الرجل لحاله لكن نقودي تناقصت. رأيت ثانياً امرأة بدينة لدرجة أنها حين

تنادي وليدها :

-)يا هشام(

تحس بحرف الهاء يطن في أذنيك مليئاً بالشحم. رأيت رجلاً عبوساً، وطفلاً تغازل رجلاه علبة صلصة فارغة. رأيت أصواتاً وسمعت روائح لا حصر لها وفجأة وسط هذا كله رأيتها. قفز الدرويش مكان قلبي. ورأيتها. فارعة الطول من غير أن تتأرجح. قمحية لا كالقمح الذي نعرفه. ولكن كالقمح حين يكون قمحياً مثلها. أخذت من الضباط أجمل ما فيهم مشيتهم. ومن الناس أخذت ألبابهم. تراها فلا تشبع. قلت لنفسي:

– هذه فتاة طارت عصافيرها .

كان وجهها مستديراً ويبدو هكذا:

وكان أنفها كالخضر الطازج ولها عين؛ يالله! وعنق فرعوني ذوي وترين مشدودين أنيقين لا يبدوان إلا إذا التفتت، وإذا التفتت هربت جميع البائعات بفولهن المدمس وتساليهن المملوح. وهربت الشوارع من حفرها والروائح النتنة من أماكن بيع اللحوم، وهربت ذاكرتي إلى مستقبل أتمناه. إذا صببت ماءً في هامة البنت التي طارت عصافيرها، انحدر ناحية الجبهة. وكان جسمها إذ تمشي يتماوج، كأنه بريمة تنداح دوائرها في قطعة خشب تنوي ثقبه.

أقبلت نحوي فنظرت لحالي وأصلحتها، واقتربت أكثر فرأيتها تمسك بطفلة صغيرة تشبهها إلا من بدانة في الطفلة. كانت يداهما تتشابكان كأنهما مصممتان خصيصاً لذلك، وكأن كلا منهما تمسك بشرودها. وكانتا تعقدان الحواجب بلا دهش بين كل دقيقة وأخرى بحيث يبدو ما يحدث لعينيهما مثل برق يغسل عن وجهيهما نظرات الآخرين الجائعة.قلت:

– هذه فتاة طارت عصافيرها.

ثم التفتُّ لأختها فقلت:

– هذه تميمة ولا بد جاءت بها لتقيها من شر الآخرين. هذه تميمة طارت راحتها.

ورأيتهما كثيراً جداً حتى تخيَّلت نفسي بالمقابل بشعاً، فأجفلت ولكنهما ما أجلفتا ونظرت إلى التميمة. فمها دقيق كأنه لا يأكل اللايوق الذي أتلوث به. وألتفت إلى الناس ثم إليهما مرة أخرى ونظرت ثم نظرت، نظرت.. نظرت!

حتى أنقذت الموقف عربة أجرة دلفت على حين مباغتة فافسح الناس للتميمة والبنت التي طارت عصافيرها. على غير عادتهم مع النساء الأخريات، فركبتا ومن خلال غبار المنافسة وجدت نفسي أيضاً داخل العربة.

تحركنا وكانت العربة معطوبة ناشفة في سيرها. كان جاري يدخن وجاره محشو بالبصل ولو لا أن النهار كان أخضر، ولولا البنت وتميمتها وما شذ من جمالهما وأخبارهما مما ذكرت لنزلت من تلك العربة التعيسة غير آسف.

وعلى كل تصرمت خمس دقائق حين جأر الذي هو بصيل بالبصل:

– عندك هنا يا معلم.

ثم نزل وضرب الباب كأنه يسقط عليه شجاراً بائتاً، جبن من خوضه في حينه فاختزنه. تحسس السائق خده الأيمن كأن صفعة الباب كانت به.

ثم تمتم لنفسه:

– ناس ما فيها رحمة.

ترنح الرجل البصلي وعاد أدراجه ورمق السائق بعين حمراء ثم فجر قنبلته:

– أيه قلت شنو؟

صحت فيه:

– أمش بالله با ابن العم الحكاية بسيطة.السواق ما قال حاجة فيك.

تدحرجت العربة واختلط هدير موتورها بسباب الرجل البصلي ولعناته.

وكأن السائق كان يعنينا بمواصلة الحديث الذي يشبه المونولوج حين قال:

– ناس زي الحيوانات.

