حكاية «الجهاديين» في سوريا
علي إبراهيم
روايات كثيرة بدأت تظهر، خاصة في الصحافة الغربية، خلال الأسابيع الأخيرة عن ظهور «الجهاديين» الذين يتبعون أفكارا متشددة بعضها يميل إلى «القاعدة»، في الثورة السورية التي أخذت شكلا مسلحا حاليا.
وهي حكاية قديمة جديدة بدأت من اليوم الأول لانتفاضة السوريين طلبا للحرية والعدالة، سعى النظام إلى ترويجها بقوة وتخويف العالم من خلال خطاب يتحدث عن مجموعات مسلحة إرهابية تقف وراء ما يحدث بتمويل خارجي، على الرغم من أن الانتفاضة السورية ظلت لشهور طويلة سلمية عبارة عن احتجاجات ومظاهرات تخرج إلى الشارع فيرد عليها الأمن بالرصاص والقمع الوحشي، وهو مسار كان لا بد أن يؤدي إلى لجوء المنتفضين والثوار إلى السلاح، وهو حتى الآن لا يزال بسيطا في مواجهة الآلة العسكرية الأضخم التي تواجههم.
وكان واضحا أن إدخال هؤلاء الذين يطلقون على أنفسهم «جهاديين» بأعلامهم السوداء في معادلة الثورة، هو جزء من حرب إعلامية تسير بموازاة الحرب الدموية الأخرى التي تجري في الشوارع يوميا، كان من بينها الصور التي ظهرت لهؤلاء على معبر حدودي مع تركيا جرى السيطرة عليه لفترة من قبل المعارضة، ثم ظهر فجأة من حيث لا يدري أحد هؤلاء المسلحون ليجري التقاط الصور لهم ثم يختفوا بعد أن يكون التأثير الإعلامي قد انتهى.
والتقارير الأخيرة، وآخرها في «نيويورك تايمز»، تشير إلى وجود لهؤلاء المسلحين الذين يصل إليهم تمويل أفضل، كما يشير التقرير، في محافظة إدلب، وإن كان عددهم أصغر من بقية المجموعات المعارضة، كما تحدث الصحافيان الغربيان اللذان حررهما الجيش الحر قبل أيام عن مسلحين أجانب يتكلمون الإنجليزية قاموا باحتجازهم لعدة أيام.
المفارقة أن الجهة التي تملك المعلومات الاستخبارية والإمكانات لمعرفة الحقائق، وهي وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، قللت في الأسبوع الأخير من شأن هذه المخاوف حول «القاعدة»، معتبرة أن وجودها ضعيف في ما يحدث في سوريا، وهو كلام أقرب إلى المنطق، لأن فلسفة وفكر التيارات التي تتبنى فكر «القاعدة» أو الأفكار «الجهادية» المتشددة لا تؤمن بانتفاضات شعبية أو مطالب مثل الحرية والعدالة، وإن كانت كما حدث في تجارب سابقة تستغل حالات الفوضى في محاولة إيجاد موطئ قدم لها تستخدمه لأجنداتها الخاصة.
من جانبها، فإن المعارضة بحّ صوتها في التأكيد على أن ما يحدث في سوريا ليس له علاقة بالطائفية أو التشدد، وأن المطالب واضحة وسياسية بالدرجة الأولى تتعلق بتغيير النظام بعد الدم الذي تسبب فيه نتيجة الحل الأمني الذي انتهجه. وهناك من يشير إلى أن معسكرات المسلحين الذين كانوا يأتون من كل بقاع الأرض ليجري تهريبهم إلى العراق في ذروة عمليات التفجير والإرهاب هناك كانت موجودة على الأراضي السورية وبرعاية النظام الذي كان يستخدمهم وقتها في معاركه الإقليمية.
خلاصة القول، قد يكون هناك وجود لمتطرفين أو مسلحين أجانب في وسط أحداث سوريا، لكن من الصعب تصديق أنهم أكثر من مجموعات متفرقة صغيرة ظهرت لأسباب لا نعرف من يقف وراءها.
وإذا كان هناك سبب للقلق من ظهور هذه الجماعات، فإنه يجب أن يدفع إلى العمل بشكل أسرع وأكثر قوة من قبل المجتمع الدولي لتقديم الدعم الكافي للمعارضة المعترف بها، واللجوء إلى جميع أشكال الضغط من أجل الوصول إلى حل سياسي يؤمن انتقال السلطة، فالجميع يعرف أن النظام تخطى نقطة اللاعودة، وإطالة وتيرة الصراع لا تعني سوى دفع تكلفة أكبر من الدم والدمار، وجعل الإصلاح ووأد الأحقاد والثأرات أصعب مستقبلا.
الشرق الأوسط