سحب الحال على البشر كلهم وما لبث يذم ويتنرفز حتى وقعت العربة في حفرة الشارع الرئيسية ثم وثبت كما تثب ضفدعة. ونقت فداس عليها سائقنا فرضخت وسارت قدما مزمجرة. كان ظهري من فرط قسوة العربة قد بدأ يؤلمني. نظرت أمامي حيث البنت التي طارت عصافيرها وتميمتها فأحرزت أنهما اتخذتا شكل المقعد. لا تشعران بالوجع ولا ينزلق غضروفاهما. وأخيراً وصلنا. نزلت البنت وتميمتها ونزلت أنا ثانياً فلم أسمع صوت أرجلهما بيد أن وقع حوافري كان مسموعاً للجميع. وأوشكت أن أتحسس أذني هل طالتا؟!

سارتا فسرت خلفهما. لا كعادة السودانيين، وكنت من أنصار السير بالتوازي قبل رؤيتهما ولكن مشيتهما كانت إيقاع خواطري. قلت لا بد أن ينبثق الإيقاع أولاً. سارتا أمامي موسيقى بالغة العذوبة وسرت لشدة اضطرابي أشتراً. وفجأة التفتتا جميلاً جداً ناحيتي وكان ثمة غضب ملون منقوش على وجهيهما قالت الكبرى:

– مالك مبارينا؟

قلت مقللاً من وتائر فزعهما:

– لا يا ابنة العم، عندي مثلك، ولا أطارد الجمال بالبنادق في الشوارع

قالت:

– قديمة!

قلت:

– لا صدقيني. ومضيت أقول عندي مثلك )أحبها وتحبني ويحب ناقتها بعيري(. ألف مرة أجيئها غاضباً وأخرج من عندها هاشاً باشاً كأن لديها مصنعاً للفرح. خرجت في ذات يوم من لدنها مليئاً بها حتى غازلني الناس في الشوارع.

انسابت من حنجرة البنت التي طارت عصافيرها أنغام صافية مكان الضحك، ثم سكتت وسكت.

دار خاطري في ذكر حبيبتي يا لها من عفريت. تلك الفتاة شديدة الاعتداد بنفسها. شديدة الوثوق بها. قالت لي ذات مرة والصيف على أشده ونحن نرجع من حفلة موسيقية.

– جدتي كان يغني عليها سرور.

قلت:

-أولئك مطربون أوقعهم شعراء المرحلة في التهلكة فصاروا يتأوهون

ويتأرجحون بانتظام طرباً بمفعول لحن دائري وكلمات هابطة.

قالت:

-كيف؟

قلت:

– شعراؤهم كأنهم قصابون يبيعون المرأة جزءاً جزءاً إذ يدنو الرجل من متجر فيه حنجرة تغني وتصيح:

– نهد. نهد. وجنة. وجنة.

فيقلب الرجل في أجزاء المرأة ما طاب له وتنتبهه الحنجرة لجمال بعض الأجزاء الغائبة عليه ويخرج الرجل بعد أن يكون قد اشترى نهدا بالبصل أو خصراً بالجرير ومن كان عنده ضيوف يشتري كفلاً.

قالت حبيبتي:

– يخصي ذلك كلام منك قبيح. أحتفظ بلسانك خلف أسنانك. هل نسيت أن من بينهم خلل فرح؟

فألقمتني حجراً.

ولا بد أن حالة سرحاني عاودتني إذ ما أن التفتُّ حتى لم أجد للبنت التي طارت عصافيرها ولا لشقيقتها أثراً. صنعت من حواسي مختبراً للتجسس على البنت وتميمتها.

الأذنان مايكروفونان، والعينان كاميرتان والأنف معمل كيمائي واللسان نشرة أخبار وكان المختبر يعمل بكامل طاقته لا كمصانع هذه الأيام، ثم ترصدت مثل فأر يترصد حركات عدوه التقليدي فيتفاداها. ثم أن رادار البنت التقطني.

قالت: وهي تركض خلفي وأنا أوسع من خطواتي خوف أن تشتمني:

– عذبتني. أنت داير مني شنو ياخ!

قلت:

– لا شيء سوى أن أراك. أغنيك. أحلم بك، لا دخل للأذى في علاقتنا.

إنه انجذاب وحيد الجانب. فأنا يعجبني من هو مثلك ولكنني أشعر أمامه بالدونية.ضحكت البنت وتفرست فيَّ باستغراب فتماديت:

– أمصنوعة أنت من أحمر الدم؟ وهل كان قلبك وردةً فمرت عليها

المصائب حتى طوتها؟

ضحكت مرة أخرى فسقط قلبي في ثلج من الرضا والفرح.

سألت:

– شاعر؟

قلت:

– يقولون.

ثم أردفت:

– ومن أخبرك بأمري.

قالت:

– سمعنا.

قلت:

– ومن معك حتى تخاطبين نفسك بضمير التعظيم؟ ألا إن وجهك نور وصوتك نور وأنت مرايا معلقة في دموعي تضيء فأبكي.

قالت:

– جميل. كنت أسيء فهمك. الآن حصحص الحق. أنت تعرف شباب هذه الأيام تافهون ووقحون.

قلت:

– بل أعرفهم. انبشي تجدين نفيس المعادن. المعادن لا توجد على السطح أصحابي أكثر من النمل، غالبيتهم يتَفهمون ويَفهمون ويُفهمون.

ركضت البنت بفرح أمامي. كان قوامها يتماوج حتى اختفت ورنّ في أذني صليل جرسها العذب. وما انفكت صورة عينيها تضيء وتظلم في دماغي، وما برح وجهها يغذى ذاكرتي بالفرح. طارت عصافيرها طارت. طارت. طارت.

وهكذا أصبحنا صديقين. لشهر كامل استمرت مقابلتي لها في الشارع العام. نركض. نضحك ونتحاور فلم أصل غورها وخفت أن تكون قد لامست سطحي. وذات أربعاء سألتها.

– من تلك التي في يمينك؟

– أختي أتوكأ عليها وتساعدني على السير في الأسواق وتحفظني من شرور العربات.

قلت:

– تميمة؟

قالت:

-ماذا؟

قلت:

– رقية؟ تحفظك من شر العيون؟

ثم قلت لنفسي: )وإذا المنية أنشبت أظفارها الفيت كل تميمة لا تنفع(. وحدقت مرة في وجه الجميلتين ملياً. الصغرى ذبلت وخارت قواها كما تخور قوى ثور الساقية. لا بد أن المشاوير أشاختها قبل الطفولة. ركبت معهما كانت العيون قد بدأت تتطاير من أركان الحافلة كلها وهطلت العيون في أفخاذ ووجهي وعيون وجسدي البنتين وغمرتهما العيون التي تشبه المناشير الزجاجية. التفتُ ورائي وأمامي الجميع محاجرهم كالملاحات الفارغة. طارت العيون عن الوجوه وأصبحت في كل وجه حفرتان. ومنعت نظارتي الطبية عيني عن الإقلاع والطيران وبما أنني منحت حب استطلاع غامر ومتعة إحصاء فذة، فقد وجدت أن بجسديهما تسعاً وتسعين عينا مستديرة وعجبت أول الأمر للرقم الفردي والتفتُ ورائي فوجدت أن أحدهم كان أعور. عدتُ إلى البيت غاضباً ونبشت أوراقي فوجدت ضالتي وصممت على الرجوع في الحين. كان النهار قد انتصف. الشمس قائظة وأنا مغتاظ ووجدت

باب حافلة مفتوحاً ككرش مرتش فدخلت وكانت تلك الحافلة كمركب نوح.

بها كل الوجوه. اشتات مجتمعات. فيها يسهل السهو والسرحان. وما أن جلست حتى أطلقت خيولي قوية السنابك من اصطبلاتها فرتعت في حول- خيالي وخيدعي.

كأن صوتي ضاع مني. كأنه سقط. تكالبت عليّ الهموم فلا عيناي ولا عيون غيري أيقظتني.

آه مني أنا القدح ابن الكرم، يملأونني بالشجن مكان الدخن واللبن وأملأهم بالفرح مكان الحزن والبؤس فبئس مصيري، وبخ بخ لمصيرهم كأنني مصنوع لاستمرارهم وكأنهم مستمرون – لشقائي. وآه مني أنا ابن النوم. ابن الانتظارات والمواعيد الكذوبات. لي حبيبة في الذاكرة والمني فقط.

مثلي يتمنى مثلها. ومثلها لا يرضي بمثل من هو مثلي. فمثل من أنا؟ يا بقرة –

قلت لنفسي يا وحشاً. يا رجلاً محشواً بالأمراض، بالجراثيم، بالصعود والهبوط. وبالتحولات والاهتزازات، تحيط به الباحثات عن سعادة فيسومهن سوط عذاب والباحثات عن صديق فيعاديهن، وتحيط به اللائي طارت عصافيرهن ولا يحيط بشيء. ومع ذلك فهو يدعي أنه من قبيل يفهم، يعي، يشاكس، ويتمرد.

رجعت لحال بؤسي وأنا ما زلت في تلك الحافلة اللعينة. فوجدت الناس من حولي تناطح، لا يترك رجل لامرأة من مقعد ولا تترك امرأة لرجل من لعنة في قاموس. كان لا بد من أن أنزل قبل أن أصل إلى المحطة بغيتي فنزلت ورأيت قدامى قطاراً من البشر، دفع به الفضول نحو المستشفى ولم يكن فضولي أقل كما ولا نوعاً إطلاقاً ولكنني كنت مكابراً. ركبت موجة الزحام بعد أن أفرغت كل عبارات وتأوهات التعجب.

– في شنو يا جماعة؟

وتاهت عبارتي السؤالية في لجة عبارات مشابهة وجاءتني تفسيرات شتى كل تفسير مستقل عن غيره ملم ببعض التفاصيل متجاهل لبعضها فما زادتني إجابات المارة إلا اندفاعاً شديداً إلى الأمام نحو مبعث حب الاستطلاع ثم كان أن انجرفت بفعل تلاطم الناس نحو الشيمة أكثر فأكثر حتى صرخت:

– دم!

كأن موسى حادة قطعت الأشعة عن عيني. كأنني مُتُّ. مضرجة. مضرجة خضابها الدماء والصدمة؛ خضاب تميمتها الدماء والفزع. وخضاب مثيلاتهما الحناء. دم في أيديهما كقاتلتين وفي أرجلهما كمقتولتين. وفي مختلف انحائهما بحيث لا تعرف من أين ينبثق قلت لنفسي بصوت مسموع :

– حادث حركة ولا بد.

صرخ رجل ذو وجه مستدير منفعل:

– لا.

قلت صامتا:

– ماذا إذن؟

ثم استدرت مع جملة المبحلقين قبالة وجه شاب هادئ الصوت حين

قال:

– كانتا في الشاطئ. منكفئتان هكذا وفاقدتان للوعي وجدهما رجل بدين

ذهب الآن لقسم الشرطة.

قلت صارخاًً:

– حادث حركة لابد.

صرخ جاري الذي تصادف ان كان ضمن دائرة المشاهدين:

– يا راجل أنت مجنون؟ حادث حركة في الشاطئ يعني صدمتهن مركب؟

واللا نطت سمكة من البحر ضربتهن؟

قلت لنفسي:

– حادث حركة ولا بد. ثم استدرت نحو الشارع العريض مؤذنا صارخاً ضاحكاً ولاعباً باكياً وخطيباً- لا لا لا لا طارت عصافيرها طارت عصافيرها طارت

عصافيرها؛ طارت عصافيرها. طارت عصافيرها. طارت…. طارت.

تلفت بعض السابلة وهزوا رؤوسهم ثم تلفتوا من باب التأكيد على كون أني مجنون ومضوا في حال سبيلهم.

– طارت.. طارت.. طارت..

أوقف رجل عربته. كان ممتلئ الأوداج بالضحك وسألني:

– شنو الطارت دي ا؟

فقلت:

– عصافيرها..

ضحك حتى ارتج الأسفلت وحتى انبعجت العربة وأطلقت ريحا ثم أدار محرك عربته واختفى.

– طارت.. طارت.. طارت.. هل ؟ لا بد أن قوة ما ذهبت بهما إلى ذلك المكان.

لا بد أنها حيلة ما. أرأيت الفزع والخوف على وجهيهما؟ فزع التميمة

وصدمة البنت التي طارت عصافيرها؟

– لا لا حطت.. حطت.. حطت..

رأيت قدامي جمهرة وخلفت ورائي جمهرة. كلهم ينظرون إليّ كأنني مرتكب الحادث. كدت اصرخ فيهم: – طارت! ولكنني وجدت الأسفلت ممتداً أمامي فمشيت ومشيت ومشيت ومشيت؛ ذلك الظهر الكئيب. لا منبع حلمي وصلت ولا دارنا، النهر اقرب وعيون الحبيبات أكثر أمناً، فلأذهب لهذا عسى أن اغتسل ولتلك عيسى أن أتوسد سوادها وأنام في متن بياضها

ملء جفوني وليسهر الخلق وليختصم ما شاء له طالما أن عصافير برية بريئة حصبوها بالحجارة والرغبات المتمركزة حول ذاتها فحطت بمكان قبيح، قسرا في بقعة مليئة بالقسر والإكراه.

 

حكاية البنت التي طارت عصافيرها

د. بشرى الفاضل

النص الفائز بحائزة (كين) للادب الافريقي المعاصر

لندن يوليو 2017

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى